أشار رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، إلى أنه “مما لا شك فيه ان هناك ارتفاعاً غير طبيعي في سعر صرف الليرة اللبنانية، وهو غير مبرر على الاطلاق لا اقتصاديا ولا نقديا، وهذا ناتج عن انهيار كامل للثقة في لبنان بين اللبنانيين ودولتهم وحكومتهم مما يجعلهم مذعورين ومتخوفين من المستقبل. إلاّ أنني لا أنفي أنّ هناك بعض الذين يروجون لارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في لبنان، وفي مقدمها من يحاول ان يجرّم رياض سلامة ويجعل منه كبش محرقة، متّهماً إياه بالتسبب بالمشكلات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان”.
ولفت السنيورة، في حديث تلفزيوني، إلى أنهم “يحاولون بذلك ان يحرفوا انتباه الناس عن المشكلات الحقيقية. إلاّ أن المشكلة في الحقيقة، هي بسبب جملة من الأسباب، والتي كان آخرها انهيار الثقة بما أصبح من غير الممكن وضع حدود لارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي. لقد ظهر ذلك من مظاهرات البارحة في وسط العاصمة بيروت، إذ أنّ مناصري “حزب الله” كانوا يتقصّدون إطلاق الشائعات بشأن ارتفاع سعر صرف الدولار لإثارة عضب اللبنانيين، وفي ذات الوقت كانوا يوجهون اللوم والتهم في كل ما جرى إلى رياض سلامة. وهذا أمر غير صحيح وبدون وجه حق”.
كما أفاد بأنه “لا يجوز تحميل هذه المسؤولية منفرداً لرياض سلامة، وهي في أصلها مشكلات ناتجة عن التردي الحاصل في مالية الدولة اللبنانية والعجز المزمن والهائل في الموازنة والخزينة، وأيضاً بسبب الاستعصاء الكامل عن إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقطاعية والإدارية في لبنان. وهذه المشكلات لا تعود لسنة أو سنتين خلتا، بل لعدة سنوات سابقة. وهي التي تفاقمت منذ العام 2016، بعد التسوية الرئاسية التي أتت بالرئيس عون رئيساً للجمهورية. كذلك أيضاً بعد ما يزيد عن عشر سنوات من التقاعس عن إصدار الموازنات العامة، وبعد أن تفاقمت المبالغة في الانفاق من جهة، وتفاقم عدم الحرص على إدارة مالية صحيحة ورشيدة للأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان”.
وشدد السنيورة على أن “المشكلة المالية ازدادت تفاقما بعد ذلك، وهي فعلياً اشتدت منذ العام 2011، وتحديداً بعد الانقلاب الذي جرى على حكومة الرئيس سعد الحريري في مطلع العام 2011. وهذه الأمور ازداد تفاقمها بعد اندلاع الاضطرابات في سوريا وتورط “حزب الله” في المعارك الدائرة هناك، وانعكاس ذلك كلّه على لبنان وأوضاعه السياسية والاقتصادية والمالية. انا اعتقد ان ما هو مطلوب الآن هو أن يجري التوقف عن ما يسمى التفتيش عن الحلول للمشكلات المتجذرة في لبنان في المكان الخطأ، والتوقف أيضاً عن استعمال الادوية الخطأ لأنّ ذلك يسهم في تعميق وتوسع المشكلات التي يعاني منها لبنان”.
وأكد كذلك أن “الاجتماع الأخير الذي جرى اليوم في القصر الجمهوري تركّز على محاولة توجيه انتباه اللبنانيين الى ان هناك من يتلاعب بالسوق بما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. انا لا أنكر ان هناك تلاعبا في السوق ولكن هذا التلاعب ليس في طبيعة الحال هو المسؤول الوحيد عما يجري، وهو لا يمكن ان يتم وأن يستمر في ظلّ أوضاع طبيعية للاقتصاد وللمالية العامة، بل هو بالفعل وبقسم كبير منه نتيجة مُناخ من عدم الثقة يتيح لمخاوف الناس أن تتصرف على أساس منها، وبالتالي يؤدي إلى إلهاب توقعات المواطنين السلبية. ولذلك، فإنّ العمل على استعادة السكينة والاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي والثقة لدى اللبنانيين في دولتهم هي الكفيلة في وقف التردي ووقف التلاعب في سعر الصرف”.
