المصدر: النشرة
لفت رئبس الجمهورية العماد ميشال عون في حديث صحافي إلى ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري “نام ثم استفاق على مقاربة حكومية تنسف كل القواعد التي اعتدنا على اعتمادها في تشكيل الحكومات. وبالتالي، فإنّ المعالجة تكون ببساطة في ان يحترم تلك القواعد. هو يعرف انني “محروق” على تشكيل الحكومة، ولكن هذا لا يعني انّ من حقه ان يستغل حرصي الشديد على تأليفها في اسرع وقت كي يفرض عليّ تركيبة مناسبة له وليس للبلد”. وأضاف عون: “للمرة الألف، أؤكّد انني لا اريد الثلث المعطّل، واتهام الحريري لي بأنني أسعى اليه هو باطل. وقد سبق لي ان قلت له في احد الاجتماعات بيننا: “لولا هذه الحشرة ولولا الأزمة الحادّة التي نمرّ فيها حالياً، ما كنت لأسمح لك اساساً بأن تتهمني بأنني احاول الحصول على الثلث المعطّل. إذ هل يُعقل ان يعطّل رئيس الجمهورية نفسه وعهده، ولو كان كل الوزراء في الحكومة من حصّتي ما كنت لألجأ الى التعطيل. انا من موقعي كرئيس للجمهورية استطيع ان اتدخّل، وبالتالي لا حاجة لي الى الثلث المعطّل”.
وأشار إلى انه “يُفترض به ان يقتنع بأنّ حزب الطاشناق مستقل، ولا يصح ان يحتسبه من حصّة رئيس الجمهورية”. ولاحظ الرئيس عون، انّ الحريري “أصبح أخيراً غريب الأطوار، وكأنني لا أعرفه، على الرغم من انني كنت قد احتضنته وتعاملت معه كوالده، وعندما سألته: ماذا جرى لك؟ أجابني: لقد تغيّرت”.
ورأى انه “من غرائب الأمور انّ الحريري يبرّر ما يفعله بحرصه على تشكيل حكومة اختصاصيين، فيما هو شخصياً لا علاقة له بالاختصاص، اي انّه كرئيس مكلّف، يفتقر الى المعيار الذي يشترطه في الوزراء، ومع ذلك تغاضينا عن هذا الخلل لتسهيل التشكيل، فكانت النتيجة أننا رضينا ولم يرض هو”.
واستهجن عون إصرار الحريري على أن يكون عدد الوزراء 18، موضحاً انّه عرض عليه تشكيل الحكومة من 20 او 22 او 24 وزيراً، “وبذلك نحمي التوازنات من دون أن يستحوذ اي فريق على الثلث المعطّل، الّا انّه رفض، وأبلغني بأنّه متمسّك بصيغة الـ18، ما يدعو الى الاستغراب والارتياب”. وتساءل: “ما السرّ في تمسّك الحريري لوحده بهذا الرقم السحري؟ فليقنعني بسبب وجيه حتى أوافق معه. أما وأنّه لم يستطع اقناعي فأنا لا أجد مبرّراً لعدم توسيع الحكومة، الّا اذا كان الجمع بين حقيبتي الخارجية والزراعة، كما طرح في تشكيلته، هو مثال يُحتذى في الاختصاص”.
وأضاف “لم يحترم الحريري أيضاً الأصول في توزيع الحقائب على الطوائف. ومن المعروف انّ هناك حقائب سيادية وخدماتية وعادية، لطالما كانت تُوزع بطريقة دقيقة تراعي التوازنات، الّا انّه لم يراع هذا المبدأ. ولذلك اقترحت عليه جدولاً منهجياً، في اطار التعاون وليس بغرض مصادرة صلاحياته، وقد أرفقته بورقة احترمتُ فيها اللياقات وأصول المخاطبة، حيث كتبتُ عليها، انّ من المستحسن ملء الجدول، ولم أقل إنّه من المفروض ان يملأه”.
وسرد بعض تفاصيل اللقاء العاصف الأخير مع الحريري قائلاً: “لقد كان الحريري منفعلاً، واعتبر انّ الاقتراح الذي أرسلته اليه ينطوي على ثلث معطّل، وهذا مرفوض من قِبله. فشرحت له كيف انّ استنتاجه ليس صحيحاً، بل أكثر من ذلك، توجّهت اليه بالقول: مزّق الورقة وانسَ أمرها. الّا انّه خرج من مكتبي وتلا بياناً تصعيدياً، ومُحضّراً سلفاً، ما يؤشر بوضوح إلى انّه كانت لديه نيّات مضمرة ومبيتة حيالي”.
