بدي سميها حلا”، تقول الطفلة الحامل، بثقة. طفلةٌ وحامل؟ نعم، هذه هي الحقيقة. هذا وجهٌ من وجوه العالم القبيح. عالمٌ فيه من القبح ما يكفي لوأد طفولة فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً والتنكيل بمفاهيم الإنسانيّة والأخلاقيات. ومع هذا، ستسميها “حلا”. الطفلة القاصر من قانا التي تعرّضت لـ”اغتصاب” ستسمي طفلتها اسماً مغايراً لواقعها. مفارقة لافتة. لا بدّ وأنّ بها، ستُحارب ذاك العالم الظالم والقبيح.
في التقارير الإعلاميّة ومواقع التواصل، تُعرف هذه الطفلة بـ”طفلة قانا المغتصبة” أو “الطفلة الحامل في قانا”. لكنّ هذه الصغيرة تحمل اسماً كان للتوّ حرّاً طليقاً من كلّ الإضافات، إلى أن تعدّى على حروفه هذا العالم القبيح. قسوة الحياة في أقصى تجليّاتها.
مؤخراً، أعيد تسليط الضوء على قضيّتها من باب تقرير إعلاميّ عُرض ضمن نشرة أخبار “الجديد”. الطفلة التي تحمل الجنسية المصرية (ومن أم لبنانية) وتسكن مع عائلتها في قانا (الجنوب) ستلد بعد أيام. لم تكن هذه المرة الأولى التي تظهر قضيتها إلى العلن، إذ سبق وفتحت ملفها الإعلامية ريما كركي في برنامجها “للنشر” منذ بضعة شهور، أي بعد تعرّضها لحادثة “الاغتصاب” وحملها نتيجة ذلك.
في التقرير، تحدثت الطفلة التي تمّ تمويه وجهها، فيما ظهرت الوالدة مكشوفة الوجه تطلب المساعدة الماديّة نظراً إلى الحالة المعيشية المزرية التي تعيشها العائلة.
كثرٌ من الناس سأل عما آلت إليه القضية من الناحية القضائية، لا سيّما وأنّ أحداً غير موقوف حتى الساعة، ولا يزال والد الجنين مجهولاً.
في اتصال أجراه “لبنان 24” برئيس بلدية قانا الأستاذ محمد جميل عطية أوضح أنّ “القضية لم تتكشف الآن، بل منذ شهور حين تقدمت والدة الطفلة بدعوى اتهمت فيها أفراداً باغتصاب ابنتها، وكان ذلك بعد “الجريمة” بأشهر قليلة، أي بعد أن بدأ بطن الفتاة يكبر”.
واكبت البلدية التحقيقات منذ بدايتها، كما يقول رئيس البلدية الذي شددّ على أنه كان حريصاً على عدم نشر القضية إعلامياً كي لا يُساء تناولها وينتهي المطاف بالتشهير بالطفلة وإلحاق الأذى بها أكثر من مساعدتها. “القضية إنسانية بالدرجة الأولى، ثمّ انها باتت في عهدة القضاء الذي استدعى المتهمين وحقق معهم وتمّ إخلاؤهم بسند إقامة بانتظار الولادة كي يُجرى للمولود فحوص الحمض النووي وبالتالي تحديد هوية الوالد”.
وعليه، يرى عطية أنّ القضية سلكت مسارها الطبيعي من الناحية القضائية، مشدداً على “وجود جناية حتمية سواء ما حصل كان عملية اغتصاب أم كانت علاقة يُدّعى أنها تمّت بموافقة الطفلة، وذلك استناداً إلى القانون اللبناني الذي يعتبر مجامعة القاصر عملاً منافياً للحشمة وهو بمثابة اغتصاب نظراً لصغر سنّ الضحية وعدم أهليّتها على الموافقة واتخاذ هكذا قرار”.
ويُؤكد عطية أن البلدية ستتابع الملف مع الجهات المختصة وصولاً إلى خواتيمها الطبيعية، أي نيل الجاني قصاصاً بما يحدده القانون، قائلاً: “لن يكون أمام الجاني فرصة الإفلات من العقاب حتى إذا ما طلب الزواج منها، استناداً إلى تعديلات القانون الأخيرة”.
ويشرح عطية أن مندوبة عن الأحداث واكبت الطفلة بطبيعة الحال منذ البداية، لافتاً إلى أن البلدية سعت ولا تزال من أجل مساعدة القاصر إنسانياً عبر محاولة تأمين طبيب نفسي لمتابعة حالتها بعد الولادة وتأمين تكاليف المستشفى.
وإذ يُشددّ عطية، وهو محام أيضاً، على أن البلدية سعت إلى مساعدة الطفلة بما يتناسب مع حالتها الإنسانيّة لا مع الإعلام، أبدى امتعاضاً من طريقة مقاربة القضية إعلامياً كونها أفضت إلى التشهير بها والذي دونه تداعيات جمّة على مستقبلها، مشيراً في الوقت نفسه إلى مسؤولية الأهل، ولا سيّما وأنه شعر بأن الوالدة تقارب الموضوع بطريقة فيها “نوعٌ من البساطة”، قائلاً: “علينا أن نتنبّه دائماً إلى مسؤولية أولياء الأمور وأهليّتهم في تربية ورعاية سليمتين وبخاصة وأن مجتمعنا غير محصّن بما فيه الكفاية ويعاني ما يعانيه من آفات متنوّعة”.
وتمنّى عطية من الإعلام توّخي الدقة في مقاربة القضية وسواها “كي لا تقتل أو تغتصب الضحية مرتين”، مذكّراً بأن القضية في مسارها القضائي الطبيعي.
وضمن إطار التكامل والتعاون ما بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني، تحاول جمعية “شباب قانا” مساعدة الطفلة إنسانياً. وفي هذا الإطار يؤكد نائب رئيس الجمعية حسن دخل الله في اتصال مع “لبنان24” أن ما يعنيها هو تقديم الدعم اللازم لهذه الضحية وليس أي أمر آخر.
وعليه بدأت الجمعية، عشية موعد ولادة الطفلة، حملة “الناس لبعضها”، وفيها تدعو المواطنين أصحاب الأيادي البيضاء لفعل الخير، ومؤكدة أنّ دورها يقتصر على كونها الوسيط ما بين المساعد والمحتاج.