الرئيسية / أخبار صور / خطبة الجمعة “لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي من حياة الإمام الصادق (ع)”

خطبة الجمعة “لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي من حياة الإمام الصادق (ع)”

الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) ؛ هو سادس أئمة أهل بيت النبوة (ع) ، المعصومين ، خلفاء رسول الله (ص) ، وأئمة زمانهم ، أمّهُ أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، الذي تربّى في بيت أمير المؤمنين (ع) ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولد الإمام الصادق (ع) في 17 ربيع أول سنة 83هـ ، تسلّم الإمامة سنة 114هـ ، وله من العمر 31 سنة ، وكانت مدّة إمامته 34 سنة ، وكانت وفاته سنة 148هـ ، عن عمرٍ ناهز 65 سنة ، وهي أطول فترة إمامة بين الأئمة (ع) ، استطاع خلالها – بسبب الظروف التي تهيّأت له – أن يُكمل ما كان قد أسّسه والده الإمام الباقر (ع) من جامعة أهل بيت النبوة (ع) ، الإمام الباقر (ع) استشهد مسموماً في عهد الملك الأموي هشام بن عبد الملك الذي أمر بدس السم للإمام الباقر (ع) ، لِمَا رآه من رجوع العلماء له ، ولإلتفاف المسلمين حوله . ومن أشهر ألقابه ؛ الصادق ، لُقّب به لانطباق صفة الصِّدق عليه ، ولما ورد في الحديث أنّ الإمام زين العابدين (ع) لقّبه بالصّادق عند ذكره الأئمة من ذريّته ، وأشار إلى أنّه أراد تمييزه عن شخص من ذريّته ومن سلالته اسمه جعفر يدّعي الإمامة ؛ وهو جعفر بن الإمام الهادي المعروف بجعفر الكذّاب، وهناك روايات تذكر أنّ ألقاب الأئمة (ع) ذكرها أمير المؤمنين (ع) بنقله ذلك عن رسول الله (ص) ، عندما ذكر النبي (ص) أسماء الأئمة الاثني عشر من بعده .
أقام الإمام الصادق (ع) مع جدّه الإمام زين العابدين (ع) اثنتي عشر سنة ، وبعده مع والده الإمام الباقر (ع) تسع عشرة سنة ، وبعده عاش أربعاً وثلاثين سنة [مدّة إمامته (ع)] ليكمل 65 سنة من عمره الشريف ، واستشهد مسموماً على يد الطاغية العباسي المنصور الدوانيقي [عليه لعنة الله] ، وقد عاصر الإمام الصادق (ع) خمسة من ملوك وطواغيت بني أمية [هشام بن عبد الملك ؛ الذي أمر بدس السم للإمام الباقر (ع) ، وحينها بدأت إمامة الإمام الصادق (ع) ، وبعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ثم يزيد بن الوليد ، وأخيه إبراهيم ، وآخرهم مروان بن محمد المعروف بمروان الحمار الذي قُتل على أيدي العباسيين ، وانتهى العصر الأموي الظالم] ، وبعدها بدأ عصر بني العباس الذي كان أكثر ظلماً ، وأوّل ملوكهم الطاغية أبو العباس السّفاح ، ولقّب بالسفاح لجوره العظيم وظلمه الكبير ولكثرة ما سفك من دماء الناس فترة حكمه التي استمرّت أربع سنوات وثمانية أشهر ، ليتسلّم الحكم بعده أخوه أبو جعفر المنصور المعروف بالدوانيقي [نسبةً إلى أصغر قطعة مالية لفرط شحّه وبخله وحبّه للمال ، إذ كان يُحاسب على الدانق] .
