قد تكون معظم المكونات السياسية المُشاركة في حكومة الرئيس حسان دياب غير راضية عن سلوكها، لكنها مُتمسّكة بها لعدم وجود بديل. من دون البديل، لا يُمكن الذهاب في خيار إسقاطها. لا نقاش حول ذلك، وكل مُحاولة لخلق مناخات تصبّ في هذا الاتجاه تبقى بلا جدوى، حتى الآن!
أمس، خلقت الزيارة التي قام بها رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل لعين التينة، تزامناً مع زيارة أخرى لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لوادي أبو جميل، جوّاً من البلبلة حول مصير الحكومة، وبدأت التكهنات والتحليلات وبثّ أجواء متضاربة تقول بأن ثمة مسعى يقوده باسيل في اتجاه تشكيل حكومة جديدة.
لكن المعطيات والمعلومات تقاطعت عند «رغبة موجودة، لكن غير متاحة». فماذا يحصل؟ لم يعُد سرّاً بأن حكومة دياب تُضرَب من بيت أبيها. وكأن هناك من يريد لها أن تفشل لتبرير استبدالها. يتعامل معها بصفتها تقطيع وقت ضائع، على اعتبار أنها لن تحصل على مساعدات، ولن تكون قادرة على إبرام اتفاقيات أو إنجاز تسويات، وبالتالي، فإن الحل الأمثل هو العودة إلى التمثيل السياسي وتأليف حكومة لوزراء من ذوي الخبرة السياسية. وبالعودة إلى سلوك الوزراء الذين يتبعون مرجعياتهم، فليس هناك مجال للشكّ بأن «دود التعطيل منه وفيه»، أي أن الخلافات التي تنشب بين الأطراف المشاركة فيها، تُعدّ سبباً رئيسياً في محاصرتها ومنعها من إنجاز شيء.
هذه الرغبة نفتها مصادر التيار الوطني الحر، مؤكدة أن البحث في مصير الحكومة «مرّ عرَضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقائه مع باسيل، من زاوية تأكيد أنه لا بديل من حسان دياب. وبما أنه لا بديل، فعلى هذه الحكومة أن تعمل وتقوم بما هو مطلوب منها». لكن هذا النفي لا يلغي أن النظرة السلبية للحكومة أصبحت ثابتة يعمّمها نواب التيار أو مقربون منه. على سبيل المثال، النائب آلان عون الذي قال أمس إن «استمرارية الحكومة من عدمها مسألة مرتبطة بالوضع الحالي، ويتبين أن سرعة الانهيار أسرع من وتيرة عمل الحكومة». سبقه إلى رمي السهام زميله الفرزلي الذي شدّد من قلب «بيت الوسط» على أن «مسألة إعادة النظر بالتركيبة الحكومية باتت أمراً من الباب اللزومي»، مُناشداً دياب أن «يذهب باتجاه العمل من أجل تحقيق الأمر وتسهيله».
وفيما كانت علامات الاستفهام تتوالى على
حركة باسيل والفرزلي ونتائجها، ظهر موقف جديد للرئيس الحريري، الذي أكد، في دردشة مع الصحافيين بعد لقائه الفرزلي، أن «شروطه إلى العودة معروفة وواضحة ونقطة على السطر». اعتُبر كلامه هذا مؤشراً إلى رغبة منه في إعادة فتح باب التفاوض، وخاصة أنه أطاح محمد البعاصيري كمرشّح حين أكد أنه «لا يُغطي أحداً»، لكن مصادر التيار اعتبرت الحكي عن عودة الحريري «تفنيصة»، و«ما حدا عزمو».

الرياض تسوّق لحكومة انتقاليّة تجري انتخابات نيابيّة مبكرة

يبقى أن ما قاله الحريري قد لا يكون من بنات أفكاره ولا طموحاً يتيماً. وهو إن كان لا يزال يرفض ترؤس حكومة يشارك فيها باسيل، فإن معاودته الحديث عن شروطه السابقة إنما تتوافق مع الطرح الذي حاولت باريس في الأسابيع الأخيرة تسويقه، ألا وهو تشكيل حكومة غير سياسية برئاسته، لا يشارك فيها حزب الله، لكن في الوقت ذاته غير مستفزة للأخير. هدف فرنسا من هذا الطرح هو الهروب من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها من أجل منعها من الاستثمار في لبنان، وتهديدها بمعاقبة شركة «توتال» الفرنسية إذا استمرت في عملية التنقيب عن النفط، وخاصة أن القرار الأميركي واضح وحاسم بأن ««لا نفط ولا أموال بوجود حزب الله في الحكومة» (راجع الأخبار – السبت 27 حزيران 2020)، قد لا يكون كلام الحريري خارج سياق هذا المناخ.
هذا الجو تشابك مع حركة ضغط أخرى تقودها الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية تسعى إلى تطيير حكومة الرئيس دياب، رغم أن الأخيرة حتى الآن لم تتخذ أي خيارات سياسية مزعجة بالنسبة إلى الأميركيين، باستثناء عدم إعادة تعيين النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد البعاصيري في الموقع الذي انتهت ولايته فيه عام 2019. فبحسب المعلومات، يجري العمل على طروحات موازية للطرح الفرنسي، أحدها بدفع أميركي يهدف الى تشكيل حكومة يرأسها البعاصيري أو نواف سلام. وآخر يجري العمل عليه بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، يهدف الى تنفيذ انقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة من خلال تشكيل حكومة انتقالية مهمتها الوحيدة إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وهذا الطرح، بحسب مصادر مطلعة، شكّل المادة الرئيسية في الاجتماعات التي عقدها أخيراً السفير السعودي في بيروت وليد البخاري مع عدد من سفراء الدول (الأميركي والإماراتي والبريطاني). أمام هذا الواقع، تؤكّد المصادر أن خطوط التباين بين أهل البيت الواحد داخل الحكومة حول مصيرها، لن تفتح الباب أمام أي من هذه الطروحات. فلا حكومة اختصاصيين مستقلّين لطالما رفضوها برئاسة الحريري، ولا قبول بأي مرشّح مواجهة تريد فرضه الولايات المتحدة. حتى إن مصادر سياسية بارزة أكدت أن «التمسك بحكومة دياب في ظل المساعي التخريبية التي نسمع بها، هو قرار حاسم بالنسبة إلى الفريق الموجود حالياً في السلطة، وتحديداً حزب الله وحركة أمل، ومعهما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي أكد أنه لن ينقلب على الحكومة»، وخاصة أن «المواجهة التي تديرها واشنطن على الساحة اللبنانية أصبحت أخطر من ذي قبل، وأيّ تخلّ عن الحكومة الحالية وترك البلد للمجهول يعني تنازلاً غير محسوب النتائج».

al-akhbar