أزمة المازوت بدأت تطال قطاعات حيوية. حتى في السوق السوداء يصعب إيجاد المازوت بأقل من 18 ألف ليرة، في ظل إجراءات خجولة لضبط المخالفات. مخزون منشآت النفط شارف على النفاد. المشكلة الأساس أن مصرف لبنان يتأخر في فتح الاعتمادات، ولا حلول في الأفق طالما أنه يُصرّ على الاستنساب. مع ذلك، فإن نهاية الشهر قد تحمل بعض الحلحلة، بوصول باخرتين جديدتين. إلى ذلك الحين، فإن أسبوعاً صعباً ينتظر اللبنانيين
بالنتيجة، فإن السعر الرسمي للصفيحة هو 11 ألف ليرة، لكن قلة من يتمكنون من شرائها بهذا السعر. سعرها في السوق ارتفع أمس إلى 18 ألف ليرة. كل من يُسأل من المعنيين في الشركات وفي الوزارة يحيل الإجابة إلى مصرف لبنان. الاعتمادات تتأخر دائماً. صار المصرف يعتمد المداورة بين الشركات لفتح الاعتمادات لها. وهذا يشمل كل أنواع المحروقات.
يُحكى أن التأخير مردّه إلى سعي المصرف إلى عدم المس بالاحتياطي، والاعتماد على ما يدخله من أموال طازجة، أبرزها عن طريق التحويلات النقدية التي تتم عبر شركات تحويل الأموال. هذه الأموال تُسلّم لأصحابها بالليرة اللبنانية على سعر 3800 ليرة للدولار، فيما يستحوذ مصرف لبنان على الدولارات. المبلغ يقدّر بنحو 5 ملايين دولار يومياً، ما يعني أنه يمكن أن يؤمّن نسبة كبيرة من الاستيراد، وإن كانت غير كافية. في النتيجة، إن التأخير في فتح الاعتمادات مرتبط بالسعي إلى تجميع الدولارات. تلك الآلية هي التي تسهم في عرقلة عمل الشركات، وتلك الآلية هي التي تؤدي إلى إحجام الشركات عن المشاركة في المناقصات التي تطلقها منشآت النفط. فدفتر الشروط ينص على تحميل الشركات مسؤولية أي تأخير في وصول الشحنات في المواعيد المحددة لها. لكن مقابل الشرط الجزائي الخاص بالشركات، فإن الدولة في حال تأخرّها في فتح الاعتمادات لا تتحمّل أي مسؤولية تعاقدية.
ضمان الدولة ومصرف لبنان لفتح الاعتمادات في الوقت المناسب يمكن أن ينهي الأزمة. عندها بدلاً من أن تفشل المناقصات في استقطاب الشركات، قد تتهافت الأخيرة على المشاركة… ببساطة لأن الربح مضمون.
إلى ذلك الحين، فإن الأزمة لن تنتهي. والمازوت تحديداً سيبقى مفقوداً في الأسواق. التهريب واحد من الأسباب، لكن التخزين يفاقم الأزمة، خاصة في ظل غياب أي تحرك فعلي من السلطات لكبح هذه الظاهرة. لا أحد يملك الإجابة عن حجم المبيع لمعرفة حقيقة وضع السوق. الجهات الثلاث القادرة على تحديد مجموع الكميات المهرّبة والمخزّنة، أي مصرف لبنان ووزارة الطاقة والجمارك، تتجنّب ذلك. في السنوات الماضية، كان معدّل استهلاك المازوت يعادل 150 ألف طن شهرياً. تلك الكمية يفترض أن تكون قد انخفضت في هذه الفترة، لكن في غياب الشفافية تبقى كل الاحتمالات ممكنة.
الاستهلاك اليومي من المازوت 9 ملايين ليتر… وكل مخزون منشآت النفط لا يزيد على 8 ملايين ليتر
هل يمكن أن يكون قرار مجلس الوزراء بالسماح بالشراء عبر آلية spot cargo (الشراء من البحر) الحل المنتظر؟ بحسب مصادر مطلعة، فإن تلك الآلية لكي تنجح بحاجة إلى توفر الدولارات فوراً. فالشراء من البحر يتم في الغالب من بواخر لم تفرّغ في وجهتها المقررة سلفاً، إما لعدم فتح الاعتمادات أو بسبب عدم مطابقة المواصفات، أو بسبب إلغاء قرار الشراء. عندها تعرض الشحنة للبيع على مواقع إلكترونية متخصّصة. يمكن لأي جهة أن تحجزها، تمهيداً لشرائها، لمدة قد لا تتخطى خمس ساعات. إذا لم يتم الدفع يعاد تحرير الشحنة وعرضها للبيع. هذا يعني أن الأموال يفترض أن تكون جاهزة، إذا ما قرر لبنان تنفيذ عملية الشراء. وبشكل أدق، يفترض أن يفتح الاعتماد قبل الشراء، فهل هذا ممكن؟ عامل في القطاع يشير إلى أن الطلبات لفتح الاعتمادات صارت تنتظر شهراً أحياناً، ولذلك فإن تخيّل سيناريو فتح الاعتماد فوراً سيكون صعب المنال إلا في حال التزم مصرف لبنان مع وزارة الطاقة بتأمين الأموال لها. وهو ما يفترض أن يتبلور في الأيام المقبلة، حيث يعقد اجتماع بين المنشآت والمصرف بما يضمن فتح اعتماد معزز، مقابل حجز مالي من قبل المنشآت. كذلك، يتوقع أن تصل باخرتان جديدتان نهاية الشهر، تنفيذاً للعقد الموقع بين المنشآت وشركة Liquigaz. تلك الخطوات قد تسهم في تخفيف تبعات الأزمة، إلا إذا كانت النتيجة زيادة التخزين.
al-akhbar