” وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ”
تعيش الأمة الإسلامية فترة من أحلك فترات تاريخها، ففي القرن الماضي حيث أجمعت قوى الكفر والطغيان للقضاء على العالم الإسلامي وتمزيقه بتقسيمه إلى دويلات صغيرة [عرقية وإثنية وغيرها] وضعيفة ، وبواسطة زعماء متخاذلين وعلماء متهتّكين أوجدوا مجموعات ذات عقائد منحرفة ، وأسّسوا دولاً تركت القرآن خلف ظهورها ، وأماتوا الروح الإيمانية والإسلامية عند أفراد الأمة ، حتى تمكنوا من إقامة كيان عنصري في فلسطين قام على القتل والإرهاب وتهجير الفلسطينيين من وطنهم ، ولم تستطع الأنظمة العربية من حمايتهم ، لأنها أنظمة ركنت إلى الدنيا ، وكانت ترفع شعارات بعيدة عن الإسلام والإيمان مكّنت شذّاذ الآفاق من هزيمتهم وإخضاعهم ، فصار المسلمون كالأيتام على مآدب اللئام ، تتداعى عليهم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها ، لا عن قلّةٍ منهم بل لتفرّقهم ، تتوجّه كل مجموعة أو دولة إلى الوجهة التي أرادتها قوى الاستكبار والاستعمار التي تتمثّل اليوم في الحلف الصهيو أمريكي الذي فشل – حتى الآن – في فرض شرق أوسط جديد ، كان أول محاولة له هي مشروع كيسنجر في أوائل السبعينات ، والذي يقوم على تقسيم البلدان العربية ابتداءً بلبنان وانتهاءً بالجزيرة العربية ، مروراً بمصر وسوريا والعراق وغيرها ، فتكون المنطقة دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة ، تحيط بها إيران الشاه وتركيا الأتاتوركية والكيان الصهيوني ، وبعدها يُحقّق حلمه بإسرائيل الكبرى ، لكنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين ، ففشل مكرهم وسقط مخططهم بسقوط شاه إيران وقيام الجمهورية الإسلامية التي حاولوا إسقاطها بواسطة عميلهم صدّام وعملائهم في المنطقة ، وعندما فشلوا تصدّوا لنصرة مشروعهم وتثبيته باحتلال إسرائيل للبنان عام 82 .
لكنّ المقاومة التي أسّس لها الإمام الصدر الذي كان تغييبه لأنه وقف ضدّ مشروعهم بتقسيم لبنان ، استطاعت هذه المقاومة ، وبدعمٍ من الجمهورية الإسلامية ، أن تفرض على الصهاينة انسحاباً مذلاً من لبنان عام 2000 ، فسقط حلم إسرائيل الكبرى ، والتي عملت على ضمان بقاء وجودها بعدوان 2006 مدعومة من أمريكا وبعض الأنظمة العربية ، علّهم يتمكّنون من تطبيق خارطة رسموها لشرق أوسط جديد ، لكنّ المقاومة التي طردتهم من لبنان عام 2000 أفشلت حربهم عام 2006 ، لأن المقاومة حققت شروط النصر التي أولها وأهمّها الإيمان بالله سبحانه وأنّ النصر من عنده ، وهو القائل ” إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ” وبيّن سبحانه صفات المؤمنين في كثيرٍ من الآيات القرآنية ، قال تعالى في سورة الأنفال آية 2 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” وقال تعالى في سورة الحجرات آية 15 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” تؤكّد الآيات الكريمة على أنّ الإيمان الحقيقي والصادق هو الذي يجمع صاحبه بين القول والفعل والنيّة الصادقة .
ولذا فإنّ الله سبحانه علّق وعده بالنصر والتمكين على هذا الإيمان الصادق ، سورة النور آية 55 “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ” .
