بدأ نهر النيل يشهد استقراراً في بعض المناطق التي سجّلت ارتفاعاً غير مسبوق منذ مئة عام في مناسيب النهر، حسبما ذكرت السلطات السودانية، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد فيضانات مدمّرة منذ عدة أسابيع.
السلطات لم تستبعد أن تواصل مناسيب النيل ارتفاعها في بعض الأماكن، وخاصة في العاصمة الخرطوم وبعض مدن ولاية نهر النيل، فيما تعيش مناطق مختلفة في السودان أوضاعاً إنسانية صعبة، أجبرت السلطات على إعلان حالة الطوارئ في عموم المحافظات لمدة 3 أشهر.
بالأرقام: بحسب السلطات الرسمية السودانية، فقد ارتفع عدد القتلى جراء الفيضان إلى نحو 101 قتيل، فيما أصيب 46 آخرون، وتضرر أكثر من نصف مليون إنسان بأضرار متفاوتة.
وقالت وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ، إن الفيضانات تسبّبت في انهيار كلي أو جزئي لأكثر من 100 ألف منزل، إضافة إلى تشريد مئات الآلاف من الأسر.
وتأثرت بالفيضانات 16 ولاية، من أصل 18 في كلّ أنحاء البلاد، أما الولايات الأكثر تضرراً فكانت ولاية شمال كردفان، والخرطوم، والجزيرة، والقضارف، وولاية سنار.
في التالي سرد للظروف التي أدت إلى هذه الكارثة
مستويات تاريخية: يبدأ موسم الأمطار الخريفية في السودان ابتداءً من يونيو/حزيران ويستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول، وتهطل في هذه الفترة من السنة أمطار غزيرة، تشهد إثرها البلاد عادة فيضانات وسيولاً.
غير أن عدداً من العوامل لعبت دوراً رئيساً في حدوث الكارثة هذه السنة على غير المعتاد، إذ ارتفع منسوب النيل الأزرق، بحسب وزارة المياه والري السودانية، إلى 17.58 متراً، وهو المستوى الأعلى الذي يتم تسجيله منذ بدء رصد النهر في عام 1902.
وبتاريخ 7-8 أغسطس/آب الماضي، بدأ فيضان النيل الأزرق يسجل عند محطة الديم إيراداً يومياً فاق 900 مليون متر مكعب، بينما الإيراد الطبيعي في مثل هذه الأيام من السنة يبقى في حدود 609 ملايين متر مكعب يومياً.
ووفقاً لمدير وحدة الإنذار المبكر في وزارة الري والموارد المائية رضوان عبد الرحمن، فإن أحد أهم العوامل في هذه الكارثة، هو وجود أنهار موسمية ترفد مجرى النيل داخل الحدود السودانية، مثل نهرَي الرهد والدندر، حيث يبلغ متوسط إيراد الأخير في موسم الفيضان حوالى 500 مليون متر مكعب يومياً.
يضاف إلى ذلك وجود عدد كبير من الأودية التي يقارب تدفق المياه في بعضها الأنهار الموسمية، فضلاً عن نهر عطبرة الذي يصب في نهر النيل نحو 310 كيلومترات شمال العاصمة.
كما فاقم امتلاء خزان جبل أولياء على النيل الأبيض، 45 كيلومتراً جنوب وسط الخرطوم، من معاناة الضواحي الجنوبية للعاصمة، إضافة إلى رفده مجرى نهر النيل الرئيس عند اقترانه بالنيل الأزرق في الخرطوم.
كارثة متوقّعة: سبق حصول الكارثة وجود مؤشرات قبل أشهر، بأن السودان سيتعرض لموجة فيضانات أشد من المعتاد، بعد سقوط أمطار غزيرة في المنطقة الاستوائية في أيار/مايو الماضي، ووصول منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا، التي ينبع منها نهر النيل، إلى أعلى معدل منذ 50 سنة.
وبحسب رئيس قسم الموارد الطبيعية في معهد البحوث والدراسات الأفريقية عباس شراقي، فإن الفيضانات أمر متكرر في السودان، وغالباً ما يعقب الأمطار الغزيرة في المنطقة الاستوائية، أمطار غزيرة أخرى على السودان وإثيوبيا.
لكن السلطات السودانية لا تمتلك خططاً طويلة المدى لمعالجة كوارث الفيضان، وهي ما يوصي بها شراقي، كمنع السكن حول ضفاف النيل وعلى الأودية، إضافة إلى أن هيئة الأرصاد والدفاع المدني ووزارة الري بحاجة إلى تطويرات في تجهيزها وأدائها من ناحية الموارد البشرية والتقنية.
ويؤكد شراقي أنه بالرغم من التأرجح الكبير في معدلات الأمطار والفيضانات، فإن السلطات السودانية تفتقد إلى الدراسات والنمذجة الرياضية لتلافي آثارها المدمرة، ناهيك بحاجة السودان إلى بعض المعدات لفتح الطرق وإنقاذ السكان المعزولين بسبب المياه حين حدوث الفيضان.
الأسوأ قادم؟ فيما تعيش معظم ولايات ومناطق السودان أوضاعاً كارثية، ويبذل الأهالي جهوداً مضنية للحد من الأضرار، تبقى المخاوف قائمة من الأسوأ، إذ يشير رئيس الجمعية السودانية للأرصاد الجوية حسن محمد حسن الدومة، إلى أن البلاد تشهد تغيراً في نمط الأمطار كأحد مظاهر التغير المناخي ما يعطي قيماً متطرفة، تتمثل في معدلات أمطار أعلى في أوقات ومناطق غير معهودة.
وبالرغم من أن منسوب نهر النيل بدأ يشهد استقراراً، إلا أن وكالات مختصة حذرت من أن يزداد الوضع سوءاً خلال الأسابيع المقبلة، حيث من المتوقع هطول أمطار فوق المتوسط حتى نهاية أيلول/سبتمبر.
al-akhbar