بعد سلسلة الهزائم التي مني بها تنظيم «داعش» فإنه سيعمل على إقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين بحسب خبراء ومسؤولين.
وفي هذا السياق قال وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي أن «داعش» يستقطب 80 في المئة من أنصاره عبر الإنترنت، موضحاً: «داعش، أول تنظيم إرهابي يجعل من الإنترنت سلاحه الأساسي. شبكة الإنترنت العالمية، تلعب دوراً مهماً في نشر التطرف والتعصب الديني». واعتبر مينيتي الذي كان يترأس مركز مكافحة الإرهاب، أن استخدام الإنترنت في أهداف إرهابية «مشكلة معقدة وخطيرة»، وحلها كذلك معقد للغاية.
الخبراء نبهوا أيضا إلى أن اجتثاث التنظيم المتطرف من كل الزوايا الخفية للشبكة العنكبوتية، سيكون أصعب بكثير من العمليات العسكرية في أزقة الموصل والرقة.
ففي مطلع 2017، وفي نص بعنوان «الخلافة الافتراضية»، حذر الجنرال الأميركي جوزف فوتل قائد القيادة الأميركية الوسطى (التي تمتد من الشرق الأوسط إلى آسيا) من أن «القضاء على داعش على أرض المعركة لن يكون كافياً».
وكتب فوتل «حتى بعد هزيمة قاسية في العراق وسورية، فإن داعش سيجد على الأرجح ملجأ في العالم الافتراضي وخلافة افتراضية يمكنه من مواصلة تنسيق الاعتداءات والإيحاء بها»، مضيفاً أن ذلك «سيتيح له أيضاً الاستمرار في حشد المؤيدين إلى أن يصبح قادراً على إعادة الاستيلاء على أراض».
ومضى فوتل يقول أن «هذه الخلافة الافتراضية صيغة محرفة للخلافة التاريخية: فهي تضم مجموعة من المسلمين يقودها خليفة (هو حالياً أبو بكر البغدادي) وتطمح إلى الانتماء إلى دولة خاضعة لأحكام الشريعة ومقرها في الفضاء الإلكتروني».
ويقول خبراء أن اندحار التنظيم من القسم الأكبر من الأراضي التي استولى عليها في العراق وسورية، أثر في قدرته على التواصل عبر الإنترنت، إذ تراجعت كمية ونوعية المضمون الذي ينشره بالمقارنة مع الأشهر الأخيرة، من دون أن يختفي.
فوكالة «أعماق» التابعة للتنظيم لم تتوقف عن البث وتبنّي الاعتداءات والحض على تنفيذ هجمات. كما لا يزال من الممكن الاطلاع بسهولة على نشرات التنظيم المتوافرة في لغات عدة وهي تدعو مؤيدي الخلافة أياً كانوا وأكثر من أي وقت مضى، إلى التحرك وتمدهم بنصائح وشروحات لتنفيذ اعتداءات قاتلة.
وفي عام 2015، أعد الباحث تشارلي وينتر تقريراً لـ «مركز كويليام» البريطاني للأبحاث بعنوان «الخلافة الافتراضية» حلل فيه الاستراتيجية الدعائية للتنظيم.
ويقول وينتر لفرانس برس: «من الواضح أن حضوره العقائدي والفكري سيزداد أهمية في الأشهر والسنوات المقبلة»، مضيفاً أن «التنظيم يسعى منذ الآن إلى التركيز على أن فكرة الخلافة أهم من وجودها الفعلي».
ويتابع وينتر: «لكن ذلك ليس معناه أن الأمر سيقتصر على واحد من خيارين: الافتراضي أو الفعلي، فهو سيظل مزيجاً من الاثنين وسنواجه في السنوات المقبلة تنظيماً أضعف لكنه سيكون قادراً على السيطرة على جيوب من الأراضي، خصوصاً في سورية، كما سنشهد حرب عصابات في العراق».
وتحت ضغوط السلطات الحكومية، اتخذ مزودو الخدمات وعمالقة الإنترنت في العالم إجراءات وتدابير لعرقلة استخدام التنظيم الشبكةَ العالمية لغايات الدعاية والإدارة. إلا أن الباحثين الفرنسيين لوران بيندنر ورافايل غلوك اعتبرا أنه «على الرغم من تكثيف رقابة السلطات والرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن داعش أبدى قدرة كبيرة على الصمود بالنظر إلى مرونته وقدرته على التأقلم إزاء حذف مضامين جهادية على الإنترنت».
وقال الباحثان أن التنظيم «سيتمكن بذلك من المحافظة على انتشار كاف لبلوغ قاعدته من المؤيدين وتجنيد عناصر جدد».
وحذر تشارلي وينتر من أنه سيكون «من الصعب جداً محاربة» حملة الدعاية على الإنترنت التي قال «داعش» أن عامي 2014 و2015 كانا «العصر الذهبي» لها، أي عندما كان يسيطر على أراض شاسعة في سورية والعراق.
وقال وينتر أن «فرض رقابة على الإنترنت لن يجدي نفعاً»، فـ «السلطات تركز على الجانب الخطأ من الشبكة (القسم المتعلق بكل المستخدمين) وهذه مشكلة… فالجهاديون يختبئون في أعماق الشبكة ويستخدمون تطبيقات مشفرة. وستظل هناك أماكن يختبئ فيها الإرهابيون على الإنترنت، مهما سيقول السياسيون».
المصدر : الحياة