في وقت كانت المستشفيات تطالب الدولة بـ«حقوقها»، كانت في المقابل تنتهك حقوق الواقفين في خط الدفاع الأول في مواجهة أزمة «كورونا». فمنذ أشهر، تعكف إدارات المستشفيات على سحب البساط من تحت الممرّضات والممرضين الذين يختبرون اليوم أسوأ الأزمات، مع موجات الصرف التي تطاولهم. ففي كل يوم، ثمة مجموعة من هؤلاء يُصرفون، من دون أن يلقى خروجهم أي صدى يُذكر.
عملية الصرف الجماعي وقعت كـ«الصاعقة فوق رؤوسنا»، تقول نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ميرنا ضومط. بتوصيف آخر كانت «choc electrique»، و«وضعت القطاع أمام الخيار الأصعب: التوقف التحذيري». الصرف من «الأميركية» كان الجولة الأصعب، لكن ليست الوحيدة، إذ تشير ضومط إلى أن الكثير من المستشفيات واجهت أزماتها المالية بصرف الموظفين، ومنهم الممرضون. وتلفت الى خريطة صرف تطاول كل المناطق، «وخصوصاً في الشمال». ففي وقت تحتاج «الحرب الصحية التي تفرضها أزمة كورونا إلى هؤلاء العسكر، تقوم المستشفيات بصرفهم». بالأرقام، تتحدث ضومط عن حركة صرف وتقليص رواتب تراوح «بين 35 و40% داخل القطاع». بحسبة بسيطة، يمكن الحديث هنا عن نحو 4 آلاف ممرض وممرضة من أصل 9 آلاف «إما باتوا عاطلين عن العمل أو يتقاضون نصف راتب». أما من لا يزالون «في الخدمة» فربما كان وضعهم أسو، إذ أن هؤلاء يعملون ليلَ نهارَ في مواجهة الفيروس، ويشكو كثيرون منهم من ممارسة أعمالهم «في ظروف صحية غير آمنة وغير مؤاتية». وهي، هنا، «أبسط الحقوق التي تتعلق بالتجهيزات للعمل مع المصابين بفيروس كورونا». تأسف ضومط أن يكون هؤلاء «بحاجة في بعض الأحيان إلى كمامة في عملهم تحمي المحيطين حولهم قبل أن تحميهم»، مشيرة إلى أنه في بعض المستشفيات «يعطى الممرضون كمامة كل 8 أو 10 ساعات، رغم أنهم يعملون في الأقسام المجهّزة لمرضى كورونا». وقد أدّى ذلك إلى «إصابة 90 ممرضاً وممرضة بالفيروس». أما الأخطر فهو أن «إصابة أحد أفراد الطاقم تفرض حجر الفريق بأكمله، وهو ما يؤثر على متابعة الحالات المرضية. ويصبح الممرضون المتبقّون مضطرين لتغطية غياب زملائهم، ما يؤثر في قدراتهم».
توقّف تحذيري عن العمل لطواقم التمريض في الخامس من آب المقبل
في مقابل تلك التحديات التي تعيشها الطواقم التمريضية، ثمة من لا يزال يفكّر بحلّ الأزمات بصرفهم. وهو ما «لا طاقة اليوم على تحمّله في هذه الأوضاع الصعبة». المطلب الأوحد «هو إبقاؤنا في أعمالنا، فنحن، في الوقت الحالي، لا نطلب زيادات على رواتبنا التي بالكاد تسدّ مصاريفنا ولا أيّ محفزات». وهنا، تعرب ضومط عن الأسف أن تفاوض المستشفيات على رفع تسعيرتها في ظل متابعتها لأزمة كورونا، فيما تعمل من جهة أخرى على إسقاط حقوق مشروعة للممرضين.
مع ذلك، ليست هذه مسؤولية المستشفيات وحدها. صحيح أنها ربّ العمل «الذي يتحمل المسؤولية الأساس»، لكنّ هناك مسؤولين آخرين، هم الدولة والجهات الضامنة، «يتحملون مسؤولية عدم صرف المستحقات المالية».
الطواقم التمريضية تتحضر، في الخامس من آب المقبل، ليوم «العناية التمريضية». في هذا اليوم ستتوقف الطواقم التمريضية عن العمل ليومٍ واحد في رسالة تحذيرية إلى المعنيين للالتفات إلى معاناة الممرضين. وتعوّل النقابة على هذا اليوم «لعلّ المسؤولين يتنبهون لما يجري في القطاع التمريضي»، وإلا سيتحوّل التحذير في حال عدم الاستجابة إلى خطوات أخرى قد لا تُحمد عقباها.
al-akhbar