جاء في “اساس ميديا”:
شركات التأمين قادرة على تغطية الخسائر الكبيرة التي سبّبها تفجير مرفأ بيروت. لكنّ ذلك لن يعني استفادة جميع عملائها من التعويضات. فعملياً، تنصّ معظم بوالص التأمين على عدم شمول التغطية التي توفّرها للأضرار الناتجة عن الأعمال الحربيّة أو التخريبيّة أو الإرهابيّة، وخصوصاً البوالص التي تُعنى بالتأمين على الممتلكات الفرديّة. ولهذا السبب، تنتظر شركات التأمين اليوم نتيجة التحقيقات التي تجري لمعرفة أسباب التفجير. فإذا ثبت أنّ التفجير ناتج عن خطأ غير مقصود، أو عن إهمال وظيفي، فمن الطبيعي أن تبادر شركات التأمين إلى التعويض على المتضرّرين، خصوصاً أنّ جميع البوالص المعقودة لديها تشمل تغطية هذا النوع من الانفجارات غير المقصودة.
أما إذا تبيّن أنّ الانفجار ناتج عن عمل مقصود ذي طابع تخريبي أو سياسي، فستقتصر التغطية على بوالص التأمين التي تنصّ على تغطية هذا النوع من الحوادث، وهو ما سيعني أنّ غالبيّة الأضرار لن تشملها تعويضات شركات التأمين. مع العلم أنّ بوالص التأمين التي تغطّي هذا النوع من الحوادث المقصودة غالباً ما تُعنى بالتأمين على الأنشطة التجاريّة الكبيرة، ويدفع أصحابها عمولة إضافيّة لهذا السبب تحديداً. ولذلك، يمكن القول إنّ أكبر المتضرّرين في هذه الحالة سيكون عموم المواطنين الذين يملكون بوالص تأمين فرديّة على السيارات والشقق السكنيّة والمحال الصغيرة والمتوسطة الحجم.
تتفاوت التقديرات في ما يخصّ كلفة الأضرار التي خلّفها تفجير مرفأ بيروت، بين أرقام “جمعيّة شركات الضمان اللبنانيّة” التي تفيد بأنّ أضرار منشآت المرفأ والأملاك الخاصة في بيروت يمكن أن تصل إلى حدود 10 مليارات دولار، وبين أرقام “مؤسسة التمويل الدوليّة” التي تتحدّث عن 7 مليار دولار ليس أكثر. ومن الطبيعي عند حصول حادث ضخم من هذا النوع أن تذهب الأنظار تلقائيّاً إلى شركات التأمين، للنظر في نوعيّة الأضرار والنسبة التي ستغطّيها هذه الشركات أولاً، وللبحث في مدى قدرتها على تغطية هذا القدر من الأضرار ثانياً.
الأرقام التي قدّمتها “جمعية شركات الضمان اللبنانيّة”، تؤكّد أنّ ما يقارب الـ 30% من هذه الخسائر مؤمّنة، والكلفة التي يمكن أن تتكبّدها شركات التأمين قد تصل إلى 3 مليارات دولار. مع العلم أنّ هذا الرقم لا يشمل نحو 300 مليون دولار من خسائر ستتحمّلها شركات التأمين أيضاً، نتيجة الضرر الذي لحق بالبواخر والبضائع التي كانت موجودة في المرفأ. وهنا تنبغي الإشارة إلى أنّ حجم الخسائر الإجمالي الذي نتحدّث عنه هنا، أي الـ 3.3 مليار دولار، تقارب قيمته الـ 67% من إجمالي موجودات قطاع التأمين في لبنان، بينما تساوي هذه الخسائر نحو 7.8 مرّات رساميل شركات القطاع مجتمعة.
عمليّاً، يكفي هذا الرقم الكبير والمخيف لنطرح سؤالاً عن قدرة شركات التأمين اللبنانيّة على تحمّل هذه الخسارة، خصوصاً أنّ قطاع التأمين اللبناني كان يعاني قبل انفجار المرفأ من مشاكل كثيرة تحدّثت عنها وكالة “فيتش” الائتمانيّة في شهر شباط الماضي، من قبيل تعرّض أموال شركات التأمين إلى مخاطر عالية، نتيجة توظيفها في المصارف اللبنانيّة وسندات الخزينة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يعني فعليّاً ارتفاع التكاليف التي تتكبّدها شركات التأمين.
لكنّ مصادر عدّة من داخل إدارات كبرى الشركات في القطاع، تؤكّد لـ “أساس” عدم وجود أثر كبير للخسائر على ملاءة شركات التأمين، وقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها لعملائها. فعمليّاً، تقوم شركات التأمين المحليّة عادةً بإعادة تأمين الغالبيّة الساحقة من بوالص التأمين التي تعقدها مع عملائها لدى شركات إعادة التأمين الأجنبيّة الكبرى، وهو ما يعني أنّ الجزء الأكبر من هذه الخسائر ستتحمّله لاحقاً شركات إعادة التأمين في الخارج. كما تشير المصادر نفسها إلى أنّ الجزء الصغير من بوالص التأمين التي لا يُعاد تأمينها في الخارج، عادةً ما يكون قد جرى إعادة تأمينها لدى الفروع الإقليميّة لشركات إعادة التأمين الكبرى. وبذلك، يمكن القول إنّ عمليّة التعويض عن الخسائر ستؤدّي عمليّاً إلى تدفّق العملة الصعبة من الخارج من شركات إعادة التأمين، ولن تتسبب بانهيار القطاع كما يخشى البعض اليوم