في حديث لموقع زوايا ميديا، تطرّق الدكتور هشام يونس رئيس ومؤسس جمعية الجنوبيون الخضر الى موضوع التسرّب النفطي الاخير على الشواطئ اللبنانية، وأوضح:
“نحن إزاء كارثة يجري تجاهلها بشكل غريب وربما متعمد. كارثة لم يشكل فريق أزمة يدير آثارها والتداعيات، لم يوضع لها خطة إدارة كما يجري في أي حالة مشابهة. وفيما تهربت الحكومة من تحمل مسؤولياتها واكتفت بتكليف المجلس الوطني للبحوث لوضع الخطة، صدر تقرير الأخير بعد ستة أيام على الكارثة بصيغة تقرير أولي قدم إقتراحات عامة لا تشكل خارطة لإدارة الأزمة –لم يزعم التقرير غير ذلك- ومن دون تقديم المعطيات الكاملة التي تسمح بتقييم شامل لحجم وأثر الكارثة، وسط غياب وزير البيئة عن المشهد علماً ان الوزارة قادرة فرضياً على التعامل مع الكارثة بالنظر إلى تجربتها مع تسرب الجية إبان عداون تموز 2006.
ربما من الصحيح القول، وهذا من التحديات الجدية، إلى أننا إلى اليوم بعد أكثر من أسبوعين على الكارثة لا نعرف الحجم الحقيقي للتلوث ودرجته. فالمعطيات التي قدمها التقرير الأولي للمجلس الوطني البحوث العلمية جاءت دون التوقعات؛ مجملة ولم تغطي مختلف مستويات التلوث. هذا فضلاً عن الثغرات التي شابت المسح الذي قدمه التقرير. على سبيل المثال، فإن الرصد الجوي للساحل- لم يغطي كل الساحل اللبناني- جاء متأخراً أيام عدة بعد التسرب وانتشار البقع النفطية، والتي بطبيعية الحال تحركت ولم تبق في موقع واحد. حتى تلك التي حملتها التيارات المائية وحركة المد إلى الشواطئ لاحظنا تبدلها كما ساهمت الرياح بحمل ونقل بعضها أو تغطيته بطبقة من الرمال أو تعريته. كما ان آلية الرصد الجوي التي أعتمدت غير قادرة على رصد مختلف أحجام القطران الصغيرة، أو الجزيئات، وهي أخطرها فضلاً عن كثافتها في المياه، أمور لا يمكن للدرون أن ترصدها، ولم يستكمل ذلك بأخذ عينات لفحص المياه من مواقع عدة بل أكتفي بهذا الرصد وبشهادات الصيادين بأن شباكهم لم تصاب بالقطران!!
كان مستغرباً ان التقرير لم يقدم المنهجية التي أعتمدها، وكيفية جمع المعطيات، خلافاً لأي تقليد في هذا النوع من التقارير، ولم يحوي على نتائج فحصوصات مخبرية لعينات من مواقع التلوث. بالمحصلة إننا إلى اليوم لا نملك تقديراً شاملاً لحجم الكارثة أو الأضرار.”
وأضاف: “منذ معرفتا بالتلوث بادرنا إلى مسح شاطئ البقبوق بالتعاون مع بلدية العباسية، وبدأنا بالمتاح عملية إزالة الملوثات وهي العملية المتواصلة إلى اليوم، ونواجه تحديات مختلفة من بينها الرياح وحركة التيارات التي تبدل مواقع البقايا، ولاحظنا في بعض المواقع في الأيام الأولى وجود بقع جديدة، بمعنى أنه في الأيام الأولى التي غاب عنها أي تحرك للوزارات المعنية بشكل أساسي وزارة البيئة، وحتى إتحاد بلديات صور الذي فضل تأخير أعمال إزالة المخلفات خمسة أيام، كان كميات القطران لا تزال بحكم العوامل المناخية أكثر “حركة” إذا جاز التعبير، وتبدلاً في المواقع وحتى في الماء. وهو أمر على سبيل المثال لم يأت على ذكره تقرير المجلس. كما عملنا على مسح شاطئ عدلون وتبين هناك موقعاً أصابه التلوث بشكل أساسي، وهو خليج أبو الزيد، ونظمنا هناك حملة على مراحل أنجزنا الأساسي منها من مرحلتين، ولا تزال هناك بقع قطران تغطي مساحة من الصخور ينبغي على الوزارة توفير المعدات والمختصين لإزالتها.
