اجتماع السرايا الحكومية مساء أمس أزال «الغباش» عن أعين من كان يظن أن الحكومة لا تزال متمسكة بخطتها للإنقاذ المالي. هي في الأساس لم تدافع عنها، بل تولى المهمة وفد صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى أربعة من أعضاء الوفد المفاوض: ألان بيفاني، شربل قرداحي، جورج شلهوب وهنري شاوول. استقال بيفاني وشاوول، ولم يبق سوى قرداحي وشلهوب، «يواجهان» وحدهما حيتان المال الذين يصرّون على إبعاد كأس تحمّل مسؤولية الخسائر عنهم، مقابل نقلها إلى الشعب اللبناني بكامله. فطبع العملة مستمر بكميات هائلة، تساهم في رفع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية، مقابل إجراء هيركات على السحوبات النقدية، التي تخسر أكثر من نصف قيمتها الفعلية.
اجتماع أمس، بحسب مصادره، دفن خطة الحكومة، التي سيجري استبدالها بـ«خطة بديلة»، مبنية عملياً على خطة المصارف. وأضافت المصادر إن «الخطة البديلة» تفتح باب السطو على أملاك الدولة ومؤسساتها، عبر وضع صندوق إدارتها في عهدة مصرف لبنان، علماً بأن وزير المالية كان قد شرع بداية هذا الشهر بالطلب إلى الوزارات والمؤسسات الرسمية قوائم بممتلكاتها. وإذ ستخصص عائدات هذا الصندوق لإطفاء خسائر القطاع المصرفي، فإن تنفيذ خطة المصارف سيراعي، بالشكل، بعضاً من بنود خطة الحكومة، بما لا يؤثّر على التوجّه العام للخطة، التي بدأ رياض سلامة تطبيقها أمس، عبر إصداره مذكرة يؤلف فيها لجنة لإعادة هيكلة المصارف بما يناسبه.
في الخطة المتوقع أن تسوّق بوصفها خلاصة الاتفاق بين المصارف والحكومة أو خلاصة الجمع بين خطط الطرفين، ستطرح مسألة استعمال جزء من رساميل المصارف لإطفاء الخسائر (بعدما كانت الخطة الحكومية تنص على استخدام كامل الرساميل)، مقابل استخدام جزء صغير من الودائع الكبيرة (أقل من ألف حساب) وتحويل نسبة صغيرة منها إلى أسهم في المصارف، لكن بما لا يؤثر بصورة كبيرة على التوزيع الحالي لنسب الملكيات الحالية للبنوك.
ولأن هذه الخطوة بحاجة إلى تسويق، فقد طلب من شركة «لازارد» الحضور إلى لبنان لإبلاغها بالخطة الجديدة، التي تحتاج عملياً إلى «موافقتها»، كونها المسؤولة عن عملية التفاوض مع الدائنين. وعليها أن تكون مقتنعة بخطة الخروج من الأزمة لكي تسعى إلى التوافق مع الدائنين.
واستكمالاً لانقلاب حزب المصارف على الخطة الحكومية، أطلق سلامة، عبر مذكرة أصدرها أمس، عملية إنقاذ المصارف من دون أي اعتبار للحكومة أو لصندوق النقد. ثبّت استقلاليته و«حقه» في إدارة الأزمة كما يحلو له، في ظل تواطؤ حكومي أو عجز غير مسبوق. الحاكم بأمره أصدر مذكرة أنشأ فيها «لجنة هيكلة المصارف»، تضم:
بشير يقظان، نائب الحاكم، رئيساً للجنة؛
بيار كنعان، مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان، عضواً؛
كارين شرتوني، مديرة وحدة الامتثال في المصرف، عضواً؛
مروان مخايل، من لجنة الرقابة على المصارف، عضواً؛
ربيع نعمة، نهال يموت، نعمة حنتس، من لجنة الرقابة على المصارف، عضواً؛
وليد روفايل، روجيه داغر، ألان ونّا، من جمعية المصارف، عضواً.
ومن خلال اللجنة، سيكون سلامة قادراً على فرض ما يشاء من معايير للدمج أو لإعادة الهيكلة. طريقة التعيين تُشكّل إهانة للجنة الرقابة على المصارف التي كان يفترض أن تقوم وحدها بتقديم اقتراحات لمعالجة أوضاع المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا، فإذا بسلامة يضع تراتبياً أسماء الأعضاء من موظفي المصرف المركزي قبل أسماء ممثلي اللجنة.

الحكومة تستدعي «لازارد» لتسويق الخطة الجديدة التي تنسف الخطة الحكومية!

سلامة فعل ما يحلو له، وهو تحت هذا العنوان لن يُجادل بقراره، وإن أشرك جمعية المصارف في عملية إعادة الهيكلة، بثلاثة من أعضاء اللجنة. المرحلة المقبلة ستكون مرحلة اللعب على المكشوف. ولن يكون مستبعداً، على سبيل المثال، دمج ثلاثة مصارف مفلسة لينتج منها مصرف كبير مفلس. ولن يكون مستبعداً إنقاذ مصارف لمجرد أن صاحبها قريب من سلامة، كما لن يكون مستبعداً إنقاذ مصارف من أموال مصرف لبنان (مال عام)، بذريعة تحفيز دمج المصارف وإعادة هيكلتها بقروض مدعومة!

الراعي: حزب الله سبب الأزمة
ليس بعيداً عن حزب المصارف، أكمل البطريرك الماروني بشارة الراعي النسج على منوال الحياد بوصفه الحل السحري لمشاكل لبنان. وفي مقابلة مع «فاتيكان نيوز»، كان الراعي أوضح من ذي قبل في تحميل مسؤولية الوضع الراهن إلى حزب الله، فاعتبر أن «هناك نوعاً من الهيمنة من طرف حزب الله على الحكومة وعلى السياسة اللبنانية بسبب الدخول في حروب وأحداث عربية ودولية، ما سبّب أزمة سياسية في البلد». ورأى أن «لا خلاص للبنان إلا من خلال نظام الحياد الفاعل والإيجابي والملتزم، وهذا يخرجنا من هيمنة أي فئة لبنانية، وكذلك من النزاعات والصراعات السياسية أو العسكرية الإقليمية والدولية».

لبنان يطلب رسمياً إعفاءه من عقوبات «قيصر» في مجالات الكهرباء والترانزيت والمنتجات الزراعية

وقال إنّ لبنان اليوم متروك من الدول العربية، ولا سيّما دول الخليج، إضافة الى الدول الأوروبية والولايات المتحدة وهم يقولون إنهم لا يستطيعون مساعدة لبنان بسبب هيمنة حزب الله. وأضاف: «لسنا ضد حزب الله، بل نقول إننا نريد العيش مع بعضنا البعض بالمساواة ولبناء سليم للمجتمع اللبناني، ولا حلّ إلا بالخروج من الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة».
وأشار الراعي إلى أنه سيصل في مسعاه إلى الأمم المتحدة، بعد أن يطرحه مع سفراء الدول الأجنبية والعربية، ثمّ مع الكرسي الرسولي.

إعفاء من قيصر
من جهة أخرى، بدأت الحكومة اللبنانية مسعاها لتجنب تداعيات قانون قيصر على لبنان. وقد سلمت وزارة الخارجية طلباً رسمياً إلى واشنطن، عن طريق السفير اللبناني غابي عيسى، تطلب فيه إعفاءها من الالتزام بقانون العقوبات الأميركية على سوريا في ثلاثة مجالات:
استجرار الطاقة وتسديد ثمنها إلى سوريا.
مرور الشاحنات اللبنانية التي تنقل البضائع عبر سوريا، وتسديد رسوم الترانزيت لها.
استيراد وتصدير المنتجات الزراعية بين لبنان سوريا.
وبحسب مصادر في «الخارجية»، من المتوقع أن توافق الولايات المتحدة الأميركية على طلب الإعفاء اللبناني.

al-akhbar