وأشار عون، الى انّ إحدى مشكلات الحريري انّه لا يزال يصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين، متجاهلاً “انني مؤتمن استثنائياً على اختيار هذه الاسماء، ليس لأنني أريد حصّة لنفسي وإنما لأنّ القوى المسيحية الأساسية غير مشاركة في مفاوضات التشكيل ما اضطرني، من باب المحافظة على الميثاقية وحقوق كل الفئات، ان اتحمّل مسؤولية ضمان صحة تمثيل المكوّن المسيحي، إلى جانب دوري كرئيس للجمهورية ولكل اللبنانيين. في السابق كان الرؤساء المكلّفون هم الذين يتفاوضون مع ممثلي المسيحيين ويتفقون معهم على الأسماء، لكن هذه المرة تغيّرت المعادلة، لأنّ الحريري يرفض الحوار مع “التيار الوطني الحر”، فيما “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” قرّرا عدم المشاركة، وبالتالي صار لزاماً عليّ ان املأ هذا الفراغ”.
وشدد الرئيس عون على انه “لا يحق للحريري ان ينتقي أسماء الوزراء المسيحيين، حتى لو كان بعضها وارداً في المسودة التي كنت قد وضعتها وضمّت ما يقارب 70 اسماً من جميع الطوائف. وعندما زارني الحريري في إحدى المرات طلب مني ان يلقي نظرة على تلك المسودة التي كانت أمامي، فأعطيته ايّاها بكل نية حسنة، ولم أكن أعلم انّه سيختار منها بالنيابة عني. هذا ليس من حقه، ويعود لي اختيار جميع الوزراء المسيحيين المصنّفين ضمن خانة رئيس الجمهورية للأسباب التي شرحتها، واستطراداً، انا الذي أقرّر أي أسماء سأعتمد من اللائحة التي وضعتها للاستئناس، أو من خارجها، وليس الحريري من ينوب عني في هذه المهمّة. ثم يُفترض به ان يقتنع بأنّ حزب الطاشناق مستقل ولا يصح ان يحتسبه من حصّة رئيس الجمهورية”.وعن تأثير العلاقة المتدهورة بين الحريري والنائب جبران باسيل على محاولات تشكيل الحكومة، أكد انه “لو كنا في وضع طبيعي ما كنت لأقبل بأن يتجاهل الحريري رئيس اكبر كتلة نيابية ويرفض الجلوس معه. ما هذه الخفة في التصرّف؟ والأنكى من ذلك، انّه يمتنع عن التحاور مع باسيل ثم يطلب منه ان يمنح الثقة لحكومته. أي معادلة عجيبة هذه؟ إذا كان باسيل غير جدير بنيل ثقتك فكيف تشترط في المقابل ان يعطيك ثقته؟”. واعتبر عون، انّ “الحريري أوجد عداوة غير مبرّرة مع باسيل، الذي لم يتعرّض له بالشخصي بتاتاً، وأتحدّى ان يكون قد وجّه أي إساءة الى الرئيس المكلّف، وإنما الحريري هو الذي يتهجّم عليه بمناسبة ومن دون مناسبة. وبصراحة، انا متفاجئ كثيراً بهذا العداء الذي لا أجد تفسيراً محلياً له. وعلى كلٍ، جبران “فولاذي” ولا يتأثر بكل الحملات التي يتعرّض لها”.
من جهة أخرى، استهجن عون كيف أنّ الحريري، وبدل ان يفعل المستحيل لإنجاز التأليف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية بعد تذليل العقبات، وضع التكليف في جيبه وراح يتنقل من دولة الى أخرى، ببرودة أعصاب ومن دون تقدير لأهمية الوقت المهدور ولحراجة الظرف الدقيق الذي لا يسمح بترف السياحة الخارجية، “علماً انّ زياراته لم تفضِ الى اي نتيجة إيجابية لمصلحة لبنان، بل لعلّ بعضها مريب”. وقال: “تصور انّ نحو أربعة ملايين لبناني هم الآن رهائن مزاج الرئيس المكلّف”.
وردا على سؤال حول وجود انطباع بأنّه يسعى الى إحراج الرئيس المكلّف لإخراجه، نفى صحة هذا الانطباع، معتبراً “انّ العكس صحيح، والحريري هو من يحاول ان يُحرجني ليُخرجني عن قواعد التشكيل السليمة، الّا انني لن ارضخ لذلك”. وقال: “على الرغم من كل التعقيدات، لم أفقد الأمل بعد في إمكان تشكيل حكومة برئاسة الحريري، شرط أن يعود إلى احترام بديهيات التأليف. وانا من جهتي مقتنع بأنّ لا عداوات دائمة في السياسية، وانّ المصلحة العامة ينبغي أن تتغلّب في نهاية المطاف على الحسابات الشخصية، وعليه، فإنّ أبواب القصر مفتوحة أمام الرئيس المكلّف متى قرّر ان يحمل إليّ طرحاً واقعياً لنناقشه ونتفاهم عليه وفق مقتضيات الدستور. اما اذا كان يتعذّر عليه أن يفعل ذلك، فيجب أن يحتكم الى ضميره ويبادر الى الاعتذار الشجاع، لأنّ الوضع لا يتحمّل النكايات العبثية او العناد الشخصي، إذ انّ مصير الوطن ومستقبل اللبنانيين على المحك، الأمر الذي يستوجب التحسس بأعلى درجات المسؤولية”.
وأكد الرئيس عون من جهة أخرى، أن “باسيل ذكي ونشيط ومجتهد وكفؤ، لكن هذا شيء وانتخابات الرئاسة بعد نحو عام ونصف العام شيء آخر له ظروفه وحساباته في حينه. ما يهمّني الآن ضمان مستقبل اللبنانيين، وهذه أيضاً اولوية جبران. وأنا أريد بعد رحيلي عن هذه الدنيا ان يبكي الناس عليّ وليس على لبنان. أضف إلى ذلك، انني مقتنع بمقولة أحد الفلاسفة الهنود، الذي يعتبر انّه لا يجب بذل جهد استثنائي للوصول، بل دع الأمور تحدث لوحدها وتأخذ مجراها الطبيعي. الصيرورة بمعنى ان تصير هي الأصل، لا الوصولية التي تبتغي الوصول بأي وسيلة وثمن. وانا اعتمدت هذه القاعدة”.
وعن ترويج البعض بأنّ باسيل هو رئيس الظل الذي يتحكّم بقرارات القصر، أجاب عون “هم يعرفون انّ ما يزعمونه لا يمتّ الى الواقع بصلة. الحقيقة إنّ جبران تلميذي”. وتوقف عون بامتعاض شديد عند العقوبات الأميركية المفروضة على باسيل: “لقد عاقبوه لأنّه على صداقة مع حزب الله. هذا خيار اتخذه في داخل وطنه ويتعلق بوطنه، فكيف يجوز لهم ان يعاقبوه لهذا السبب”.
وردا على تصنيف البعض للعهد بأنّه الأسوأ لأنّ كل الأزمات انفجرت خلاله، قال: “نعم، أعترف.. انا من استدان مبلغ 90 مليار دولار حتى أفلست الخزينة، وأنا من صنع فيروس كورونا ونشره، وانا من فجّر نيترات الأمونيوم في المرفأ، وانا من امعن في مؤسسات الدولة هدراً وفساداً على امتداد عقود، كنت منفياً خلالها الى فرنسا، وانا من أنشأ الصناديق والمجالس، وانا من أشعل الحرب السورية وأتى بالنازحين الى لبنان، وانا من أدخل داعش”. وأضاف “ربما يحملونني المسؤولية لأنني اتخذت القرار باجتثات الإرهابيين من الجرود، ودفعت في اتجاه إقرار مراسيم النفط التي تحمي حقوقنا الطبيعية، وتمسّكت بوضع قانون انتخابي يحقق افضل تمثيل ممكن، وقاتلت لاعتماد الإصلاحات الحيوية وفتح ملفات الفساد وإجراء التدقيق الجنائي الهادف الى معرفة حقائق الإنهيار المالي والاقتصادي.. لقد كان يتوجب عليّ أن لا أفعل كل ذلك حتى يصبح عهدي ناجحاً”.
وعن طريقة تعامل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع ملف صعود الدولار، شدد على انه “بصراحة، لم أعد مرتاحاً الى سلوك سلامة، وبصراحة أكبر، لقد أصبحت اشعر باستياء كبير جراء السياسات النقدية وبعض التصرفات”.