إذن فالإيمان هو أوّل شروط نصر المؤمنين ، هذا الإيمان المشروط بالعمل الصالح بتقوى الله في السرّ والعلن لا يتمّ إلاّ بالجهاد بالمال والنفس في سبيل الله ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” هذا الإيمان يدفع المؤمن لتحقيق الشرط الثاني من شروط النصر ؛ وهو بأن يُعدّ العدّة التي يستطيعها من عدّة وعدد يجعله إيمانه يشعر بالقوة ويثق بالنصر ، ولا ترهبه عدّة العدو ولا عديده ، قال تعالى ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ” لأنّ العدو حينما يراك قد أعددت لحربه ما تستطيع ولا تخاف الموت بل ترغب بالشهادة في سبيل الله ولا تخشى الهزيمة ، فإنّ العدو يخافك ويتردّد كثيراً في مواجهتك ، في معركة بدر حينما رأى بعض المشركين استعداد المسلمين لحربهم وحماستهم للقائهم ، مع قلّة عددهم وتواضع عدّتهم ؛ خشي على قومه وواجه المتغطرسين منهم والمغرورين بقوّتهم فقال لهم : إنّي لا أرى أن يُقتلوا حتى يَقتلوا منا بعددهم . وكانت النتيجة أن انتصر المسلمون ورجعت قريش مهزومة خائبة ، وتحدّث القرآن عن هذا النصر ، فقال سبحانه ” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” فإذا أعدّ المؤمنون ما استطاعوا وعبدوا الله مخلصين ووثقوا بنصر الله وتهجّدوا له بالليل والنهار ، فإن الله ينجز وعده لهم بالنصر ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” فينهزم عدوّهم ولو ملك أسباب القوة ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ” لأن من يستنصر بالله فإنه لا يُغلب ” إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ ” .
قال تعالى ” وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ” حزب الله هو من عمل بطاعة الله ورسوله وتولّى المؤمنين وواساهم وآخاهم ؛ فهو من جند الله الغالب ومن حزبه المنتصرين ، هؤلاء لهم الغلبة في نهاية الأمر ، وأنّ حِيزَ النصرُ عنهم في بعض الأحيان وأديل عليهم ، فقد يكون لحكمة ربّانية ، فإنه يصبر لأنه يدرك أن آخر أمره أن يغلب وينتصر لأنّ هذا وعد الله سبحانه والله لا يخلف الميعاد ، ورجال المقاومة آمنوا بالله ورسوله وتولوهم وأعدّوا ما استطاعوا وأخلصوا نيّتهم لله سبحانه ، فكانت الانتصارات المتتالية على الكيان الصهيوني ومن يرعاه ويتحالف معه ، وفي هذه الأيام نعيش ذكرى نصرٍ من الانتصارات الإلهية ، حيث خطّط العدو الصهيوني ومن ورائه راعية الإرهاب العالمي أمريكا لحربٍ على لبنان تأكل الأخضر واليابس ولا تُبقي ولا تذر ، فشنّوا هجومهم بكل أنواع الأسلحة براً وبحراً وجوّاً ، وأعطوا لأنفسهم من ثلاثة أيام إلى اسبوع ، لإخضاع اللبنانيين [مقاومةً وجيشاً وشعباً] ، ليسهل القضاء عليهم وتحقيق حلم شرق أوسط جديد ، لكن من لا يخافون إلاّ الله سبحانه ثبّت الله أقدامهم ، وعلى مدة ثلاثة وثلاثين يوماً لم يستطع العدو أن يزيلهم من مواقعهم أو حتى يبعدهم عن حدوده ، فاضطر لطلب وقف النار بعد أن يئس من هزيمة المقاومة التي استمرت بإطلاق الصواريخ على كيانه حتى آخر لحظة ، ولم يصبها ضعف أو هوان ، فتحقّق لها النصر الإلهي ، وأفشلت مشروع شرق أوسط جديد ، الذي كانت رايس تُمنّي نفسها وحلفاءها به حينما أكّدت ذلك في السراي الحكومي وأمام رئيس الحكومة ، أنها ستدمّر لبنان لقيام شرق أوسط جديد اعتماداً على قوّة دولتها والكيان الصهيوني وبعض الحكام العرب .