استطاع الإمام الصادق (ع) أن يستقطب كل طالب علم وكلّ عالم ، لأنه أعلم أهل زمانه ، ولأنّ الحكم الأموي كان في مرحلة شيخوخته وكهولته ، وبداية الحكم العباسي ، إذ كان بنو العباس يتوسلون شتّى السبل والأساليب لتثبيت حكمهم ، فكانت إمامة الإمام الصادق (ع) في تلك الظروف ، واستمرت أربعاً وثلاثين سنة ، لكن بمجرّد أن تمكّن العباسيون من الحكم وقضوا على معارضيهم من بني هاشم وغيرهم ؛ بدأوا في أيّام الدوانيقي بالتضييق على الإمام الصادق (ع) ومحاربته حتى الخامس والعشرين من شهر شوّال سنة 148هـ حيث أمر المنصور بدسّ السّم للإمام الصادق (ع) ، وبدا العباسيون أشدّ على الأئمة المعصومين (ع) وعلى ذرّية الإمام علي (ع) من الأمويين ، لأنهم تتبعوا ذريّة أمير المؤمنين (ع) وقتلوهم ودفنوا الكثير منهم وهم أحياء .
لنرجع قليلاً؛ في فترة الصراع الأموي العبّاسي ، استغل الإمام الصادق (ع) عدم تعرّض السلطة للمؤمنين ، فتمكّن من نشر أحكام الدّين وعلوم أهل البيت (ع) ، إذ كان الشيعة وأئمتهم في ذلك العهد أحسن حالاً وأقلّ خوفاً ، ولهذا فإنّ معظم أحكام الإسلام والأخبار النبوية وما ورد عن الأئمة (ع) منقولة عن الإمامين الباقر (ع) والصادق (ع) ، إذ كان في آخر العهد الأموي وأوائل العهد العباسي من الحريّة الإيمانية والفكرية ، مما سمح في وجود مذاهب وفرق ومدارس مختلفة ، أخذ الكثير من مؤسّسيها العلم من الإمام الصادق (ع) ، ثمّ انقلبوا – وبدعم من السلطات – ليواجهوا مدرسة الإمام الصادق (ع) ، وكانت هناك مذاهب نُسبت إلى أصحابها ، ونُسب مذهب أهل البيت (ع) للإمام الصادق (ع) فسُمّي بالمذهب الجعفري ، وأطلق الاسم على الشيعة الاثني عشرية افتخاراً بعلم الإمام الصادق (ع) ولمكانته العلمية العالية التي خرّجت العلماء والمفكرين والفلاسفة في كلّ مجالات العلم والحياة ، فكما كان من بين طلابه من يُفتي للناس ويحافظ على عقيدتهم ، أيضاً كان منهم من اختص بالعلوم الطبيعية كجابر بن حيّان الذي أخذ علم الكيمياء عن الإمام الصادق (ع) ؛ فعرف عن الإمام الصادق (ع) أنّه واضع علم الكيمياء .
كان الإمام الصادق (ع) كما آباؤه (ع) من قبله ، وأبناؤه (ع) من بعده ، القمّة العليا في العلم والخُلق ، وكان يُضرب به المثل في كماله الخُلقي والعلمي ، وكان طلاب العلم يتوافدون للمدينة من كلّ الأقطار الإسلامية ، وكان يحضر درسه في مدينة جدّه النبي (ص) أكثر من أربعمائة عالم ومجتهد من المسلمين ، حتى لا تجد مسجداً في الأقطار الإسلامية إلاّ وفيه عالم أو أستاذ من تلامذة الإمام الصادق (ع) ، خاصةً في الحواضر المهمّة كالمدينة والكوفة والبصرة والشام ، وقد أحصى العلماء من الرواة الثقات عن الإمام الصادق (ع) أكثر من أربعة آلاف راوٍ ، منهم المشهورين من فقهاء المسلمين ، كمالك بن أنس وأبو حنيفة وسفيان الثوري ، وقد اشتهر عن أبي حنيفة قوله : لولا السنتان لهلك النعمان . يعني السنتين اللتين درسهما على يد الإمام الصادق (ع)، وكان الكثير من أعلام الفقه والمتصوّفة يفتخرون بالنقل عن الإمام الصادق (ع) ؛ كأبي يزيد ومالك والشافعي، وكان مالك بن أنس يقول : ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وورعاً وعبادةً . وبطون الكتب مليئة بمحاججاته ومناقشاته الكثيرة لأهل العلم من المخالفين وأرباب الديانات الأخرى والزنادقة والملحدين ، وكان (ع) يُحرج خصومه بحجج لا يمكن ردّها؛ تُبهر العقول وتُحيّر الألباب ، حتى تمكّن من الحفاظ على المهم من أحكام الإسلام ومعتقداته التي لولاها لاندرست معالم الدين ، فكان كلّ ما صدر عنه (ع) مرجعاً لكلّ باحثٍ عن الحقيقة إلى يومنا هذا .
