ليبانون ديبايت – عبدالله قمح
تحضّر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لأداء فريضة خارجية جديدة، يتردّد أنها تأتي كتتمّة للجولة الأخيرة، لكن بين جدران بيت الوسط ثمة كلام آخر، مغاير ومختلف كلياً عمّا نسمع، يُنذر بأن رئيس الحكومة “مع وقف التنفيذ”، على وشك تدشين مرحلة جديدة من التصعيد بوجه رئيس الجمهورية ميشال عون.
ما اكتفى الحريري ممّا حصل الأثنين، وما يحصل منذ أن وطأت قدماه أرض التكليف قبل 150 يوماً. مشاهدته السفير السعودي يحطّ على عَجَل في القصر الجمهوري ومجالسته لرئيس الجمهورية زهاء الـ40 دقيقة، أصابه بإرباك. كان يأمل الحريري أن يدشّن وليد البخاري زيارةً إلى بيت الوسط للوقوف عند رأيها في ما حصل الإثنين في القصر الجمهوري، لكن بدلاً من ذلك، اختار تلبية دعوة سابقة مقدّمة من الرئيس عمرها نحو أسبوع، في يوم العمل الأول بعد معركة “داحس والغبراء” بين الرئيسين!
تفرّغت خلال اليومين الماضيين دوائر بيت الوسط للتشويش على زيارة البخاري. “التعليمة” التي وردت لعدد من الإعلاميين عبر هواتفهم المحمولة وفحواها أن البخاري، لبّى دعوةً “عاجلة” صدرت عن ميشال عون فور خروج رئيس الحكومة المكلّف من القصر، وجاءت كمحاولة ثالثة لدفع السفير نحو زيارة بعبدا، وبروتوكولياً على السفير واجب التلبية، تُعطي انطباعاً حول مستوى الأرق الذي تسبّبت به الزيارة لدى مقرّ الحريري.
إنعكس ذلك “تضعضعاً” لدى بيت الوسط، وسوء رؤية حول المعطيات التي ترتّبت عن اللقاء، بدليل محاولة معالجتها بالإعتماد على طريقة “النميمة”، بقصد حرفها عن مضمونها الأساسي وبنيّة الذم ّبميشال عون أولاً، والتشويش على زيارة البخاري ثانياً، و “سدّ الطريق” على أي احتمال يؤدي إلى فهم أن الدعوة أصلاً وُجّهت قبل أسبوع، وهي ذات صلة بمناقشة عدة أمور ذات اهتمام مشترك بين بيروت والرياض، ومنها ملف تأليف الحكومة ثالثاً.
بمعزل عن كل شيء، رتّبت دوائر بيت الوسط “أجندة” مفترضة وعمّمت مضمونها على أن شيئاً مما ذكر أعلاه لم يُبحث بين عون والبخاري، وأن ما جرى عرضه أتى من قبيل البحث البروتوكولي لا أكثر، ليتبيّن أن المضمون الذي سعى المستقبليون لإخفائه عن الصحافيين، يُعدّ من النوع المؤذي لرئيس مكلّف في عِز تكليفه، سيما، وأن ما نُقل سابقاً جاء على وزن استعداد رئيس الجمهورية للسير بما ترى به الرياض “موضع ثقة” لتأليف الحكومة، عملاً بقاعدة أنها لم تعد تقبل بسعد في السراي.
لكن هذا لا شيىء بعد، في طور ملاحظة بيت الوسط أن القصر الجمهوري قد شرع بمهمة “تعميم أسباب الحؤول دون تأليف الحكومة” على شكل جولة استدعاءات ديبلوماسية لممثلي الدول المعنية في الشأن اللبناني، في حركة أتت استباقاً لمسعى يُحضّر له الحريري، وكان سبق له ودشّن مثله قبل فترة خلال جولاته، عكف على دراسة الخيارات المناسبة لمواجهة الرئيس، عقب علمه أن القضية لم تعد بينهما مسألة “فقدان ثقة” بل “مواجهة مفتوحة” ليس محرّماً أن تُستخدم فيها كافة الأسلحة المتاحة، وتأتي على قاعدة واضحة: إعتذار الحريري مقابل استقالة عون.
