اللهمّ إنّ هذا يوم مبارك ميمون ، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك ، يشهد السائل منهم والطالب والراغب والراهب ، وأنت الناظر في حوائجهم .(الدعاء 48 بالصحيفة السجادية)
الأعياد الدينية هي من أيام الله سبحانه ، خاصة عيدي الفطر والأضحى اللذين يأتيان بعد اداء فريضتين من أهم الفرائض في الإسلام؛ عيد الفطر يفرح فيه المؤمن بما وفّقه الله من أداء حقّ شهر رمضان الذي يخرج فيه المؤمن من ذنوبه كيوم خلقه الله سبحانه ، وعيد الأضحى الذي يأتي بعد يوم عرفة حيث ينادي الله الحجيج عشية يوم عرفة : أيّها الناس عودوا إلى أعمالكم فقد غفر الله لكم . يقول أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطب يوم الأضحى : اَلا وَ اِنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ حُرْمَتُهُ عَظيمَةٌ ، وَ بَرَكَتُهُ مَاْمُولَةٌ ، وَ الْمَغْفِرَةُ فيهِ مَرْجُوَّةٌ ، فَاَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ ، وَ تَعَرَّضُوا لِثَوابِهِ بِالتَّوْبَةِ وَ الْأِنابَةِ ، وَ التَّضَرُّعِ وَ الْخُضُوعِ ، فَاِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ، وَ يَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ، وَ هُوَ الرَّحيمُ الْوَدُودُ . ويقول (ع) فيها : وَ اْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ اَعينُوا الضَّعيفَ ، وَ انْصُرُوا الْمَظْلُومَ ، وَ خُذُوا فَوْقَ يَدِ الظَّالِمِ وَ الْمُريبِ وَ اَحْسِنُوا اِلى نِسآئِكُمْ ، وَ ما مَلَكَتْ اَيْمانُكُمْ ، وَ اصْدُقُوا الْحَديثَ ، وَ اَدُّوا الْاَمانَةَ ، وَ اَوْفُوا بِالْعَهْدِ ، وَ كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ ، وَ اَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْميزانَ ، وَ جاهِدُوا فى سَبيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَ لا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ .
اليوم عيد الأضحى الذي جعله الله للمسلمين شرفاً وكرامة وذخراً ومزيداً ، هذا اليوم جعله الله تخليداً لذكرى التضحية الصادقة والانقياد المطلق لله سبحانه وتنفيذ أوامره وتأكيد أن لا إرادة للإنسان أم إرادة الله سبحانه ، فتتأكّد العبودية المطلقة والانقياد المطلق لأمر الله سبحانه الذي يُعبّر عن تقوى الله سبحانه والتضحية في سبيله ، هي ذكرى انقياد نبي الله إبراهيم لأمر الله بذبح ولده إسماعيل ، وانقياد نبي الله إسماعيل لأوامر ربّه وأبيه ، حيث أجاب أباه ” يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ” كان ذلك امتحاناً لإبراهيم ولإسماعيل ، ففداه الله بذبحٍ عظيم ، وبقيت الأضحية سُنّةً من سُنن الحج الإبراهيمي كما فرضه الله سبحانه في عيد الأضحى ، يؤدّيه الحاج كما يؤدّي بقيّة المناسك مستجيباً لأوامر الله سبحانه وطمعاً في رضاه ، هذا الانقياد الذي يجب على العبد أن يلتزم به في جميع أوامر الله سبحانه ونواهيه ، من دون نظرٍ إلى مردودٍ دنيوي ، وإلاّ إذا أدى المناسك فقط دون محاسبة النفس والالتزام بما يقول ويفعل في مناسك الحج فيكون كمن لم يلبِّ ولم يطفْ ولم يسعَ ، ولا يكون معنيّاً بالنداء عشية عرفة : أيها الحجيج قد غفر الله لكم . لأنه يكون من أهل الضجيج لا من أهل الحجيج ، وقد ورد : ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج . لأنّ الحج هو القصد لبيت الله الحرام ضمن مناسك وأعمال تدعو الإنسان للتفكّر ، فلا يكفي أن يتجرّد الحاج من ثيابه ويلبس ثوبي الإحرام فقط ، بل عليه أن يكون ناوياً التجرّد والابتعاد عن كلّ محرّم ، وإذا لبّى لا تكون تلبيته لقلقة لسان ، إذا لم يكن عازماً على تلبية الله في كلّ أوامره ونواهيه ، وإلاّ فيقال له : لا لبّيك ولا سعديك . ففريضة الحج هي ترويض للنفس وحملها على الطاعة ، فقد يُكتب ثواب الحج لعبدٍ ولو لم يحضر مناسكه ، وهو الذي يكون في أفعاله وتروكاته وفي كلامه وصمته مع الله سبحانه .
المسلمون اليوم من كلّ الأجناس والطبقات وأصقاع الأرض حاضرون في منى ، شعائرهم واحدة ، لكن هل أهدافهم واحدة ؟ وهل اهتماماتهم موحدة ؟ إنّ الحج ليس تأدية مناسك فقط ، بل ليلتقي المسلمون من كلّ بقاع الدنيا ، يتعاونون فيما بينهم ، ويطّلعون على أحوالهم ، وليهتمّوا بحلّ مشاكلهم ، ولينصر القوي منهم الضعيف ، ويرحم الكبير منهم الصغير ، ويعين الغني منهم الفقير ، حتى يؤكّدوا أنهم مسلمون ، إذ منْ أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم .
