بعد أكثر من 15 عاماً على بدء التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، تُصدر المحكمة الدولة حكمها الاول اليوم. سبق لتأجيل إصدار القرار أن أظهر تسييسه، لتنفيذ أجندة دولية وخليجية بأدوات لبنانية، تقضي بتوتير الشارع اللبناني ومحاولة إثارة الفتنة بين أطيافه. يتزامن ذلك مع دعوة بعض «الناشطين» الى اعتصام أمام القصر الرئاسي لإسقاط رئيس الجمهورية، قابله التيار الوطني الحر بدعوة مناصريه الى التجمع في بعبدا
في غضون ذلك، ثمة وقت مستقطع مدته الزمنية 48 ساعة، تترقبه القوى السياسية لتحديد مسار المفاوضات بشأن تأليف الحكومة. ففيما يعوّل بعض الأفراد والأحزاب على إمكانية التصعيد ضد حزب الله انطلاقاً من قرار المحكمة الذي سيقضي بإدانة أفراد من الحزب بعملية الاغتيال، يحرص كل من حزب الله وحركة أمل على تنفيس شارعيهما وقد أعطيا تعليمات واضحة بضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازات المتعمّدة. يجري ذلك في ظل استنفار أمني وحجز لعدد كبير من القوى العسكرية إذا ما تطلب الأمر تدخلاً منها لمنع مثيري الفتنة من تنفيذ مخططهم؛ إذ يدور الحديث عن ثلاثة تحركات رئيسية بالتزامن مع صدور النطق بالحكم؛ الأول في بيروت وطريق الجنوب الساحلي يقوده بهاء الحريري، شقيق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. الثاني يُعدّ له الوزير السابق أشرف ريفي وإسلاميون في طرابلس. أما الثالث، فينطلق من البقاع الأوسط بواسطة مجموعة من المشايخ ومجموعات محسوبة على بهاء الحريري وسفارات خليجية. غير أن هذه المساعي الرامية الى توتير الأجواء وخلق شرخ داخلي يمهدان لعزل حزب الله والحؤول دون مشاركته في أي حكومة مقبلة، لن تؤتي نتائجها المبتغاة دولياً وخليجياً بشكل خاص، ما لم ينخرط فيها سعد الحريري نفسه. الأخير وصل الى لاهاي مساء أمس يرافقه النائب المستقيل مروان حمادة والوزير السابق باسم السبع والمستشار هاني حمود، حيث من المقرر أن يحضر جلسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، على أن يدلي ببيان صحافي مباشرة بعد النطق بالحكم، أي في ساعات المساء الاولى (يبدأ النطق بالحكم ظهراً، ومن المقرر ان ينتهي عند السادسة بعد الظهر). وتشير المعلومات الى أن أداء الحريري يخضع لمجهر الرياض وأبو ظبي، وقد سبق للعاصمتين أن حثّتا رئيس الحكومة السابق على استغلال هذا القرار لتصعيد موقفه ضد حزب الله واستخدامه كورقة ضغط إضافية لعزله. وما زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى بيت الوسط، يوم أول من أمس، سوى في هذا السياق.
تهويل السعودية والإمارات بإعطاء الحريري الفرصة الأخيرة يأتي، وفقاً للمصادر، ضمن الاستراتيجية الأميركية لتوزيع الأدوار: توفد وكيل وزارة خارجيتها للشؤون السياسية ديفيد هيل ليلعب دور الاطفائي عبر إبلاغ الحريري بأنه المرشح الأبرز لديها لترؤس الحكومة المقبلة، لما يملكه من دعم شعبي، وتدفع بالسعودية الى إبلاغه من جهة أخرى أن موقفه من حزب الله سيحدد مصيره الحكومي، وتلك ستكون فرصته الأخيرة لإثبات أهليته لهذا المنصب. وما بين الدورين، لا يتوانى هيل عن إخبار الحريري بأن الجهتين الرافضتين لترؤسه الحكومة هما رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع.
السعودية تبلغ الحريري أن موقفه من حزب الله سيحدد مصيره الحكومي
في المقابل، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أبلغ هيل أن مرشحه هو سعد الحريري، وأنه يعمل على تأمين عودة آمنة له مع باقي القوى، علماً بأن الدافع الرئيسي وراء استقالة حكومة حسان دياب تمثل في تصميم بري على محاسبة الوزراء عقب انفجار المرفأ رداً على طرح دياب مسألة الانتخابات النيابية المبكرة. لكن رئيس المجلس النيابي بنى معطياته يومذاك على زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ودفعه «الأقطاب الثمانية» الى تأليف حكومة وحدة وطنية، ليعود ويتراجع بعد أيام متذرعاً بسوء ترجمة ما نقل عنه نتيجة دخول الولايات المتحدة على خط التفاوض المباشر ورفضها، خلافاً لماكرون، أي مشاركة لحزب الله في أي حكومة مقبلة. لذلك جاء الردّ سريعاً على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بتحديد سقف المفاوضات ورفضه لما يسمى «حكومة حيادية»، مشدداً على ضرورة تأليف حكومة تضم أوسع تمثيل وطني وشعبي. هكذا، عادت النقاشات الى النقطة الصفر في انتظار ما ستؤول اليه الأوضاع الأمنية في اليومين المقبلين، فيما بدأ الوقت المحدد من الرئيس الفرنسي لتوافق القوى السياسية ينفد قبيل عودته الى لبنان في أول أيلول.
al-akhbar