لكنّ جند الله كانوا هم الغالبين ، وبقي لبنان وانتصر وأعاد أهل المقاومة المناطق التي دُمّرت أفضل وأجمل مما كانت ، وصدق الوعد ، لأن القائد والمجاهدين مؤمنون بالله ورسوله ، يعملون بما أمر الله من إعداد المستطاع ، فكان هذا النصر الإلهي الذي أزعج البعض في هذا الوطن ، حيث خابت آمالهم وآمال أسيادهم ، فبقيت المقاومة واستمر لبنان بفضل ثلاثية [الشعب والجيش والمقاومة] ، هذه الثلاثية القوية التي حرّرت ما كان يحتلّه التكفيريون من جبهة النصرة ، وسيتحرّر – إن شاء الله قريباً – ما تحتله داعش ، بفضل هذه الثلاثية الماسية ، وسيتحقّق النصر على من مارسوا التفجيرات والقصف والخطف ، حينها يعيد الجيش هيبته بحماية الوطن ، ويثأر لعناصره ويكشف مصيرهم ، الذين نتمنى أن يكونوا أحياءً ويعودوا كما عاد أسر الوطن من عند جبهة النصرة ، في مشهدٍ أعادنا إلى مشهد النصر في أيار عام 2000 ، حيث خرج العدو الصهيوني ذليلاً وخرج الأسرى من سجن الخيام أعزاء ، وعمّت البهجة والفرحة كلّ لبنان ، هذا النصر لم يكن ليتم لولا صدق رجالنا بعهدهم مع الله وثباتهم على العهد بمحاربة كل عدو لهذه الأمة ودفع الخطر عن الوطن والمواطنين، هذا الهدف وهذا العهد هما الأساس الذي دفعهم ليتواجدوا في سوريا لمحاربة التكفيريين ومنع قيام المشروع الصهيو أمريكي بشرق أوسطٍ جديد يعيد لليهود حلمهم بإسرائيل الكبرى ، لكنّ ثبات المجاهدين في العراق وسوريا ولبنان منع قيام دولة للتكفيريين تفصل بين قوى الممانعة الممتد من إيران وسوريا مروراً بالعراق إلى لبنان ، فاستطاع الجيش العراقي والقوى الأمنية والحشد الشعبي الذي استجاب لتوجيهات المرجع وبدعمٍ من إيران أن يحقّقوا الإنتصارات على هذا المشروع الذي يشرف على نهايته ، وفي سوريا انتصارات الجيش السوري وحلفائه تتوالى ، وفي لبنان قريباً – إن شاء الله – على يد جيشنا الوطني وبمساندة المقاومة والشعب يتم اجتثاث التكفيريين مما بقي من الجرود .
مبارك لقوى الممانعة نصر تموز 2006 ونصر تموز 2017 ، وإن شاء الله من نصرٍ إلى نصرٍ ، فيسقط المشروع الصهيو أمريكي وتنسحب القوات الأمريكية من المنطقة ، لأنّ مشروعها سقط بسقوط يهود الأمة التكفيريين ، حينها يأمن العراقيون من القصف الأمريكي للقوات العراقية وتنتهي المجازر التي تلحق بالسوريين بحجة القصف الخطأ ، حيث أنّ المئات سقطوا من الشعب السوري في الرقة وغيرها من النساء والأطفال والأبرياء بقصف الطائرات الأمريكية .
إنّ شعوب المنطقة ستتعامل مع الجنود الأمريكيين معاملة جيش احتلال ، وما دامت شعوبنا معتمدة على الله ومؤمنة به فإنّها ستملأ قلوب أعدائها رعباً ، ” وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” .
وأخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .
تعيش الأمة الإسلامية فترة من أحلك فترات تاريخها، ففي القرن الماضي حيث أجمعت قوى الكفر والطغيان للقضاء على العالم الإسلامي وتمزيقه بتقسيمه إلى دويلات صغيرة [عرقية وإثنية وغيرها] وضعيفة ، وبواسطة زعماء متخاذلين وعلماء متهتّكين أوجدوا مجموعات ذات عقائد منحرفة ، وأسّسوا دولاً تركت القرآن خلف ظهورها ، وأماتوا الروح الإيمانية والإسلامية عند أفراد الأمة ، حتى تمكنوا من إقامة كيان عنصري في فلسطين قام على القتل والإرهاب وتهجير الفلسطينيين من وطنهم ، ولم تستطع الأنظمة العربية من حمايتهم ، لأنها أنظمة ركنت إلى الدنيا ، وكانت ترفع شعارات بعيدة عن الإسلام والإيمان مكّنت شذّاذ الآفاق من هزيمتهم وإخضاعهم ، فصار المسلمون كالأيتام على مآدب اللئام ، تتداعى عليهم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها ، لا عن قلّةٍ منهم بل لتفرّقهم ، تتوجّه كل مجموعة أو دولة إلى الوجهة التي أرادتها قوى الاستكبار والاستعمار التي تتمثّل اليوم في الحلف الصهيو أمريكي الذي فشل – حتى الآن – في فرض شرق أوسط جديد ، كان أول محاولة له هي مشروع كيسنجر في أوائل السبعينات ، والذي يقوم على تقسيم البلدان العربية ابتداءً بلبنان وانتهاءً بالجزيرة العربية ، مروراً بمصر وسوريا والعراق وغيرها ، فتكون المنطقة دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة ، تحيط بها إيران الشاه وتركيا الأتاتوركية والكيان الصهيوني ، وبعدها يُحقّق حلمه بإسرائيل الكبرى ، لكنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين ، ففشل مكرهم وسقط مخططهم بسقوط شاه إيران وقيام الجمهورية الإسلامية التي حاولوا إسقاطها بواسطة عميلهم صدّام وعملائهم في المنطقة ، وعندما فشلوا تصدّوا لنصرة مشروعهم وتثبيته باحتلال إسرائيل للبنان عام 82 .
لكنّ المقاومة التي أسّس لها الإمام الصدر الذي كان تغييبه لأنه وقف ضدّ مشروعهم بتقسيم لبنان ، استطاعت هذه المقاومة ، وبدعمٍ من الجمهورية الإسلامية ، أن تفرض على الصهاينة انسحاباً مذلاً من لبنان عام 2000 ، فسقط حلم إسرائيل الكبرى ، والتي عملت على ضمان بقاء وجودها بعدوان 2006 مدعومة من أمريكا وبعض الأنظمة العربية ، علّهم يتمكّنون من تطبيق خارطة رسموها لشرق أوسط جديد ، لكنّ المقاومة التي طردتهم من لبنان عام 2000 أفشلت حربهم عام 2006 ، لأن المقاومة حققت شروط النصر التي أولها وأهمّها الإيمان بالله سبحانه وأنّ النصر من عنده ، وهو القائل ” إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ” وبيّن سبحانه صفات المؤمنين في كثيرٍ من الآيات القرآنية ، قال تعالى في سورة الأنفال آية 2 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” وقال تعالى في سورة الحجرات آية 15 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” تؤكّد الآيات الكريمة على أنّ الإيمان الحقيقي والصادق هو الذي يجمع صاحبه بين القول والفعل والنيّة الصادقة .
ولذا فإنّ الله سبحانه علّق وعده بالنصر والتمكين على هذا الإيمان الصادق ، سورة النور آية 55 “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ” .