على المسلمين – وهم يطوفون بالكعبة – أن يفكّروا بأولى القبلتين ، وبالمظلومين من المسلمين ، لكنّ أعداء الإسلام استطاعوا أن يشغلوا المسلمين ببعضهم البعض ، حتى ضاعت فلسطين ، وصار العرب دولاً ودويلات ، وقد عادت لهم جاهليتهم ، ولذا هم بعيدون عن حقيقة العيد وحقيقة الحج ، لأن العيد ليس لمن لبس الجديد ، بل العيد لمن أمن الوعيد من خلال صدقه مع الله سبحانه ، وأحق من لهم أن يحتفلوا بعيد الأضحى هم المرابطون في وجه أعداء الله ، والمضحّون بأنفسهم في سبيل الله وسبيل الوطن في مواجهة العدو الصهيوني والعدو التكفيري ، الذي هو صنيعة المشروع الصهيو أمريكي لتشويه صورة الإسلام المحمدي الأصيل .
لقد حقّق مجاهدوا المقاومة والجيشين العربيين السوري واللبناني نصراً مهماً وواضحاً على المشروع الصهيو أمريكي في الجرود بين لبنان وسوريا ، حيث صارت طاهرةً من دنس تلك العصابات التكفيرية الإرهابية ، مما شكّل صدمة للصهاينة والأمريكيين وأتباعهم الذين لا يريدون القضاء على الإرهاب بل محاولة استغلاله لمشاريعهم الاستعمارية ، ومؤخراً – هاهم – يحاولون النيل من هذا الإنجاز بالنيل من المقاومة التي حطّمت مشاريعهم ، فحرّكوا أدواتهم وعملاءهم الذين أزعجهم إبعاد الخطر الإرهابي عن الحدود اللبنانية ، فحاولوا النيل من أشرف الناس وأصحاب المبادئ والممثلون الإنسانية والإسلام الأصيل ، فانجرت معهم بعض الأصوات الإقليمية عن عمالة أو عن سوء فهمٍ لما حصل ، فكان رد الأمين على الأرواح والأعراض والأوطان سريعاً وواضحاً على من غُرّر بهم من إقليميين ومحليّين ، فحريّ بهم أن يراجعوا أنفسهم وضمائرهم وأن يعتذروا من المقاومة وسيّدها الأمين ، هذا إذا لم تكن مواقفهم منطلقةً من الإملاءات الصهيو أمريكية المتضررون من هذا النصر الحاسم والواضح والسريع ، هذا النصر الذي أكّد أنّ المقاومة إذا أرادت شيئاً فإنّه يكون بإذن الله عز وجل ، لقد صدقت المقاومة وعدها وكشفت مصير الجنود وحرّرت الأرض ، كما صدقت في كلّ ما وعدت به سابقاً ، وهذا ما يُرعب الكيان الصهيوني ورعاته ، فكانت تعليقات وتنديدات أتباعهم صدىً لما أحست به أمريكا وإسرائيل .
إنّ عيدنا الأكبر حينما نقضي على كلّ الإرهاب – من صهيوني وتكفيري – ، حينها تتحقّق مصلحة الأمة ويتحقّق حلمها بتحرير الأقصى والتحرّر من الظلم والقهر ، فلا بد من وحدة الأمة الإسلامية في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى ، وأهمّها تحرير القدس وعودة الأقصى لحضن المسلمين .
في عيد الأضحى نعاهد الله سبحانه أن نستمر في التضحية في سبيله بالمال والنفس حتى لو تكالب علينا العالم ، لقد خطفوا الإمام الصدر وغيبوه ، لأنه كان ضد الحرب الأهلية التي كان هدفها تقسيم المنطقة ، لكنهم لم ينجحوا ، بل أسقط خط الإمام الصدر مشروعهم وحطّم آمالهم .
إنّنا نفتخر بشهداء الجيش كما نفتخر بشهداء المقاومة ، الذين بفضل دمائهم تحقّق هذا النصر ، وحفظت الحدود ، وتمكّنت الثلاثية الماسية [جيش-شعب-مقاومة] من تحرير الجرود ، وإن شاء الله ستحرّر كامل أرضنا المحتلة ، إننا سنستمر على خط الإمام الصدر حتى لا يبقى محروم واحد ، ويكون لبنان كلّه مبتسماً ووطناً نهائياً لجميع أبنائه وطوائفه ، ولن يستطيع المتآمرون في الداخل والخارج هزيمتنا أو إسقاطنا ، لأننا حذفنا كلمة هزيمة من قاموسنا الوطني ، وسوف يأتي اليوم الذي يحاسب فيه الشعب كلّ المتآمرين على الوطن والمواطنين أو حال دون قيام جيشنا الوطني بدوره بتحرير الأرض وتحرير الأسرى من جنوده .
وأخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .