المصدر: لبنان 24-نوال الأشقر
نائبان ينتميان إلى المجلس النيابي نفسه، خرجا بموقفين متناقضين حيال إقرار قانون “استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد”. النائب ابراهيم كنعان زفّ القانون على أنّه “مدماك تشريعي يضع لبنان في معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد” وإن اعترف بالحاجة إلى قضاء مستقل، والنائب هادي أبو الحسن الذي اعتبر أنّ التنفيذ دونه عوائق “لا تبيعوا الناس أوهامًا ولا تعلنوا انتصارات وهمية”.
رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص رأى في إقرار قانون استعادة أموال الفساد “خطوة حميدة وإيجابية، لطالما طال انتظارها، من حيث تضمين القانون أدوات تنفيذية جيدة، لتنسيق وتسهيل عملية استرداد أموال الفساد”. لكن وفي حديث لـ “لبنان 24” لفت مرقص إلى أنّ إقرار القانون بحدّ ذاته لا يكفي مطلقاً “بظل غياب الإرادة السياسية الفعلّية لاسترداد أموال الفساد، ووقف الحمايات لزبائن الجماعات السياسية في الإدارة والأمن والقضاء. خصوصًا أنّ أموال الفساد لا تحوَّل فقط إلى الخارج، وقسم منها موجود في لبنان وربما في الحسابات المصرفية الداخلية، فلماذا لا يتمّ استردادها وهذا أسهل؟ ولماذا لا يتم تفعيل القانون 44\2015 وتحريك هيئة التحقيق الخاصة؟ لاسيّما أنه وفقاً للمادة 2 من هذا القانون، تندرج تحت جريمة تبييض الأموال، جرائم الفساد والرشوة واختلاس الأموال العامة، والإثراء غير المشروع”.
المشرّعون قبل غيرهم يدركون أنّ العلّة ليست في القوانين بل في تطبيقها، وللمفارقة استهل رئيس المجلس نبيه بري الجلسة التي أقرّت قانون استعادة أموال الفساد، بالإشارة إلى 74 قانونًا لم يطبق أيّ منها. إذ يكفي أن نشهد على ثروات ونِعَم نمت في كنف الإثراء غير المشروع، لنشكّك في فعالية القانون الحديث الولادة.
بنظر مرقص “ليس هناك في لبنان إرادة سياسية فعليّة لمكافحة الفساد، وعليه يتحوّل القانون إلى “زينة”، سائلًا لماذا لم يتمّ تطبيق نصوص قانون العقوبات القائمة منذ أكثر من سبعين سنة، بمواده المتعلّقة باستغلال السلطة وتواطؤ المقاولين في ما بينهم، رغم ضرورة تعديلها وتطويرها؟ وقد أبرم لبنان قانون لتبادل المعلومات الضريبية منعاً للتهرّب الضريبي ضمن إطار اتفاقيات دولية، لماذا لم يتمّ تطبيقه إذا ما كان هناك فعلاً إرادة سياسية؟.
أضاف مرقص ” قانون الاثراء غير المشروع، ورغم تعديله اخيرًا، لم يُطبَّق منه شيء منذ سبعين عامًا، بالإضافة إلى قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الصادر العام الماضي، والذي وضع مهلاً للجهات المختصة لكي تعيّن الهيئة، ورغم تجاوز المهل لم تُعيَّن الهيئة إلى يومنا”.
قانون استعادة أموال الفساد، رُبط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تتشكل ولن تتشكل في المدى المنظور، وفي ذلك إشارة واضحة إلى صعوبة تطبيقه. وإقراره في ظل الانهيار الحاصل، وضعه مرقص في إطار إيصال رسالة إلى الرأي العام الداخلي “مفادها أنّ الدولة تعمل على مكافحة الفساد، وهو جهد مشكور، لكنّه ورقي ومستندي، وكذلك هو رسالة إلى صندوق النقد الدولي، بأنّ الدولة اللبنانية أضافت مدماكاً على مداميك مكافحة الفساد في لبنان، كما أنّ لهذا القانون طابع قضائي، بما أنّ الحكومة المستقيلة هي حكومة تصريف أعمال وستتذرّع بهذه الصفة لعدم تطبيق هذا القانون.
لذلك، يكون على القضاء متابعة ومراقبة تطبيق قانون استعادة الأموال المنهوبة، إلى جانب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فهاتان الجهتان لهما الصلاحية في التحرّك لتطبيق هذا القانون وسواه من النصوص ذات الصلة “.
في ظل العجز المحلي حيال بدء عملية إصلاح حقيقي، يعوّل البعض على القضاء السويسري لاسترداد الأموال المهرّبة إلى سويسرا، وفي السياق يشير مرقص إلى “أن السياسيين لا يفتحون الحسابات بالضرورة بأسمائهم الشخصية، بل تحت أسماء مستعارة، وبموجب كيانات معنوية كالشركات، وإن لدى سويسرا قانون خاص صادر عام 2011، معروف بقانون دوفاليي، وآخر عام 2015، وقانون potentate Money Act الذي يجيز تجميد أموال السياسيين الأجانب، فضلاً عن سلطة فدرالية لمراقبة الأسواق المالية FINMA، التي يعود إليها التأكد مما إذا تمّ إجراء عناية واجبة على تحويلات المتنفّذين الأمنيين والسياسيين، للتأكد أنّها غير ناتجة عن فساد فيصار إلى تجميدها، لكن بشروط مجتمعة، هي لغاية تاريخه غير متحققة تراكمياً بالنسبة للبنان، خصوصاً أن ليس من طلب مرفوع من الدولة اللبنانية وبغياب حكم قضائي مبرم او طلب من هيئة التحقيق الخاصة”.
بالمحصلة قانون جديد أُضيف إلى المنظومة التشريعية لمكافحة الفساد، سيُرفع إلى مصاف “الإنجازات العظيمة”، ليبقى الفساد هو الأعظم.