الشعائر ؛ كل ما يدلّ على الله سبحانه، وكل ما هو طاعة لله تعالى، وتعظيم شعائر الله هو تنفيذ أحكام الله سبحانه وتطبيق شريعته المقدسة، فعندما خلق الله سبحانه الكون والموجودات – بما فيهم الإنسان -؛ أخذ عليهم العهد والميثاق بعبادته سبحانه، ثم آتى الإنسان العلوم والمعارف ليعمّر الأرض بعبادة الله سبحانه من خلال تطبيق أحكام الله على نفسه ومع الآخرين، وحتى مع الطبيعة، وأمره بالتقوى وحذّره المعاصي، وبمقدار ما يطبّق الإنسان من أحكام فإنّه يقترب من الله سبحانه، ومن أجل ذلك فقد طلب سبحانه من الإنسان إخلاص النية في العمل لوجهه تعالى .
يقول الشيخ ناصر مكارم [في تفسيره الأمثل]: ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينيّة التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب. كما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (يعظّم) ليس كما قاله بعض المفسّرين من عظمة جثّة الاُضحية وأمثالها، بل حقيقة التعظيم تعني تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأن يؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظيم وإحترام .
إنّ المؤمن الحق هو الذي يعظّم حرمات الله وشعائره تعظيماً وإجلالاً ومحبّةً لله؛ خوفاً من عقابه ورجاءً لثوابه سبحانه، قال تعالى ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾، إنّ محلّ التّقوى هو القلوب، عن النبي (ص): التقوى ها هنا .[وأشار إلى صدره]. فإنّه إذا خشع القلب واتقى خشعت الجوارح وصلحت الأعمال والأخلاق… فالتعظيم هو الإتيان بالعبادات بشروطها؛ وأوّل أوقاتها، وشعائر الله كل أمر فيه طاعة الله سبحانه؛ من صلاة وصوم وحج وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد… وكل عمل صالح .
الصلاة؛ من أهم الشعائر؛ لأنّها الصلة المباشرة بين الإنسان وربّه، فإذا قطعها العبد فإنّه قطع الصلة بخالقه، قال تعالى ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ في الحديث الشريف: الصلاة عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ماسواها . و هي معراج المؤمن وقربان كل تقي .وعن الإمام الصادق (ع): أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإذا قُبلت قُبل منه سائر عمله، وإذا ردّت عليه ردّ عليه سائر عمله، فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل في صلاته ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين إليه وأيده مع مودّتهم إيّاه بالجنة .
الصلاة عمود الدين، فهي من الدين كالرأس من الجسد، وهي أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه، وهي أوّل ما افترضه الله على الناس، لذا فهي أول ما يُنظر إليه وأوّل ما يُحاسب عليه، وما بين الصلاة والصلاة يغفر الله الذنوب، عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص): إنما مثل الصلاة فيكم كمثل السري (وهو النهر) على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل منه خمس مرات فلم يبق الدرن مع الغسل خمس مرات ولم تبق الذنوب مع الصلاة خمس مرات .
إنّ تمام الصلاة – مع ما تحويه من ذكرