قبل نحو أسبوع، أصدر المُستشفى اللبناني الإيطالي في صور بياناً «اعترف» فيه بإصابة مريضَين من نزلائه وأحد المُمرّضين المخالطين بفيروس «كورونا»، مؤكداً أنه أجرى المُقتضى الطبي والصحي وفقاً لتعليمات وزارة الصحة. البيان، آنذاك، جاء إثر البلبلة التي أثارها انتشار أخبار عن «فوضى» إصابات في المُستشفى. وفيما اقترحت هيئة إدارة الكوارث في القضاء إقفال المُستشفى، اقتصرت التدابير على إقفال بعض الأقسام.
أمس، نعت إدارة المُستشفى الطبيب لؤي اسماعيل (32 عاماً) الذي يعمل في قسم الطوارئ «بعدما أخفى المستشفى حقيقة إصابته»، على ما تقول مصادر مقرّبة من الضحية. وفيما خلا بيان المُستشفى قبل أسبوع من أي اعتراف بإصابة الطبيب، أفادت مصادر المُستشفى أنه «توفي جراء العدوى أثناء القيام بواجبه الطبي بعد وضعه أنبوب تنفس لمصابة بالفيروس».
ولحادثة وفاة إسماعيل دلالات بالغة الخطورة، أولاها أن الطبيب الشاب لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة، على ما أكّد مقرّبون منه لـ«الأخبار»، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة إصابته في ظلّ فرضيات علمية تشير إلى تطور الفيروس إلى أنواع أكثر فتكاً، إذ لطالما شكّلت طبيعة الفيروس «الخفيفة» (90% من الحالات خفيفة ومتوسطة) عاملاً مُطمئناً، فيما تأتي هذه الحادثة في وقت يصل الى لبنان يومياً مئات المغتربين والوافدين الذين قد يكونون «مُحمّلين» بأنواع مختلفة من الفيروس.
كما أن ثمة دلالة أخرى لا تقل خطراً تتعلق ببدء انتشار الفيروس في الطواقم الصحية التي ينبغي حمايتها في حالات انتشار الوباء. وهو خطر تعزّز في الأيام الماضية مع تسجيل إصابات في صفوف موظفين وعاملين في المُستشفيات، آخرها إصابة ستة عاملين في مُستشفى السان جورج في الحدث، أول من أمس.
أمّا الأخطر فهو تصرّف المُستشفى الذي يفترض فيه، كما بقية المُستشفيات، أخذ أقصى درجات الحيطة في ظلّ انتشار الوباء. وإذا كانت ذريعة المُستشفيات في الأيام الأولى لانتشار الفيروس عدم معرفتها بـ«وصول» الوباء الى لبنان، فإنّ هذه الحجة تسقط بعد خمسة أشهر على «وصوله». فهل اتخذت إدارة المُستشفى إجراءات الحيطة التي تقضي بإجراء فحوصات pcr للمرضى الداخلين إليه بالشكل المطلوب؟ وما هي آلية الرقابة المفروضة على عمل المُستشفيات في هذا الصدد؟
هذا النقاش يُعدّ ضرورياً في ظلّ تكرار الحديث عن رفع منسوب التأهب وتشديد الإجراءات بالتوازي مع المنحى التصاعدي المقلق للإصابات منذ أكثر من أسبوع. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة، أمس، تسجيل 46 إصابة (28 مُقيماً و18 وافداً) من أصل 3471 فحصاً مخبرياً، ليرتفع إجمالي المُصابين إلى 2905 منذ 21 شباط الماضي وعدد المُصابين حالياً إلى 1302. ونتيجة الارتفاع المُتسارع للإصابات، وصل عدد المُصابين الذين استدعت حالاتهم دخول المستشفيات في المُستشفيات إلى 77، منهم 15 في حال حرجة، ما يعكس واقعاً مُقلقاً في ظل تدهور القطاع الاستشفائي والصحي نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ورغم أن هذه المعطيات مقلقة وتفرض البحث الجدّي في خيار العودة إلى الإغلاق التام، اعتبر وزير الصحة حمد حسن، أمس، أن شعار المرحلة هو «للتذكير وليس للتسكير»، لافتاً إلى أن العودة إلى إجراءات الإقفال التي اتُخذت في بداية انتشار الوباء ترتبط بـ«سلوك الناس والانضباط بالتعليمات. ونحن لا نزال في فترة التعبئة العامة، والوقاية مطلوبة لتفادي الانحدار إلى المرحلة الرابعة».
حسن، عقب ترؤسه اللجنة العلمية لمكافحة الأوبئة، قال «إننا أصبحنا في مرحلة فاصلة بين المرحلتين الثالثة والرابعة التي تعني التفشي المحلي للوباء»، لافتاً إلى أن كل مُصاب «لا يُلبّي في مكان عزله الخاص شروط السلامة المطلوبة، سيُصار إلى نقله وعزله في أماكن الحجر المعتمدة».
يذكر أن 3380 شخصاً يخضعون للحجر المنزلي حالياً، فيما لا تزال هناك شكوك تُطرح بشأن جاهزية المراكز الثمانية التي خصّصتها الوزارة للحجر، ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية تنفيذ «تهديد» حمد، خصوصاً أن كلاً من اللجنة العلمية لمكافحة الأوبئة ولجنة الكوارث والهيئات المدنية المعنية بمكافحة الوباء، أوصت بعزل كل مُصاب في مراكز الحجر «لأن عزل المُصاب في منزله لا يُلبّي إجراءات السلامة الصحية المطلوبة، ويجعله مصدر عدوى لأسرته ومخالطيه». كذلك أوصت اللجنة بضرورة التزام الكمامة في مختلف المؤسسات العامة والخاصة والمراكز التجارية وأماكن الاكتظاظ وخلال الأنشطة التي تتزايد في فصل الصيف، مثل الأعراس الجماعية والماراتونات الرياضية، «مع التذكير في هذا السياق بغرامة الخمسين ألف ليرة لبنانية التي تمّ فرضها على من يهمل وضع الكمامة مع إمكان رفع هذه الغرامة».
بهذا المعنى، فإن وزارة الصحة، وخلفها الحكومة، لا تزال مُتمسّكة بخيار اللاعودة إلى الإقفال مراهنة على خوف المُقيمين والتزامهم بالإرشادات الوقائية والعزل «الذاتي»، فيما سلوك الاختلاط السائد حتى الآن يشي باتجاهات مرعبة.
al-akhbar