بمعزل عمن اتخذ قرار دعم تمويل سلّة من المواد الغذائية، سواء رئيس الحكومة أم حاكم مصرف لبنان أم حصيلة الصلحة بينهما، فهو مذنب بتكريس رفع أسعار هذه السلع الضرورية وضرب ما تبقى من قدرة شرائية لدى المستهلكين. فالتمويل سيتم على أساس سعر الدولار 3200 ليرة، أي إن الحدّ الأدنى لزيادة أسعار هذه السلع سيكون 110% ما عدا أصحاب الاحتكارات الذين لا يشبعون
تعميم ضبابي؟
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً رقمه 557 ينصّ على الآتي:
– يمكن للمصارف العاملة في لبنان الطلب من مصرف لبنان تأمين العملات الأجنبية تلبية لحاجات مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية المحدّدة في لائحة تصدرها وزارة الاقتصاد.
– تحدّد الآلية والشروط المفروضة للاستفادة من هذه المادة بقرار يصدر عن وزير الاقتصاد والتجارة لهذه الغاية.
– تقدم المصارف المعنية الطلبات موضوع هذه المواد إلى وحدة التمويل لدى مصرف لبنان بعد الموافقة عليها من وزارة الاقتصاد والتجارة.
– يتم تحديد سعر صرف العملات الأجنبية وفقاً للآلية المتبعة لتطبيق أحكام المادة 7 مكرر من القرار الاساسي الرقم 7548 تاريخ 30/3/2000.
وقد جاء هذا القرار بعد اجتماعات كان أبرزها اجتماع بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وحصلت اجتماعات أخرى شارك فيها عدد من الوزراء وتجار المواد الغذائية. بعض التجّار الذين اتصلت بهم «الأخبار» أنكروا فهمهم لهذا التعميم، بل اعتبروه ضبابياً كثيراً في انتظار تلك اللائحة التي ستصدر عن وزير الاقتصاد اليوم.
رساميل التجار من جيوب الناس
في الواقع، ليس الأمر متصلاً بفهم التجّار، بل بمدى انسجام التعميم مع مصالحهم، وهو أمر لا يمكن أن يتحدّد من دون لوائح وزارة الاقتصاد التي يفترض أن تجيب عن الآتي: ما هي السلع المشمولة بالتعميم؟ ما هي آليات الاستفادة؟ فهذه الأسئلة تحدّد أي التجّار سيتاح لهم الحصول على هذا التمويل، وستفسح المجال لإعادة تشكيل حلقات الاحتكار التجاري في سوق ضيّقة تتّسم بتركّز مرتفع، وستحدّد الحصص السوقية لكل لاعب ومن يمكنه الاستمرار ومن سيحاول ومن سيسقط.
ثمة الكثير من الأسئلة التي جاءت ضبابية في التعميم. ربما سلامة تجنّب تحديدها قصداً، تاركاً إياها على عاتق وزير الاقتصاد. وربما اتفق على توزيع أدوار بعد كل الاجتماعات التي أدّت إلى صدور هذا التعميم وما سبقه من توتّر بين دياب وسلامة.
حجّة التهريب
هناك ضربة ثانية «بتحرز» أكثر من سابقتها. التعميم يشير إلى أن تحديد سعر صرف العملات وفقاً للآلية المتبعة لتطبيق أحكام المادة 7 مكرر من القرار الأساسي 7548. ماذا يقول هذا القرار الاساسي؟ إنه يحدّد «تسديد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد اليها (المؤسسات غير المصرفية التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية) من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق». إذاً السعر هو نفسه المحدّد لهذه المؤسسات: 3200 ليرة.
الطلب على الدولار
أياً تكن الحال، يثير هذا الأمر سؤالاً أساسياً: هل هناك ما يعوّض ارتفاع السعر وتآكل المداخيل؟ كان الأمل عند الكثيرين أن يكون التعويض في انخفاض سعر صرف الدولار، لأن حجّة التجّار أنهم يضطرون إلى شراء الدولارات من السوق السوداء بقيمة 4000 ليرة لكل دولار، وهو ما يفرض عليهم رفع الاسعار. ما هي قيمة السلع المتوقع دعمها بسعر الـ3200 ليرة؟ إنها سلّة لا تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً. هذه السلّة تساوي 2٫8% من مجمل استيراد لبنان في السنة الماضية. حجم الطلب اليومي على الدولار الناتج عن هذه السلّة لا يتجاوز مليوني دولار يومياً (على أساس 250 يوم عمل) بينما الطلب على الدولار ناجم عن سلّة استيراد تتجاوز 12 مليار دولار. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن لا أحد يمكنه ضمان ألا يعاود سعر الدولار الارتفاع مجدداً، من دون إجراءات جدية لم تظهر تباشيرها بعد.