بين خطة الانقاذ المالي التي كشفت عنها الحكومة في 7 نيسان وما اعتبرته إنجازاً تاريخياً، في 30 منه، طرأت تغيّرات عدة. صحيح انّ هذه التغييرات كانت متوقّعة لأنّ الحكومة أجرت خلال المدة الفاصلة عدة لقاءات مع خبراء اقتصاديين وماليين وسياسيين، الّا انّ بعض ما أضيف الى الخطة غير قابل للتحقيق كما انّ بعض الإيرادات المقدّرة تطرح علامات استفهام.
كشف أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة Johns Hopkins مايك عازار عن بعض التعديلات التي أدخلت الى خطة الإنقاذ المالي بين النسخة التي طرحت في 7 نيسان وتلك التي اعتمدت في 30 منه، مشيراً الى أن بعضها مستغرب وقد يصعب تحقيقه والبعض الآخر طرح بشكل متسرّع بهدف الانتهاء من إعداد الخطة والانتقال سريعاً الى مرحلة التفاوض مع صندوق النقد التي ستستغرق وقتاً، والحكومة تدرك انها خلال هذه المرحلة ستعدّل الخطة مجدداً.
ورأى انّ الحكومة متفائلة جداً بخطة الإنقاذ هذه وهي تسعى الى إقناع صندوق النقد بقدرتها على إعادة تسديد الدين في المستقبل.
وتوقف عازار أمام اقتراح الحكومة البدء في رفع تدريجي للقيود على حركة رأس المال (كابيتال كونترول) اعتباراً من العام 2021، وفي السياق، يقول: انّ رفع القيود لا يمكن ان يحصل العام المقبل لأنّ الوضع المالي للبنان لا يسمح بخسارة مزيد من الدولارات وخروجها من البلد قبل تصحيح ميزان المدفوعات، لا سيما انّ لبنان يحتاج الى هذه الدولارات لتمويل الاستيراد، بما يطرح علامات استفهام حول الجدوى من هذه الخطوة. فلا يمكن السماح بتحويل مبالغ كبيرة من الدولارات الى الخارج في ظل تراجع نمو الناتج المحلي 4.4%، وفي الوقت الذي يطلب لبنان من صندوق النقد قرضاً يوازي القيمة نفسها المتوقع خروجها، فلبنان يطلب حوالى 10 مليارات دولار من صندوق النقد، بينما تقدّر خطة الحكومة خروج أكثر من 8 مليارات دولار من لبنان خلال 5 سنوات.
بناء عليه، يؤكد عازار انّ فرض الضوابط على حركة رأس المال يجب ان يستمر أقله الى حين الانتهاء من إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة القطاع المالي وعودة الثقة إليه، وهذه العملية ستحتاج الى أعوام، ففي ايسلندا مثلاً بقيت القيود لنحو 9 أعوام.
أضاف: انّ الرفع التدريجي للقيود المصرفية سيخلق فجوة في التمويل تقدّر بنحو 8 مليارات دولار، فكيف سيتم تعويضها اذا لم يصحّح العجز في ميزان المدفوعات كما تتوقّع الحكومة؟
وأشار الى انّ استعادة ثقة المودعين بالقطاع المصرفي ستستغرق وقتاً، لذا إذا سمح بتحويل الأموال الى الخارج الآن سيسعى الكل جاهداً الى إخراج أمواله من لبنان، لكن إذا أقرّت الحكومة مشروع الكابيتال كونترول سيكون خروج الاموال منظّماً وعادلاً للجميع، امّا في ظل الفوضى السائدة فلا شك سيكون أصحاب النفود والمحسوبيات هم الاوفر حظاً.
وفي السياق، لفت عازار الى انّ النسخة النهائية للخطة شطبت بند تكليف شركة عالمية التدقيق في حسابات العاملين في الشأن العام من سياسيين وعائلاتهم وذويهم (peps) والذين يملكون ما يزيد عن المليون دولار، ما يدل على الضغط السياسي الذي مورس لوقف التدقيق في الحسابات المالية، وهذا يجعلنا نشكّك بقدرة الدولة على إقرار مشروع قانون عادل للكابيتال كونترول.
إيرادات السياحة متفائلة
من جهة أخرى، لاحظ عازار انّ خطة الإنقاذ بصيغتها النهائية تبدو وكأنها مبنية على إيرادات القطاع السياحي الذي سيشهد نهضة قوية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا ما تجلّى في ارتفاع المدخول الناجم عن قطاع الخدمات في الخطة النهائية مقارنة مع النسخة الأولية للخطة الأولى، الامر الذي يدعو الى الاستغراب. واعتبر انّ تقديرات الإيرادات السياحية متفائلة جداً، فاليونان على سبيل المثال احتاجت أكثر من 5 سنوات قبل ان تنشط فيها الحركة السياحية وتعود الى المستوى الذي كانت عليه قبل أزمتها المالية.
وعمّا اذا كان تدهور سعر الليرة سيجذب السيّاح للتسوّق في لبنان كما حصل مع تركيا واليونان ؟ قال: ان تدهور الليرة التركية تَرافَق مع استقرار امني وسياسي وليس مع تحركات شعبية كما هو الوضع في لبنان، يضاف الى ذلك اننا نمر بأزمة مالية خانقة نتج عنها ارتفاع في نسبة الفقر والعوز. يضاف الى ذلك أزمة كورونا التي لم تنته بعد، فكل هذه العوامل تخالف توقعات خطة الإنقاذ المالي التي تتحدث عن تقديرات بتدفق أعداد السياح من 2 الى 4 ملايين سائح سنوياً، أي حتى أكثر من قدرة البلد على الاستيعاب في حال لم تضخّ استثمارات جديدة في البنى التحتية.
3 خيارات في bail in
من جهة أخرى، لفت عازار الى انّ خطة الحكومة تقترح 3 انواع من الـ bail in:
– شراء الدائنين أسهماً في المصرف المتعثر (رسملة طوعية للمصرف).
– تحويل جزء من الودائع الى أسهم قابلة للتداول في صندوق خاص لاسترداد الأموال المنهوبة التي سيتم استرجاعها ويقدّر المبلغ بـ 10 مليارات دولار.
– تحويل جزء من الودائع الى سندات مصرفية ثانوية طويلة الاجل من دون فائدة او بفائدة محدودة.
ولفت الى انّ النوع الثالث المطروح في الـ bail in استحدث مؤخراً، وهذا الخيار هو الافضل للمودع لأنه يُسدّد بالأول، لأنه عبارة عن ديون، والديون تُدفع دائماً قبل الاسهم. وبالتالي، انّ هذا الخيار يقلّل حظوظ التوجّه نحو الخيار الاول الذي يعني شراء اسهم في البنك. لكنّ استحداث هذا الخيار لا يحلّ المشكلة لأنّ الدين يبقى من ضمن الميزانية العمومية للمصارف، وعلى المصارف ان تسدّد ثمنه نقداً، إنما في الخيار الاول أي شراء الاسهم لا تدفع المصارف اموالاً انما تسدّد أرباحاً لاحقاً.
وكلما زادت فائدة هذا الدين الجديد (خصوصاً اذا بقي بالدولار) كلما ستستمر الأزمة في ميزانية المصرف. وتساءل عازار: أي مستثمر سيكون على استعداد لإعادة رسملة مصرف حَجم ديونه كان كبيراً؟ لأن ذلك سيقلّل من قدرته على دفع الأرباح.
الجمهورية