لا تخفي أوساط في تيار “المستقبل”، علمها بوجود عدد من الأفكار التي سيلجأ إليها الرئيس الحريري في المرحلة المقبلة، للإضاءة على عرقلة الرئيس لتأليف الحكومة، تماماً كما تعمّمه دوائر بعبدا، على أن يُعلن عنها في الوقت المناسب. حين نُشير إلى المصادر الزرقاء بأن عون قد بادر بالفعل إلى شيء مشابه تردّ بالقول: “شو عليه، رح منشوف برّا من بيصدق قبل!”، عند هذه النقطة أضحت القضية برمتها، من يشكو من إلى الخارج أولاً ويأخذ ثقة هذا الخارج.
في المقابل، يبدو أن هذا الخارج قد اكتوى من نيران الملف اللبناني. بعض الجهات الدولية التي يدّعي الحريري أنه يُعبّر عنها في الداخل، تبدو صورتها تتآكل أمام رأيها العام الداخلي قبل الخارجي، وعلى ما يرشح من معلومات، يظهر أنها عكفت على درس “خيارات مختلفة” للتعامل مع المسألة اللبنانية، ولا يبدو أن الحريري معزول عن ما يُدرس، بصفته متهماً بتأجيج مسار التأليف وتأخيره، مثله مثل غيره من المسؤولين.
هنا بالضبط عودة إلى سيناريو فرنسي سابق، كان يُفترض بالرئيس إيمانويل ماكرون تطبيقه غداة زيارته الأولى إلى بيروت الصيف الماضي على إثر تفجير المرفأ. ماكرون نفسه، أعاد التذكير بهذا المسار المسمى داخلياً عقوبات، وذلك قبل أيام مضت، حين أشار إلى إمكانية “تغيير التعاطي الأوروبي مع لبنان في الأسابيع المقبلة”، وهي دعوة إلى الداخل لترقّب ما قد يأتي من القارة العجوز، وهو أيضاً التهديد الذي يدفع الحريري إلى التفكير بزيارة أوروبا في أقرب فرصة متاحة، لاستقاء المعلومات حيال ما يمكن أن يحصل.
وهنا، ثمة مجال للتذكير بالمسعى الفرنسي، الذي ضمّ يومها إلى ورقة “المبادرة الفرنسية” كتدبير ثانٍ يصلح اعتماده في حال بان زيف وعود الطبقة السياسية، أي التدبير الذي كشف عنه يومها الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو في صحيفة “الفيغارو”، والذي كان يومها مرافقاً لماكرون، ما دفع الأخير إلى توبيخه على الملأ في ساحة قصر الصنوبر ببيروت.
وبخلاف ما تم ذكره سابقاً حول أن مالبورنو تعمّد ممارسة التضليل في تقريره، تكشف مصادر خاصة بـ”ليبانون ديبايت”، أن ما حاول نفيه حينذاك ماكرون، مُقبل على أن يتوّج اليوم على رأس المسار السياسي الفرنسي. وفي عودة لمشهديات تلك المرحلة، فإن ماكرون وضع المحيطين فيه بمسعاه لفرض عقوبات على من يحاول من اللبنانيين، عرقلة الجهود الدولية لتأليف حكومة جديدة تؤسّس لسلوك درب الإصلاح، وقد ذكر أمام مقربين منه أنه قد نسّق ذلك مع الأميركيين (إدارة ترامب). لكن ما حصل أن شخصيات داخل خلية الأزمة لإدارة الملف اللبناني التابعة للإليزيه، أبلغت الرئيس أن مسعاه قد يأتي بالضرر على الخطوات الفرنسية سيما على من يفترض أنهم حلفاء لفرنسا، لكن ماكرون لم يكترث، وهو ما دفع بأركان داخل الخلية إلى تسريب مضمون العقوبات إلى الصحفي الفرنسي الذي تولّى نشرها ولقيت انتشاراً واسعاً في لبنان، وقُرأت على نطاق واسع سيما في صفوف أصدقاء فرنسا.
ويذكر المصدر هنا بالإسم، أن سعد الحريري أبدى استياءه مما قرأ، وبادر فوراً إلى التواصل مع أصدقائه في الخلية حين كان الرئيس ماكرون في بيروت، ثم أبلغهم أنه من غير المستبعد أن لا يتعاون مع المبادرة الفرنسية متى اتضح أنها ترمي إلى تطبيق تهديدات على من هم أصدقاء لفرنسا، وهو ما دفع بماكرون لاحقاً إلى توبيخ الصحفي الفرنسي وتجميد عمله في العقوبات معطياً فرصة للجانب السياسي، قبل أن يعود ويبلغ النتيجة ذاتها في النهاية، ويعطي الإشارة إلى عودة تفعيل منطق التهديد بالعقوبات.