من شاطئ عدلون، بلغت الكمية المزالة في المرحلتين ما يزيد عن 300 كلغ، وما يقارب 400 كلغ من محمية شاطئ البقبوق في العباسية، حيث لا يزال العمل متواصلا مع بلدية العباسية وبمشاركة “منظمة العمل ضد الجوع” على إزالة المتبقي، ومن ثم تقدير الكمية الكلية. بخصوص الآلية المتبعة فهي تقوم على تقسيم الشاطئ مربعات، وهذه منهجية معتمدة من قبلنا في حملات تنظيف الشاطئ من قبل، نعمل على مسحها وإزالة الملوثات عنها وفرزها ضمن أكياس مخصصة لكل نوع.
في الموقعين، في المعاينة وفي ظل غياب فحوصات عينات المياه، هناك بقع زيت الثقيل أصابت بعض النباتات، ولكن بصورة محدودة جداً بالإضافة إلى ثلاثة سلاحف مياه عذبة متواجدة على الشاطئ. وعلمنا بالعثور على سلاحف بحرية نافقة بسبب البقع الطافية، وهذا يعيدنا إلى موضوع المسح وقدرته على رصد البقع المختلفة، خصوصا أنه خلص إلى عدم وجود بقع قبالة الساحل في المناطق التي غطاها. يبقى هناك ضرورة لتقييم حجم الآثار على النظم البحرية والأنواع المختلفة وسلوكها، بدءا من العوالق إلى الطحالب البحرية إلى باقي الأنواع السمكية – خاصة أننا نقترب من موسم تعشيش السلاحف البحرية- والمصطبات وبرك المد والمغاور الصخرية والتي تلعب جميها دوراً حاسماً في توفير الملاذ والغذاء لأنواع مختلفة وقد لاحظنا تلك البقع على شاطئ عدلون الصخري على ما سبقت الإشارة.
كما اكدّ د. يونس “نحن إزاء كارثة، أخطر ما فيها، أننا إلى يومنا لم نقدر تماماً حجمها بشكل واف، ولم توضع لها خطة تعامل وإدارة ولم تدرس تداعياتها على المدى المتوسط والبعيد إلى اليوم لإحتواء الأضرار والتي تمتد من النظم البيئية البحرية والشاطئية، وبالتالي مصائد الأسماك وحرفة الصيد، وهو ما يطال بالتالي المجتمعات المحلية الساحلية في الناقورة وصور وخيزران وعدلون والصرفند وغيرها. وتداعيات ذلك على قدرة هذه النظم البيئية على مواجهة تحديات المناخ والعوامل الأخرى. على الحكومة من دون أي تأخير إضافي وضع خطة إدارة كارثة، تنخرط فيها الوزارات ذات الإختصاص: البيئة والزراعة والأملاك العامة والنقل والصحة بالإضافة إلى الخارجية. للتعامل وإدارة آثار هذه الكارثة.
وفي هذا المجال، لم يكن موقف وزارة الخارجية أفضل حال، فمنذ البداية بدا موقف الوزارة في متابعتها للقضية وكانه سلم للرواية الإسرائيلية ومسارها الذي اعتمدته الحكومة الإسرائيلية، ولم تتخذ التدابير لفتح تحقيق مستقل عن الرواية الإسرائيلية بالتعاون مع المنظمات الإقليمية، ومنها وكالة السلامة البحرية الأوروبية (EMSA) والتي تراقب وتملك معطيات حركة السفن والملاحة، وتعنى بقضايا التلوث الذي تتسبب به حوادث الملاحة والسفن، وهي الجهة التي أبلغت السلطات الإسرائيلية بوجود البقعة النفطية، من دون أن يحدد المصدر، وفق المتحدث باسم المفوضية الأوروبية على عكس زعم الرواية الإسرائيلية، والمنظمات الدولية مثل منظمة الملاحة الدولية (IMO)، وهذا التوجه أضعف المقاربة اللبنانية وجعلها رهينة للسردية الإسرائيلية. ولا يزال بإمكانها بناء قضية متكاملة كجهة متضررة من التسرب، لملاحقة المتسبب وتحميله مسؤولية الأضرار التي لحقت بالساحل والموائل الطبيعية وأصحاب المصالح المختلفين.”
زوايا ميديا