وفي السياق، نوه السنيورة بأن “المطلوب بشكل واضح وصريح هو ان يصار إلى تمكين الدولة من استعادة دورها وحضورها وسلطتها في لبنان، وان تعود الحكومة وفخامة رئيس الجمهورية كل من طرفه من أجل ممارسة حقيقية مبنية على احترام القوانين وعدم خرق الدستور في لبنان. إنه في ظل استمرار هذا الاستخفاف وعدم الحرص على احترام القوانين والدستور اللبناني سوف يتعاظم الانحسار في الثقة في لبنان”.
وأوضح أنه “عندما أقول العودة إلى احترام القانون والدستور في لبنان، فإني أعني بذلك، وعلى سبيل المثال، وباختصار أنه يجب ان يبدأ فخامة رئيس الجمهورية باحترام القوانين التي تنص على احترام استقلالية القضاء اللبناني، إذ أن هناك تشكيلات قضائية أقرّها مجلس القضاء الأعلى وبالإجماع ثم عاد وأكّد عليها. إلاّ أنّ فخامة رئيس الجمهورية مازال يستعصي ويرفض ان يوافق على تلك التشكيلات القضائية. ومثال آخر، ان هناك استعصاء مستمرا على عدم القيام بالإصلاحات القطاعية، وعلى سبيل المثال قطاع الكهرباء. كما أنّ هناك أيضاً استعصاء في عدم تمكين الدولة من بسط سلطتها على جميع مرافقها وهذا كلّه غيض من فيض”.
وأشار السنيورة إلى أنه “من الطبيعي أنّ يؤدي ذلك الى فقدان الثقة لدى اللبنانيين في دولتهم وحكومتهم، لا بل وانهيارها. هذا الوضع المتردي ازداد تفاقماً بسبب استمرار “حزب الله” بالتدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية وغير العربية كسوريا والعراق والكويت واليمن. ذلك بحد ذاته مازال يؤدي أيضا الى التسبب بمزيد من المشكلات وإلى مزيد من تراجع لدور الدولة لا بل والتسلط والهيمنة على نفوذها وصلاحياتها وسيادتها.
ونوه بأنه “لقد كان من اهم مظاهر هذا التراجع في حضور الدولة وهيبتها التعيينات التي قام بها مجلس الوزراء منذ عدة أيام والتي ظهر واضحا كيف انه قد جرى توزيع وتقاسم أشلاء الدولة اللبنانية على الأحزاب المشتركة في هذه الحكومة والتي هي أحزاب طائفية ومذهبية. ولقد جرى هذا التعيين دون حتى احترام القانون الذي صدر عن مجلس النواب منذ 10 أيام، والذي يؤكد على اعتماد الجدارة والكفاءة والتنافسية في إيلاء المناصب الإدارية إلى أكْفائها ولمعالجة أصل هذه المشكلات، فإنه ينبغي أن يصار إلى استعادة الدولة لدورها ولسلطتها على جميع أراضيها ومرافقها، وإلى استعادة الاعتبار لاحترام القانون والدستور واستقلالية القضاء وإلى إعادة التوازن الصحيح في سياسة لبنان الخارجية”.
أما بالنسبة للقرار الذي صدر عن مصر رف لبنتان حول ضح دولارات لتخفيض سعر الصرف، أشار السنيورة إلى أن “هذه المرة، وهذا القرار برأيي ليس أكثر من عملية تسكينية لا تؤدي الى أي نتيجة حقيقية ما لم تجر العودة إلى معالجة أصل المشكلات التي يعاني منها لبنان”. وشدد على أن “لبنان وسوريا بلدين متجاورين. هناك استمداد للكهرباء إلى لبنان من سوريا، وهنالك أيضاً تهريب من لبنان إلى سوريا لسلع مدعومة في لبنان. من الضروري أن يصار إلى ضبط المعابر على الحدود بين البلدين، بما يعني أنه يجب العمل على إيجاد حلول رادعة حقيقية لهذه المعابر غير الشرعية وهذا أمر ضروري. ولكنه ليس كل المشكلة. هناك حالة ذعر لدى اللبنانيين مما قد يحمله الغد على الصعد المالية والنقدية والقطاعية والأمنية. وهذه الأمور مجتمعة هي التي تدفع بسعر صرف الدولار الى الارتفاع”.
النشرة