يستعد القصر الجمهوري غداً لاستقبال المدعوّين إلى طاولة الحوار برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب، ومقاطعة من رؤساء الحكومات السابقين بمن فيهم الرئيس سعد الحريري، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل.
وحتى ليل أمس، لم تكن لائحة الحاضرين قد حسمت بعد، بانتظار ردّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس أمين الجميّل اليوم، بتأكيد حضورهما أو بالمقاطعة، فيما تأكّدت مشاركة الرئيس ميشال سليمان، وطبعاً باقي ممثّلي الكتل النيابية التي تشارك عادة في طاولة الحوار الوطني، بالإضافة إلى النائب فيصل كرامي ممثّلاً عن اللقاء التشاوري. وفيما حُسمت مشاركة الحزب التقدمي الاشتراكي في اللقاء، لم يعرف بعد إن كان النائب السابق وليد جنبلاط سيشارك، أم أن ابنه النائب تيمور جنبلاط سيكون ممثلاً عن كتلة اللقاء الديموقراطي.
الهدف الأوّل للقاء، بحسب مصادر القصر الجمهوري، هو البحث بالمخاطر الأمنية التي ترافق التطوّرات الاقتصادية، والتجربة الخطيرة التي حصلت خلال الأسبوعين الأخيرين، مع اتخاذ الخطاب في الشارع أبعاداً مذهبية وطائفية من بيروت إلى طرابلس، مروراً بعين الرمانة. وتقول المصادر إن «الهدف الرئيسي الذي دفع الرئيسين عون وبرّي إلى التحرّك هو المؤشرات الخطيرة الآتية من الشارع مع كمّ الضغوط الاقتصادية والتطوّرات الأمنية في المنطقة حولنا. والمرتجى من هذا اللقاء هو الخروج بتصوّر لسحب فتيل التوترات من الشارع وطمأنة الناس بعد الذي حصل من تبادل للشتائم والشائعات والتحريض الذي أدى إلى الاشتباك بالأسلحة في بعض المناطق». وقالت المصادر إنه «ليس مطلوباً من أحد أن يترك ضفة المعارضة أو أن يغيّر مواقفه السياسية. لكن على رغم التباين الكبير في المواقف، لا بد من التهدئة وتخفيف المخاطر الأمنية لإمرار هذه المرحلة».
وأكّد أكثر من مصدر سياسي أن عدم مشاركة فرنجية في اللقاء سببه المواقف التصعيدية التي أطلقها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل يوم السبت الماضي، وأن «فرنجية كان يرغب في المشاركة، لكن الخطاب كان هجومياً من دون مبرّر، فكيف يدعون إلى التهدئة وباسيل يريد أن يشتم ويتهم الجميع؟». في المقابل، قالت مصادر القصر الجمهوري إن «التخاطب السياسي بمجمله متشنّج، وموضوع الأمن هو خطر على الجميع. ومن الأفضل أن يتعاون الجميع لإعطاء موقف جامع بحفظ الأمن ودعم القوى الأمنية والعسكرية في مهماتها».
وفي ظلّ هذا الانقسام الداخلي، شنّ مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر عبر موقع «الهديل» أمس، هجوماً ردّ فيه على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، محاولاً التقليل من أهمية خيار «التوجّه شرقاً»، مدّعياً التحدث باسم اللبنانيين. شينكر، الذي يعدّ أحد أبرز صقور فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدائه لإيران وسوريا والمقاومة وحتى الصين وروسيا، كرّر معزوفة رئيسه بالتصويب على الحزب الشيوعي الصيني، محذّراً اللبنانيين من أن الحزب الشيوعي الصيني يريد السيطرة على معلوماتهم، رغم كلّ التجسس الذي تمارسه الولايات المتحدة وإسرائيل على لبنان والمنطقة.

شينكر برّر الخروقات الإسرائيلية بعدم قدرة اليونيفيل على الدخول إلى الأملاك الخاصة للجنوبيين

وحاول شينكر شيطنة الدور الصيني في لبنان وإعطاء أمثلة من إفريقيا عمّا سماه «تقديم الصين الفخاخ» للدول، بما يشبه إعلان حربٍ على الدور الصيني المستقبلي في لبنان. وتحامل شينكر على حزب الله، متهّماً إياه بالتسبب بأزمة الدولار وتهريبه إلى سوريا، في حين أن التهديدات الاقتصادية الأميركية كانت واضحة خلال العام الأخير، منذ بدء زيارات مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسليا، مروراً بضرب بنك الجمال، ثمّ الضغوط التي مورست خلال مرحلة إجراء التعيينات في مصرف لبنان. فضلاً عن اعتراف المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري بالدور الأميركي المباشر في تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. وبعيداً عن الدعاية الإعلامية التي قدّمها شينكر والتي تشبه خطاب بقايا قوى 14 آذار، مرّر المسؤول الأميركي مواقف مفتاحية حول الجنوب اللبناني، مبرّراً قيام إسرائيل بالخروقات الجوية والبحرية والبرية اليومية بعدم قدرة اليونيفيل على الدخول إلى مناطق جمعية «أخضر بلا حدود» والممتلكات الخاصة للجنوبيين. وبخبثٍ كبير، ربط شينكر بين محاولات أميركا لانتزاع تنازلات في البحر لمصلحة إسرائيل، وبين حاجة لبنان إلى التنقيب عن النفط في البلوكين 9 و10، في ظلّ الأزمة الاقتصادية. وكأن التنازل عن الحقوق البحرية شرطٌ من الشروط الأميركية للسماح للبنان بالتنقيب عن النفط في الحقول الجنوبية.
العدوانية الأميركية تجاه لبنان وسوريا، وخصوصاً مع الإعلان عن سريان تنفيذ «قانون قيصر» الهادف إلى فرض حصار قاسٍ على سوريا أكبر المتضررين منه سيكون لبنان، دفعت لقاء الأحزاب والقوى الوطنية، بحضور ممثلي الكتل النيابية لفريق 8 آذار، إلى زيارة السفارة السورية وإعلان دعم سوريا والتأكيد على عدم تركها وحيدة في مواجهة العقوبات. وأكّد السفير علي عبد الكريم علي، خلال استقباله النوّاب وممثلي الأحزاب، أن «سوريا تحتاج إلى لبنان في هذا الظرف العصيب، ولكن لبنان يحتاج إلى سوريا أكثر الآن في ظلّ التطورات، ولا بد من المواجهة معاً، وسوريا جاهزة للتعاون إلى أقصى الحدود».