بينما لا تزال الخلافات السياسية تحول دون أي انفراج على الصعيد الاقتصادي، يحاول المركزي مجدداً شراء الوقت من خلال طرح اقتراح يقضي بخفض نسبة الدعم التي يقدمها لقطاعات القمح والأدوية والمحروقات من 90 في المئة الى 70 في المئة. فهل يمكن تطبيق هذا الخفض على كل القطاعات؟ وما سيكون تأثيره على المستهلك؟
رغم تحذيرات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أكثر من مناسبة من انّ احتياطي لبنان من العملات الأجنبية اقترب من الخط الأحمر وان لا نية لديه لصرف الاحتياطي الالزامي لتمويل التجارة، إلّا أنّ أياً من مكونات السلطة لم يتحرك بعد لإيجاد خطط بديلة، بما يوحي وكأنّ هناك توجّهاً مقصوداً للسير نحو الانهيار الكلي.
في غضون ذلك يبدو انّ المصرف المركزي يدرس اليوم عدة خيارات لشراء الوقت وتأخير موعد الانهيار، منها خيار البطاقة التموينية التي بتخصيصها للبنانيين فقط يتأمّن وَفر كان يستفيد منه على الأقل مليون ونصف مليون فرد من المقيمين غير اللبنانيين. كما يبدو انّ هناك خياراً آخر قيد الدرس ويقضي بخفض نسبة الدعم المقدّم للقمح والمحروقات والادوية من 90 الى 70% في محاولة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود للبنانيين، الّا انّ لهذا الخيار انعكاسات سلبية عدة منها ارتفاع أسعار السلع الى معدلات قياسية مع احتمال عدم توفّرها وذلك بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة الى مستويات قياسية نتيجة صعوبة توفّره في السوق الموازي.
خيارات دعم الدواء
في السياق، يقول نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة لـ«الجمهورية» ان لا تصور نهائياً بعد لمصير الدعم على الادوية، الّا انّ خفض نسبة الدعم من 90% الى 70% هو من احد الأفكار المطروحة، فمصرف لبنان يحاول قدر المستطاع ان يخفض من حجم المبالغ التي يستهلكها بغرض إطالة عمر الدعم، إنما لغاية اليوم لا شيء نهائياً بعد.
واعتبر جبارة انّ خيار خفض نسبة الدعم قابل للتطبيق، إنما من شأن ذلك ان يؤدي الى ارتفاع جزئي في سعر الدواء في السوق. على سبيل المثال، وفي عملية حسابية تستند الى سعر دولار في السوق السوداء بقيمة 7500 ليرة وفق ما هو راهناً، من المتوقع ان يزيد سعر الدواء حوالى 2.2 مرة، أي اذا كان ثمن أي دواء حالياً 10 آلاف ليرة يصبح سعره 22 ألف ليرة.
وأكد جبارة انّ ميزانيات الجهات الضامنة (الجيش، وزارة الصحة والضمان الاجتماعي، وتعاونية الموظفين)، والموضوعة بالليرة اللبنانية، لن تستطيع تَحمّل هذه الزيادة، ولا المواطن اللبناني الذي يدفع جزءاً من الفاتورة الطبية (تقريباً 35%) من نفقته الخاصة سيتمكّن من تحمّل هذه الكلفة، خصوصاً انّ أكثر من نصف الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر.
وتخوّف جبارة من أن يؤدي خفض الدعم على قطاعات المحروقات والقمح والدواء الى 70% ان يزيد الطلب على دولار لن يكون متوفّراً في السوق السوداء، فتغطية فارق 30% من دعم مؤمّن لكل من هذه القطاعات يعني حكماً التوجّه نحو السوق السوداء لشراء الدولار ونسبة الـ 30% المطلوبة تساوي ملياري دولار، فيما حجم السوق السوداء يبلغ ملياراً ونصف المليار دولار. وبالتالي، من أين ستؤمّن الدولارات؟ وهل ستتوفر في السوق السوداء؟ وإذا توفرت لا يمكن التكهّن بسقف سعر الدولار.
وكشف جبارة عن أفكار أخرى مطروحة قيد التداول، منها دعم بعض أنواع الادوية وإسقاطه عن أنواع أخرى، لكن هذا التوجّه يرتّب مسؤولية كبيرة جداً على الجهة التي ستختار الدواء الذي يجب دعمه، ومِمّن ستتشكّل هذه اللجنة، وهل هي مؤهلة لاختيار أصناف الادوية المدعومة لتكون مسؤولة عن خياراتها امام الجسم الطبي من جهة والشعب اللبناني من جهة أخرى؟
واعتبر جبارة انه من الصعب جداً تطبيق هذا الخيار والسير به لأنه سيؤدّي الى انقطاع الكثير من الادوية من السوق، وبما انّ القطاع يعاني أصلاً من الشح فهذا التوجّه سيؤدّي الى كارثة في القطاع الاستشفائي.
وبالتالي، في كلا الحالتين سيكون لخيار خفض الدعم او دعم بعض أصناف الدواء تأثير سلبي على المواطن. أمّا عن التوجّه نحو إعطاء قسائم شرائية مدعومة لكل عائلة، فيقول جبارة: يمكن السير بفكرة القسائم للمحروقات إنما لا يمكن تطبيقها على قطاع الادوية، فبعض الافراد يحتاج الى أدوية والبعض الآخر لا، وربما مَن لم يحتَج الى قسيمة لشراء أدوية هذا الشهر فإنه سيحتاجها الشهر المقبل، وإذا كانت كلفة العلاج هذا الشهر 5 ملايين فربما ستتغيّر وفقاً للوضع الصحي الشهر المقبل لتصبح 10 ملايين، فما العمل في هذه الحالة؟
إنطلاقاً من ذلك، دعا جبارة الى تحييد الدواء عن كل هذه الاقتراحات لأنّ تأثيرها سيئ جداً على صحة المواطن، آملاً في ان يبقى الدعم قائماً كما هو حتى نفاد أموال الدعم، على ان تنصَبّ جهود مصرف لبنان ونقابات الشركات العالمية في هذا الوقت للطلب من الدول تأمين خطة تمويلية لقطاع الصحة لمدة عام على الأقل، وتحييده عن بقية الصراعات والملفات، الى حين تنتهي الدولة من مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وتُنهي إعداد الخطة الانقاذية. والقطاع مستعد لتقديم كل الضمانات اللازمة التي تطلبها الدول.
أمّا عن خيار استبدال أدوية «البراند» بالجنريك، فيقول جبارة انّ غالبية أسعار أدوية الجنريك في لبنان تتساوى مع ادوية البراند او انّ الفارق هو ضئيل، وبالتالي خيار المواطن سيكون حكماً نحو أدوية البراند، علماً انّ 90% من الادوية التي تباع في الصيدليات، والتي تساوي 107 ملايين علبة دواء من أصل 120 مليون علبة، يبلغ متوسط سعرها 10 آلاف ليرة.
ماذا عن المحروقات؟
من جانبه، أشار رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض لـ«الجمهورية» الى أنّ أحداً لم يفاتحنا بهذا الاقتراح حتى الساعة، وقال: صحيح انّ هناك صعوبة باستكمال الدعم لكن لا طروحات بعد للطريقة التي ينوي المركزي اتّباعها. وأشار الى انه عندما يتوقف الدعم سيضطرّ مستوردو المحروقات للجوء الى السوق البديل لشراء الدولار، ما يجعلنا امام صعوبة تأمين هذا الدولار غير الموجود أصلاً.
أضاف: انّ رفع نسبة المبلغ الواجب علينا تأمينه بالدولار من 10 الى 30 في المئة سيرفع من سعر صفيحة البنزين ما بين 20 الى 30 في المئة، على انّ هذه النسبة قابلة للتبدّل نتيجة ارتباطها بسعر صرف الدولار في السوق السوداء. لكن في جميع الأحوال، إنّ الزيادة على صفيحة البنزين لن تقل عن 4 الى 5 مرات عمّا هي عليه اليوم، اي انها ستقارب الـ100 الف ليرة.
وشدّد فياض على انّ رفع الدعم يحتاج الى سياسة متكاملة، امّا استمراره فيتعلق بموجودات مصرف لبنان من العملة الصعبة والمتوقع ان يكفي حوالى الشهرين من اليوم. ولفت الى انّ الشركات المستوردة للنفط سبق ورفعت الى مصرف لبنان بناء على طلبه جدولاً بما تحتاجه من محروقات حتى نهاية العام، ولدى سؤالنا اذا كان باستطاعته تغطية هذه النفقات ام لا؟ لم يأتِنا جواب من المركزي في هذا الخصوص بعد.
وأشار فياض الى أنّ تأمين قسائم للبنانيين لشراء البنزين هو توجّه سَهل، أما الصعوبة فتكمن في تأمين المازوت وبكميات للقطاعات كافة من التدفئة الى المصانع والنقل والمستشفيات..
al-jumhuriya