يشتدّ السباق بين عجلات المؤسسات الدستورية التي غالباً ما تدور ببطء نتيجة خصوصية التركيبة اللبنانية وبين الخيول الجامحة للأزمة الاقتصادية – المعيشية، وسط خشية من أن يكون إيقاع المعالجات قاصراً عن اللحاق بالأزمة التي تتدحرج بوتيرة متسارعة، من شأنها أن تُبقي الباب مشرّعاً على كل الاحتمالات.
لعل واحدة من علامات الواقع اللبناني المعقّد هي انّ قانون العفو العام صار يحتاج في حد ذاته إلى «عفو» ليمرّ في مجلس النواب، كما تبيّن من الجلسة التشريعية الأخيرة التي طافت على سطحها هواجس ومزايدات كانت كفيلة ببعثرة «الأحرف الأولى» التي تم التوافق عليها، وإظهار عيّنات ممّا هو دفين في جوف المكوّنات الطائفية والسياسية.
اما القوانين الأخرى، فنجا بعضها من المكامن المتبادلة داخل قاعة الاونيسكو وتم إقراره، بينما أصيب بعضها الآخر بـ»رضوض تشريعية» وتم نقله إلى اللجان النيابية لمعاودة تشريحه.
في هذا الوقت، كانت مجموعات من الحراك تستعيد نشاطها على الأرض، خصوصاً بعد تخفيف قيود كورونا، إنما بأجندات متفاوتة السقوف والمضامين، تبعاً لما عكسته التحركات المتفرقة التي سُجلت خلال الأيام الماضية.
والاشكالات التي رافقت تظاهرة مجموعة من المحتجّين بالقرب من عين التينة أخيراً، إضافة إلى مفاعيل الجلسة التشريعية الحامية الوطيس، كانت حاضرة في نقاشات رئيس مجلس النواب نبيه بري مع بعض من الزوار العابرين لكورونا.
ووفق أجواء مقر الرئاسة الثانية، علّق بري على ما حدث في محيط عين التينة بالقول: «الله يسامح الجميع …».
ويلفت بري إلى انه مهتمّ بإقرار المشاريع الإصلاحية، من قبيل قانون السرية المصرفية وقانون آلية التعيينات في الفئة الأولى اللذين صدرا عن مجلس النواب قبل أيام، «إلى جانب اننا نولي الشأن الاجتماعي ما يحتاجه من اهتمام ورعاية وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهذا ما تمثّل في إقرار قانون الأمان الاجتماعي الذي يلحظ تخصيص مبلغ 1200 مليار ليرة لدعم العائلات الفقيرة والقطاع الصناعي». ويتابع: «كذلك، انا أبذل كل جهدي من أجل توحيد مقاربتَي الحكومة والبنك المركزي للملف المالي بهدف تقوية موقف لبنان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي».
ويشدّد بري على أنه يحمل قضايا الصادقين من المتظاهرين ويسعى إلى تحقيقها من داخل المؤسسات، حتى قبل أن يبدأ الحراك، مضيفاً: «أمّا بالنسبة إلى ما جرى على الأرض، فهناك من قرّر أن يتظاهر أمام عين التينة حيث كانت أعصاب الحرس مشدودة بسبب الاعتبارات الأمنية والضغط الناتج عن الخوف من انتقال عدوى كورونا، إضافة إلى أنه حصلت استفزازات معينة، فأفلتت الأعصاب وحدثَ ما حدث، والله يسامح الكل».
وبالانتقال إلى الملابسات التي حالت دون إقرار قانون العفو خلال الجلسة العامة السابقة، يُبدي بري استياءه ممّا آلت اليه الأمور على هذا الصعيد، معتبراً انه «كانت توجد فرصة لتعزيز اللحمة بين شرائح المجتمع اللبناني وتبادل المسامحة ولو بالحد الأدنى، لا سيما انّ التحديات كبيرة وتتطلب أقصى درجات الوحدة والتماسك في مواجهتها، الّا أننا للأسف فرّطنا بهذه الفرصة في المرة الماضية وعسى أن نعوّضها لاحقاً».
ويلاحظ بري «انّ هناك نوعاً من الـ»ستريو تايب» لا يزال يحدد نمط التعامل بيننا، بمعنى انّ النظرة إلى الآخر هي نمطية وتنطلق من أحكام مسبقة، ما يتسبّب أحياناً في تأخير الوصول إلى بعض التفاهمات».
ويشير بري، الذي ساهم في «شَدشَدة براغي» القانون، إلى أنه «كان في الإمكان أن يمر على قاعدة ان تأخذ كل جهة جزءاً من طلباتها وتتنازل عن الجزء الآخر، لكنه وللأسف تعثّر في الأمتار الأخيرة، بعدما ذهب ضحية المزايدات التي هبّت رياحها على القاعة، علماً انّ سبب إصراري على صدور القانون في مادة واحدة كان يعود إلى حرصي على تفادي الانزلاق نحو بازار الشعبوية».
ويدعو بري القوى السياسية الموزّعة على الكتل النيابية الى مراعاة دقة المرحلة التي تستوجِب تعزيز ثقافة التسامح ضمن الضوابط القانونية والوطنية، لتحسين شروط الصمود وفرَص الإنقاذ في مواجهة المخاطر والازمات التي تحاصرنا، مشيراً إلى ضرورة الكَف عن تبادل الاتهامات ومواكبة هذه الفترة الحرجة بأعلى مقدار ممكن من المسؤولية.
وبالنسبة إلى قانون رفع السرية المصرفية الذي تعرّض الى عدد من الانتقادات، بسبب عدم منح القضاء صلاحية رفع السرية وحصرها في هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وهيئة مكافحة الفساد، فإنّ بري يؤكد «انّ هذا القانون يجمع بين إمكان كشف السرية المصرفية وإبعاد خطر أي كيدية محتملة»، مشدداً على «ضرورة الإسراع في تشكيل هيئة مكافحة الفساد التي تشكل اختباراً لإرادة الدولة وجديّتها في تحقيق الإصلاح الحقيقي».
وضمن سياق متصل، يدعو بري إلى كشف كل ملابسات ملف الفيول المغشوش وحقائقه والذهاب به حتى النهاية، «إذ لا أنا أقبل ولا الناس يقبلون بعد الآن بأنصاف الحلول».
الجمهورية