كانت جولة عادية في سيتي سنتر بيروت . الناس يتجولون في أروقة المركز التجاري ومحاله أطفال مع ذويهم يتنقلون هنا وهناك . وفي زاوية أحد المقاهي في المول . تجلس أم وابنتها بطريقة مثالية جدا . الإنسجام يظهر جليا بينهما، تتجاذبان أطراف الحديث وتتبادلان النظر إلى بعضهما البعض كأن إحداهما ترى الأخرى للمرة الأولى ممسكتين بالأيدي. فارق بسيط جعل ذلك المشهد فريدا. الأم راهبةٌ تبلغ من العمر حوالى سبعين عاما والإبنة سيدة ترتدي عباءة رأس.
كانت الصورة جميلة جدا ربما تخبر عن حادثة مؤثرة تجمعهما . تقدمت باتجاههما استئذنتهما بالجلوس وسألتهما عن الأمر.
تعود ميرنا حاطوم للعام 1982 حين كانت تلميذة في مدرسة La Sainte Famille لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات. والمدرسة هي نفسها كنيسة مار يوسف في حارة حريك اليوم . قصف الإحتلال الإسرائيلي مبنى المدرسة الأساسي فتبرع أحد سكان الحي وعرض على الراهبات أن يكون منزله المدرسة الجديدة . وهذا ما كان . لم تكن ميرنا تلميذة المبنى القديم بل تلميذة المدرسة الجديدة (البيت) حيث كانت الراهبة المسؤولة عن صفوف الروضات. وبعد ثلاث سنوات ، أُقفلت المدرسة لأسباب لا تعرفها ميرنا حاطوم . لكنها احتفظت بعدد من الصور التي كانت ذكرياتها في تلك المدرسة.
منذ أربعة أشهر ، كانت ميرنا تتصفح حسابها على فايسبوك لتظهر أمامها صفحة اسمها ” قدامى مدرسة Sainte Famille ” فتصرخ متفاجئة وتخبر زوجها بالأمر وهي التي لطالما تذكره بأنها كانت تلميذة المدرسة كلما مرّا من جانب كنيسة مار يوسف. تدخل فورا إلى الصفحة لتجد صورا قديمة تعود لتلاميذ المدرسة ومعلماتها في السبعينيات وأوائل الثمانينيات. تقلب في المنشورات فترى صورة تجمعها ورفاق لها. تعلق ميرنا على الصورة بأنها تلك الفتاة التي في الصورة . تتواصل فورا مع مؤسس الصفحة فيخبرها أن عمر الصفحة حوالى عشر سنوات. تسأله عن صاحبة المنشور (الصورة) وعما إذا كانت على قيد الحياة فيخبرها أن الراهبة بخير وتعيش حاليا في جزين وقد نظم التلاميذ لقاء معها منذ أربع سنوات وزاروها في الدير الذي كانت تسكنه . تتحصل ميرنا على رقم هاتف الراهبة وفي اليوم نفسه تترك رسالة صوتية عند العاشرة مساء تطلب فيها زيارتها أينما كانت (بدي شوفك وين ما كنتِ بدي شم ريحتك ).
وفي الحادية عشرة تتصل الراهبة ميرنا التي تفاجئت ولم تتمالك نفسها حتى أن الراهبة هدئت من روعها. عرفت ميرنا مكان إقامتها وأنها قد انتقلت من جزين الى مدرسة في بحمدون. صباح اليوم التالي ، توجهت ميرنا إلى بحمدون مصطحبة أولادها لزيارة الراهبة. ووصفت اللقاء بأنه كان حميما جدا. ومنذ ذلك اليوم لم ينقطع تواصلهما فهما تتحادثان بشكل يومي تقريبا.
واليوم وبينما كانت ميرنا برفقة أولادها في المول التقت بالراهبة صدفة دون ترتيب مسبق وهي التي أخبرتها سابقا بأنها تريد زيارتها مجددا .
في مشهد السيتي سنتر ما هو أبعد من امراتين ملتزمتين تعاليم دينهما المختلف ومرتديتان الحجاب كما تراه كل منهما مناسبا لها. ما يعبر عنه ذلك المشهد يرجعنا إلى حقيقة تلك التعاليم الدينية. الانسجام الواضح الذي يصل حد الاندماج بين الراهبة وميرنا هو الدين بذاته وهل الدين إلا الحب؟؟.
في طفولتها ، لم تتعلق ميرنا بالراهبة تعلق التلميذ بمعلمته وربما تكون قد تحدثت معها لمرات قليلة جدا. لكن دافعها لإيجاد من خاطت لها الثوب في تلك الصورة ينم عن تعلق غير مرئي بقيم أرستها تربية الراهبات في نفسها تؤكد ميرنا حاطوم .