في ظل عجز الطبقة الحاكمة عن الاتفاق على إطلاق قطار تأليف حكومة جديدة، وهو ما دفع بالرئيس نبيه بري إلى إعلان «انسحابه» من مفاوضات التأليف، عاد البطريرك الماروني بشارة الراعي ليعزف على موضوع «الحياد الناشط»، لكنه وصل أمس إلى حد التسويق للسلام مع إسرائيل، على قاعدة أن «لبنان اليوم هو الأحوج إلى السلام ليتمكن من استعادة قواه والقيام بدوره في محيطه لخدمة حقوق الإنسان والشعوب. كفانا حروباً وقتالاً ونزاعات لا نريدها!».
ليس هذا فحسب، لم يتردد البطريرك في التماهي مع الدعاية الاسرائيلية التي تتهم حزب الله بتخزين السلاح في الأحياء السكنية. ولذلك، دعا السلطة اللبنانية لتعتبر كارثة مرفأ بيروت بمنزلة جرس إنذار، فتبادر إلى دهم كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الأحياء السكنية في المدن والبلدات والقرى. وقال إن وجود هذه المخابئ يمثّل تهديداً جدياً وخطيراً لحياة المواطنين التي ليست ملك أي شخص أو فئة أو حزب أو منظمة.
بقرار أمني – سياسي، تمّ الزج بباسيل لتحميله مسؤولية باخرة النيترات
كلام الراعي لا يمكن عزله عن السعي المدروس لشيطنة حزب الله، من باب انفجار المرفأ، واستعجال استخدام نتائج التفجير لتوجيه «العصف»، سياسياً، ومحاولة حصد نتائج سياسية وشعبية فورية. وبعد محاولات فاشلة لإلصاق الانفجار بالحزب عبر اتهامه بتخزين السلاح، انتقلت الحملة إلى اتهامه بالمسؤولية عن شحنة النيترات. وفي سياق يشبه السياق الذي اعتمد قبل 15 عاماً لتحميل الحزب مسؤولية التفجير الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري، عادت مجلة «ديرشبيغل» الألمانية لتكون محور جوقة اتهامه بالمسؤولية عن شحنة النيترات. هذه الخطوة كانت بدأت مع صحيفة Die Welt الالمانية، التي اتهمت الحزب بإدخال شحنات من النيترات إلى لبنان، غير تلك التي انفجرت في المرفأ. ويمكن الجزم بأن مصدر معلومات «دي فيلت» لم يكن سوى الاستخبارات الاسرائيلية. بعد ذلك، دخلت «ديرشبيغل» على الخط، بالتعاون مع منظمة OCCRP (مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود وشركائه) التي لا تخفي أنها تتلقى تمويلاً من الحكومة الأميركية. وفي تقرير أعدّته المجلة الألمانية والمنظمة المموّلة اميركياً، جرى الربط بين الحزب وشحنة النيترات بطريقة أقل ما يقال فيها إنها رخيصة. يقول مُعدّو التقرير إن صاحب الشركة التي تملك السفينة التي أتت إلى لبنان عام 2013 محملة بـ2750 طناً من نيترات الأمونيوم، يملك شركة سبق أن حصلت عام 2011 على قرض من مصرف FBME، وهو مصرف في قبرص وتنزانيا يملكه لبنانيون، وجرت تصفيته بأوامر أميركية، عام 2017، بناءً على اتهام بتبييض الاموال وبفتح حسابات لشخص تتهمه الإدارة الأميركية بتمويل حزب الله. وصاحب الشركة التي تملك السفينة، ليس مستأجرها، ولا هو صاحب شحنة النيترات. لكن هذا الأمر لم يمنع «دير شبيغل» من الربط بين النيترات وحزب الله، في عنوان قصتها.
وكما كان يجري في التحقيق باغتيال الحريري عام 2005، كذلك بعد انفجر المرفأ عام 2020: تُنشر معلومات في وسائل إعلام اجنبية (ديرشبيغل…)، ثم تُشنّ حملة في وسائل إعلام لبنانية وعربية، وخاصة تلك المموّلة غربياً وخليجياً، للتعامل مع ما يُنشر في الغرب على أنه ركيزة لاتهام سياسي. وفي هذه الحالة، الوقائع ليست مهمة. فمهما كانت المعلومات ضعيفة، ومهما كانت الاستنتاجات المستقاة منها أكثر ضعفاً، المهم ما سيعلق في أذهان المتلقين.
وكما الحملة على حزب الله، كذلك يتعرّض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لهجوم منسّق، هذه المرة ليس من زاوية الانتماء السياسي للمدير العام للجمارك، بل بتوجيه اتهام مباشر لباسيل بأنه استقدم «باخرة النيترات» إلى بيروت. وهذا الاتهام مبنيّ على أن المعدات والشاحنات التي أتت الباخرة «روسوس» إلى بيروت لشحنها إلى الأردن، استخدِمَت من قبَل شركة في لبنان لتنفيذ عقد لصالح وزارة الطاقة. وعندما أرادت الشركة إرسال المعدات والشاحنات إلى الأردن عام 2013، اختارت عبر سمسار وكالات بحرية سفينة «روسوس» التي أتت محمّلة بالنيترات وعجزت عن حمل الشاحنات والمعدات وعلقت في بيروت. ورغم أنه لم يكن لوزارة الطاقة أي صلة بالتصدير ولا باختيار السفينة، جرى أمس، بقرار أمني – سياسي، الزج بباسيل في القضية لتحميله مسؤولية الباخرة.
al-akhbar