إذن فالإيمان هو أوّل شروط نصر المؤمنين ، هذا الإيمان المشروط بالعمل الصالح بتقوى الله في السرّ والعلن لا يتمّ إلاّ بالجهاد بالمال والنفس في سبيل الله ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” هذا الإيمان يدفع المؤمن لتحقيق الشرط الثاني من شروط النصر ؛ وهو بأن يُعدّ العدّة التي يستطيعها من عدّة وعدد يجعله إيمانه يشعر بالقوة ويثق بالنصر ، ولا ترهبه عدّة العدو ولا عديده ، قال تعالى ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ” لأنّ العدو حينما يراك قد أعددت لحربه ما تستطيع ولا تخاف الموت بل ترغب بالشهادة في سبيل الله ولا تخشى الهزيمة ، فإنّ العدو يخافك ويتردّد كثيراً في مواجهتك ، في معركة بدر حينما رأى بعض المشركين استعداد المسلمين لحربهم وحماستهم للقائهم ، مع قلّة عددهم وتواضع عدّتهم ؛ خشي على قومه وواجه المتغطرسين منهم والمغرورين بقوّتهم فقال لهم : إنّي لا أرى أن يُقتلوا حتى يَقتلوا منا بعددهم . وكانت النتيجة أن انتصر المسلمون ورجعت قريش مهزومة خائبة ، وتحدّث القرآن عن هذا النصر ، فقال سبحانه ” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” فإذا أعدّ المؤمنون ما استطاعوا وعبدوا الله مخلصين ووثقوا بنصر الله وتهجّدوا له بالليل والنهار ، فإن الله ينجز وعده لهم بالنصر ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” فينهزم عدوّهم ولو ملك أسباب القوة ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ” لأن من يستنصر بالله فإنه لا يُغلب ” إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ ” .
قال تعالى ” وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ” حزب الله هو من عمل بطاعة الله ورسوله وتولّى المؤمنين وواساهم وآخاهم ؛ فهو من جند الله الغالب ومن حزبه المنتصرين ، هؤلاء لهم الغلبة في نهاية الأمر ، وأنّ حِيزَ النصرُ عنهم في بعض الأحيان وأديل عليهم ، فقد يكون لحكمة ربّانية ، فإنه يصبر لأنه يدرك أن آخر أمره أن يغلب وينتصر لأنّ هذا وعد الله سبحانه والله لا يخلف الميعاد ، ورجال المقاومة آمنوا بالله ورسوله وتولوهم وأعدّوا ما استطاعوا وأخلصوا نيّتهم لله سبحانه ، فكانت الانتصارات المتتالية على الكيان الصهيوني ومن يرعاه ويتحالف معه ، وفي هذه الأيام نعيش ذكرى نصرٍ من الانتصارات الإلهية ، حيث خطّط العدو الصهيوني ومن ورائه راعية الإرهاب العالمي أمريكا لحربٍ على لبنان تأكل الأخضر واليابس ولا تُبقي ولا تذر ، فشنّوا هجومهم بكل أنواع الأسلحة براً وبحراً وجوّاً ، وأعطوا لأنفسهم من ثلاثة أيام إلى اسبوع ، لإخضاع اللبنانيين [مقاومةً وجيشاً وشعباً] ، ليسهل القضاء عليهم وتحقيق حلم شرق أوسط جديد ، لكن من لا يخافون إلاّ الله سبحانه ثبّت الله أقدامهم ، وعلى مدة ثلاثة وثلاثين يوماً لم يستطع العدو أن يزيلهم من مواقعهم أو حتى يبعدهم عن حدوده ، فاضطر لطلب وقف النار بعد أن يئس من هزيمة المقاومة التي استمرت بإطلاق الصواريخ على كيانه حتى آخر لحظة ، ولم يصبها ضعف أو هوان ، فتحقّق لها النصر الإلهي ، وأفشلت مشروع شرق أوسط جديد ، الذي كانت رايس تُمنّي نفسها وحلفاءها به حينما أكّدت ذلك في السراي الحكومي وأمام رئيس الحكومة ، أنها ستدمّر لبنان لقيام شرق أوسط جديد اعتماداً على قوّة دولتها والكيان الصهيوني وبعض الحكام العرب .