يقول سيد أمير علي في كتابه [مختصر تاريخ العرب – تعريب عفيف بعلبكي] بعد النقاش حول الفرق المذهبية والفلسفية في عصر الإمام (ع) : ولم تتخذ الآراء الدينية اتجاها فلسفيا إلا عند الفاطميين ، ذلك أن انتشار العلم في ذلك الحين أطلق روح البحث والاستقصاء ، وأصبحت المناقشات الفلسفية عامة في كل مجتمع من المجتمعات ، والجدير بالذكر أن زعامة تلك الحركة الفكرية إنما وجدت في تلك المدرسة التي ازدهرت في المدينة ، والتي أسسها حفيد علي بن أبي طالب المسمى بالإمام جعفر والملقب بالصادق ، وكان رجلا بحاثة ومفكرا كبيرا جيد الإلمام بعلوم ذلك العصر ، ويعتبر أول من أسس المدارس الفلسفية الرئيسية في الإسلام . ولم يكن يحضر محاضراته أولئك الذين أسسوا فيما بعد المذاهب الفقهية فحسب بل كان يحضرها الفلاسفة وطلاب الفلسفة من الأنحاء القصية ، وكان الإمام ” الحسن البصري ” مؤسس المدرسة الفلسفية في مدينة البصرة ، وواصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة من تلاميذه ، الذين نهلوا من معين علمه الفياض …
كان (ع) يحرص على تنبيه العلماء وإرشادهم ، كوصيّته لسفيان الثوري ، حيث قال له : الوقوف عند كل شبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وترك حديث لم تروه ، أفضل من روايتك حديثا لم تحصه . إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فدعوه . يقول الشيخ أبو زهرة : إن للإمام الصادق فضل السبق ، وله على الأكابر فضل خاص ، فقد كان أبو حنيفة يروي عنه ، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس ، وأوسع الفقهاء إحاطة ، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارسا راويا ، وكان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلا . وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيد أهل المدينة في عصره فضلا وشرفا ودينا وعلما ، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري ، وكثير من التابعين ، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه ، فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب ، والقرابة الهاشمية ، والعترة المحمدية . وينقل أسد حيدر في كتابه [الإمام الصادق] عن كتاب جعفر بن محمد لسيد الأهل: كان يؤم مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الأقطار النائية ، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة ، والبصرة ، وواسط ، والحجاز إلى جعفر بن محمد أفلاذ أكبادها ، ومن كل قبيلة من بني أسد ، ومخارق ، وطي ، وسليم ، وغطفان ، وغفار ، والأزد ، وخزاعة ، وخثعم ، ومخزوم ، وبني ضبة ، ومن قريش ، ولا سيما بني الحارث بن عبد المطلب ، وبني الحسن بن الحسن بن علي .
لكن بعد أن استتب الأمر للدوانيقي وقضائه على من ثار عليه ؛ بدأ بالتضييق على الإمام الصادق (ع) وملاحقة طلابه ، واستدعائه للإمام عدّة مرّات شاهد على ذلك ، وفي بعضها كان ينوي المكر بالإمام ، لكنّ الله كان يدفعه عنه ، وسأله يوماً : لمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟.. فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّئك ، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك ؟!.. فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا .. فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك .
لكنّ حرص الدوانيقي على الدنيا جعله يُضيّق على الإمام وعلى شيعته وطلاّبه ، إلى أن دسّ له سمّاً وكانت شهادته (ع) في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 148هـ ، وكانت المدينة يومها كيوم مات فيه رسول الله (ص) ، ودُفن بجنب والده الإمام الباقر (ع) مجاوراً جديه الإمام زين العابدين (ع) والإمام الحسن المجتبى (ع) في البقيع الغرقد ، فكان مزاراً ومحجّاً إلى اليوم ، لكنّ ارهابيوا العقيدة والسلوك عمدوا في بدايات القرن الماضي إلى هدم قبور الأئمة (ع) والصحابة ، ولولا خوفهم من ثورة المسلمين حينها – وإلى اليوم – لهدموا قبر رسول الله (ص) . ولقد استطاع الإمام الصادق (ع) أن يُحيي تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل ، وتعاليم جدّه المصطفى (ص) ، وترك إرثاً عظيماً وبحراً من العلم يَرِدُ إلى شاطئه كلّ من أراد الحقيقة والمعرفة ، صعدت روحه الطاهرة إلى خالقها وهو يقول لأهل بيته وشيعته : اعلموا أنّ شفاعتنا لا تنال مُستخفّاً بصلاته . وقد كان في حياته يؤكّد على الالتزام العملي بأخلاق رسول الله (ص) وتطبيق أحكام الله ، لنكون قدوةً للناس : كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم . شيعتنا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا . ليقول الناس ؛ رحم الله جعفر بن محمد لقد أدّب شيعته فأحسن تأديبهم . وقال (ع) للمفضّل : أوصيك بستّ خصال تُبَلِّغُهُنَّ شيعتي: أداءُ الأمانة إلى من ائتَمَنَك، وأن ترضى لأخيك ما ترضاه لنفسك، واعلم أنّ للأمور أواخر فاحذر العواقب، وأنّ للأمور بَغتَاتٍ فكن على حذرٍ، وإيّاك ومُرتَقَى جبلٍ سهلٍ إذا كان المنحَدَرُ وعِرَاً، ولا تعدِنَّ أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه .
إنّ العدو الصهيوني لم يكن ليقدم على هذا التصعيد الخطير تجاه المسجد الأقصى لولا هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع معه، وإنّ بقاء تلك الأنظمة في ركب المشروع الصهيو أمريكي لن يؤثّر على القضية الفلسطينية التي بات يقاوم لأجلها محورٌ بأكمله ، خالياً من العصبيات الدينية والمذهبية والقومية ، وإننا ندعو شعوب العالم للدفاع عن المسجد الأقصى الذي لا يمثّل فقط مقدّساً إسلامياً ؛ بل كذلك مقدّساً إنسانياً . إننا نشد على أيدي الشعب الفلسطيني وبالأخص المقدسيين الذين يدافعون عن أولى القبلتين ، ونوجه لهم قولنا : يجب أن يكون رهانكم على محور المقاومة والممانعة الذي هب – وما زال – للدفاع عن الأبرياء ضد الإرهاب التكفيري المدعوم من المشروع الصهيو أمريكي وبعض الأنظمة العربية والإسلامية التي تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر .
إننا نرى أنّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب – رغم عدم وصولها لما يطمح إليه الكادحون من الشعب اللبناني – يجب أن تكون مقدمة للمزيد من المطالبة بالحقوق التي على رأسها إيقاف الهدر والفساد بكل أشكاله . ونهنّئ الشعب اللبناني بنعمة وجود جيشه الوطني ومقاومته الشريفة ؛ اللذين يخوضان اليوم معركة تطهير الحدود من الجماعات الإرهابية ، لأنّ وجود الجيش والمقاومة دفع عن الشعب اللبناني الخطر الإرهابي الذي عاشته شعوب عدّة في المنطقة ، ونعتبر أنّ تحرير جرود عرسال من الجماعات الإرهابية هو إكمال لمسيرة التحرير من الإرهاب الصهيوني عام 2000 وحماية لبنان كما حصل عام 2006، وتحصين للوطن بما يبعثه من رسائل قوة لهذين العدوين بأن لبنان ليس لقمة سائغة وإنما هو محصن بثلاثية متماسكة جعلته عصياً على الاحتلال بشقيه الصهيوني والتكفيري ، وهزيمة التكفيري اليوم في جرود عرسال هي هزيمة للمشروع الصهيو أمريكي .

شاهد أيضاً

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم