بعد الكثير من التشكيك والأخذ والردّ حول اللقاح الروسي، أفادت دراسة نُشرت في مجلة «ذي لانسيت» الطبية (الأعرق في العالم)، يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد تقييمها من قِبَل لجنة إعادة قراءة مؤلّفة من علماء مستقلّين، بأن اللقاح الذي يجري حالياً تطويره في معهد «غاماليا» للأبحاث التابع لوزارة الصحّة الروسية أحدث استجابة مناعية، ولم يُخلّف آثاراً جانبية خطيرة.
واللقاح الروسي الذي أُطلق عليه اسم «سبوتنيك في» تيمّناً باسم القمر الصناعي السوفياتي «سبوتنيك» (أوّل مركبة فضائية وُضعت في المدار) مصنوع بطريقة مشابهة للقاحين الصيني والبريطاني، لكن عبر استخدام نوعَين من فيروس «Adenoviruse» (هما «Ad5» و«Ad26») الذي يصيب البشر (عوارضه مشابهة لعوارض الإنفلونزا الموسمية)، بعكس اللقاح البريطاني الذي يعتمد على فيروس «Adenoviruse» الخاصّ بحيوان الشمبانزي. واستُخدمت في تصنيع اللقاح الروسي تقنية الهندسة الجينية، حيث تمّ تعديل الفيروسين المذكورَين لينتجا تيجاناً مشابهة لفيروس «كورونا» الجديد، من دون أن تكون ضارّة بالإنسان، ومن ثمّ يُطوّر الشخص المحقون باللقاح استجابة مناعية من ناحية الخلايا التائية «T-cells»، ومن ناحية الأجسام المضادّة «Antibodies».
ويتمّ أخذ اللقاح عبر جرعتَين بفارق زمني بينهما يبلغ 21 يوماً. وبحسب الدراسة، فإن «هناك حاجة إلى تجارب كبيرة وطويلة الأجل، بما في ذلك مقارنة العلاج الوهمي والمزيد من المراقبة، لإثبات سلامة وفعالية اللقاح على المدى الطويل للوقاية من عدوى كورونا». كما أن ثمة حاجة لتجربته على عدد أكبر من المتطوّعين؛ إذ لا يتجاوز إجمالي المتطوّعين حالياً 76 مشاركاً مقسومين على تجربتين. وفي هذا الصدد، كان رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي الذي يموّل مشروع «غماليا» لإنتاج اللقاح كيريل ديميترييف قد أعلن منذ أسابيع عدة أن «لقاح غاماليا يُجرَّب بحسب الأطر الإكلينيكية الرسمية، وأيضاً خارجها، إذ أُعطي اللقاح لعدد كبير من الأشخاص خارج منظومة التجارب السريرية مثل متطوّعين من الجيش ومجموعات أخرى»، مشيراً إلى أن روسيا لديها خبرة في استخدام فيروس «Adenoviruse» لصنع لقاحات ضدّ أمراض أخرى، إذ قامت بصنع لقاح ضدّ فيروس «إيبولا» عبر استخدام تكنولوجيا مشابهة لما تقوم به الآن ضدّ «كورونا»، مضيفاً أنه سيتمّ توزيع اللقاح المضادّ لفيروس «إيبولا» قريباً في الكونغو.
لقاح «سبوتنيك-في» كافٍ لمواجهة أيّ جرعة من فيروس كورونا يمكن تخيّلها
وهذه هي المرّة الأولى التي تنشر فيها مجلة طبية محكمة نتائج خاصة باللقاح الروسي، علماً أن المرحلة الثالثة من التجارب دخلت حيّز التنفيذ، وهي ستشمل 40 ألف شخص. وكانت روسيا واجهت، منذ اليوم الأول لإعلانها الموافقة الرسمية على «سبوتنيك-في»، الكثير من الانتقادات من المجتمع الطبي وتشكيك غالبية وسائل الإعلام الغربية. وفي هذا الشأن، يقول ديميترييف لوكالة «رويترز»: «بهذا الإعلان نُجيب عن جميع أسئلة الغرب التي طُرحت بجدّية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، علماً أن هدفهم كان واضحاً وتَمثّل في تشويه اللقاح الروسي». ولفت إلى أنه «تمّ فحص كلّ الصناديق (يقصد الإعلان عن النتائج)، الآن… سنبدأ في طرح أسئلة حول بعض اللقاحات الغربية».
غير أن اللافت والجديد في المعطيات حول لقاح «سبوتنيك-في» هو ما أفادت به وكالة الأنباء الروسية «تاس» يوم أول من أمس، نقلاً عن مدير معهد أبحاث «غماليا» ألكسندر غينزبورغ، بأن «الاستجابة المناعية للقاح الموثّقة حالياً بين المتطوعين كافية لمواجهة أيّ جرعة من فيروس كورونا يمكن تخيّلها». وهو ما من شأنه توليد أمل أكبر في اللقاح الروسي، خصوصاً في ظلّ الحديث الدائر بين مجموعة من العلماء والباحثين، ومن ضمنهم خبير الأوبئة الأميركي أنتوني فاوتشي، بأن حجم العدوى بالفيروس ربما ينعكس على قوة الإصابة، بمعنى أن التقاط نسبة ضئيلة قد تنتج منه إصابة ضعيفة والعكس صحيح، لكنّ هذا الأمر لا يزال قيد الدرس.
لقاح الانتخابات الأميركي لن يبصر النور؟
بعد الحملة الترويجية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول إمكانية توزيع لقاح محتمل ضدّ مرض «كوفيد – 19» بحلول الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، أي قبل يومين من الانتخابات الرئاسية، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، يوم الجمعة الماضي، أن شركات الأدوية الأميركية، ومن ضمنها الشركات الثلاث التي تُطوّر ثلاثة لقاحات أميركية محتملة ضدّ الفيروس (موديرنا، بفايزر، جونسون أند جونسون)، تُخطّط لإصدار تعهّد عام بعدم السعي للحصول على موافقة الحكومة حتى يثبت لديها أن اللقاح آمن وفعال. وستتعهّد الشركات بالالتزام بالمعايير العلمية والأخلاقية العالية في إجراء الدراسات السريرية وعمليات التصنيع الخاصة بها، وذلك بحسب مسودة بيان مشترك لا يزال قيد الانتهاء. وأضاف تقرير الصحيفة، نقلاً عن شخصين على دراية بالموضوع، أن الشركات قد تصدر التعهّد في أقرب وقت خلال الأسبوع الحالي. وتأتي هذه الأنباء وسط مخاوف متزايدة من أن الضغط السياسي قبل انتخابات 3 تشرين الثاني/ نوفمبر قد يؤثر على سلامة لقاح أميركي محتمل ضدّ كورونا وفعاليته.
al-akhbar