مرة جديدة، تتكدّس النفايات على جوانب الطرقات في أقضية بعبدا والشوف وعاليه. تظهر أكثر وضوحاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، نتيجة كمية النفايات الهائلة. ومرة أخرى، منذ تموز الماضي، تجتمع شركة جمع النفايات «سيتي بلو» مع حاكم مصرف لبنان لإيجاد حل لدفع مستحقات الشركة، فيما الحال هو الحال. وينتظر أن تتوقف شركة «رامكو» الأسبوع المقبل هي الأخرى عن جمع النفايات من بيروت العاصمة والمتن وكسروان للسبب عينه وهو عدم دفع الدولة مستحقات الشركتين. كل هذا يأتي على أبواب الشتاء وفي عزّ استفحال أزمة تفشّي وباء كورونا ليزيد تكدس النفايات بما يرتّبه من آثار صحية وبيئية على واقع اللبنانيين المأساوي مأساوية.
رئيس مجلس إدارة «سيتي بلو» ميلاد معوّض قال لـ«الأخبار»، عقب الاجتماع الذي جرى أمس مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، «إن الحاكم إيجابي في هذا الشأن ولا عرقلة من عنده». وينقل عنه أن «لا مانع لديه أن يُقرض الدولة دولارات في هذا الملف»، واضعاً المسؤولية عند وزارة المالية التي تعطيه الأمر حالياً بأن يدفع مستحقات الشركات بالليرة اللبنانية. لكن سلامة كان واضحاً مع شركة «سيتي بلو»: «إذا قال لكم أحدهم إنني لا أقرض بالدولار، فأنا أقول إنني أقرض بالدولار».
تعود مشكلة تكدس النفايات إذاً إلى تراكم مستحقات شركات جمع النفايات ومعظمها بالدولار الأميركي. بالإضافة إلى توقف التسهيلات المالية عبر البنوك، وأخيراً المشكلة النقدية التي على أساسها ما عادت الشركة قادرة على دفع رواتب العمال وأغلبهم من اللبنانيين بعد ترحيل ما يقارب من 400 عامل أجنبي، كما الحاجة إلى شراء المحروقات وقطع الغيار، وهو ما جعلها، بحسب زعم إدارتها، في حال من العجز عن الاستمرار في عملها. يوضح معوض أنه يوم «أخذنا المناقصة (قبل 3 سنوات) كانت المناقصة بالدولار، وكل الديون المترتبة على الشركة بالدولار، إضافة إلى تعاقدنا مع شركات أجنبية، وكل ذلك يستلزم مصاريف بالدولار الكاش». اليوم «نطالب الدولة أقله بدفع مستحقات الشركة بالدولار المحلي، لنتمكن من سداد الديون، علماً بأن البنوك لا تقبض ديون الشركة بالليرة اللبنانية لأنها بالدولار، وهذا بدوره حال دون إقراضهم». الهمّ الحالي بالنسبة إلى «سيتي بلو» أن «تستطيع سداد ديونها، أما الباقي فقد نتدبّر أمره ونحمل قدر ما نستطيع».
تحاول الشركات اليوم أن تعقد جلسة مع وزارة المالية، لكن بغير تفاؤل: «أتصور أن وزارة المالية لن تقول لحاكم مصرف لبنان أن يدفع بالدولار». لكن ما العمل؟ «الحل عند الدولة لا عندنا، وطالما لا يوجد حل لا يمكننا العمل». والجدير بالذكر أن الأكلاف المستحقة لشركة «سيتي بلو» تتراوح شهرياً بين مليون 800 ألف دولار ومليوني دولار. كما أن لدى الشركة مستحقات مع الدولة بقيمة 16 مليون دولار نتيجة أعمال العام الجاري.
درغام: وزارة المالية عقبة، ومصرف لبنان عقبة، ووزارة البيئة عقبة، وكل مسؤول يرمي المسؤولية على الآخر
في هذا الوقت، باشر اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية رفع النفايات عن الطرقات. وقد جهز لهذه المهمة فرقاً ترفع الركام المتكدس على نفقة الاتحاد والبلديات التي تعاني هي الأخرى من عدم دفع الدولة لمستحقاتها المتراكمة في وزارة المالية منذ عام 2018.
رغم ذلك، فإن رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام أكد أن البلديات لا تستطيع أن تحل مكان الشركة ولا أن تمضي في هذا الملف طويلاً نظراً إلى كلفته العالية، وهو يفوق طاقة الاتحاد والبلديات معاً. ولفت إلى أن ثمة 5 مناطق عشوائية في الضاحية «ترمي يومياً نحو 150 طناً ولا تجبي منها البلديات رسوماً». لكن المشكلة ليست هنا وحسب، إذ «كيف سيكون الحال عندما لا يبقى مطمر بعدما شارف الكوستا برافا على بلوغ طاقته الاستيعابية القصوى؟».
مع العلم بأن الاتحاد ومعه بلدية الشويفات أقفلا تحذيرياً مطمر الكوستا برافا في تموز الماضي، فتوقف عن استقبال نفايات الشوف وعاليه وقرى بعبدا وجزء من مدينة بيروت لأنه إذا استمر في طمرها فسيمتلئ عن آخره خلال أشهر، فيما صمّم ليكون مؤقتاً وليستقبل نفايات بلديات الضاحية والشويفات حصراً.
تراكم الأزمات وانفجار المرفأ واستقالة الحكومة حالت دون إغلاق المطمر، لأن الأمور تعقّدت كثيراً و«الضرب في الميت حرام»، يقول درغام، مضيفاً: «غير أن ما سبق لا يمنع أننا سنكون أمام كارثة محققة ومحتومة في القريب العاجل». من وجهة نظر درغام، ليست العقبة فقط عند وزارة المالية، «فهي عقبة وحاكم مصرف لبنان عقبة ووزير البيئة عقبة، لكن كل مسؤول يرمي المسؤولية على الآخر، وهم لا يجتمعون معاً لإيجاد الحل».
al-akhbar