لكنّ جند الله كانوا هم الغالبين ، وبقي لبنان وانتصر وأعاد أهل المقاومة المناطق التي دُمّرت أفضل وأجمل مما كانت ، وصدق الوعد ، لأن القائد والمجاهدين مؤمنون بالله ورسوله ، يعملون بما أمر الله من إعداد المستطاع ، فكان هذا النصر الإلهي الذي أزعج البعض في هذا الوطن ، حيث خابت آمالهم وآمال أسيادهم ، فبقيت المقاومة واستمر لبنان بفضل ثلاثية [الشعب والجيش والمقاومة] ، هذه الثلاثية القوية التي حرّرت ما كان يحتلّه التكفيريون من جبهة النصرة ، وسيتحرّر – إن شاء الله قريباً – ما تحتله داعش ، بفضل هذه الثلاثية الماسية ، وسيتحقّق النصر على من مارسوا التفجيرات والقصف والخطف ، حينها يعيد الجيش هيبته بحماية الوطن ، ويثأر لعناصره ويكشف مصيرهم ، الذين نتمنى أن يكونوا أحياءً ويعودوا كما عاد أسر الوطن من عند جبهة النصرة ، في مشهدٍ أعادنا إلى مشهد النصر في أيار عام 2000 ، حيث خرج العدو الصهيوني ذليلاً وخرج الأسرى من سجن الخيام أعزاء ، وعمّت البهجة والفرحة كلّ لبنان ، هذا النصر لم يكن ليتم لولا صدق رجالنا بعهدهم مع الله وثباتهم على العهد بمحاربة كل عدو لهذه الأمة ودفع الخطر عن الوطن والمواطنين، هذا الهدف وهذا العهد هما الأساس الذي دفعهم ليتواجدوا في سوريا لمحاربة التكفيريين ومنع قيام المشروع الصهيو أمريكي بشرق أوسطٍ جديد يعيد لليهود حلمهم بإسرائيل الكبرى ، لكنّ ثبات المجاهدين في العراق وسوريا ولبنان منع قيام دولة للتكفيريين تفصل بين قوى الممانعة الممتد من إيران وسوريا مروراً بالعراق إلى لبنان ، فاستطاع الجيش العراقي والقوى الأمنية والحشد الشعبي الذي استجاب لتوجيهات المرجع وبدعمٍ من إيران أن يحقّقوا الإنتصارات على هذا المشروع الذي يشرف على نهايته ، وفي سوريا انتصارات الجيش السوري وحلفائه تتوالى ، وفي لبنان قريباً – إن شاء الله – على يد جيشنا الوطني وبمساندة المقاومة والشعب يتم اجتثاث التكفيريين مما بقي من الجرود .
مبارك لقوى الممانعة نصر تموز 2006 ونصر تموز 2017 ، وإن شاء الله من نصرٍ إلى نصرٍ ، فيسقط المشروع الصهيو أمريكي وتنسحب القوات الأمريكية من المنطقة ، لأنّ مشروعها سقط بسقوط يهود الأمة التكفيريين ، حينها يأمن العراقيون من القصف الأمريكي للقوات العراقية وتنتهي المجازر التي تلحق بالسوريين بحجة القصف الخطأ ، حيث أنّ المئات سقطوا من الشعب السوري في الرقة وغيرها من النساء والأطفال والأبرياء بقصف الطائرات الأمريكية .
إنّ شعوب المنطقة ستتعامل مع الجنود الأمريكيين معاملة جيش احتلال ، وما دامت شعوبنا معتمدة على الله ومؤمنة به فإنّها ستملأ قلوب أعدائها رعباً ، ” وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” .
وأخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .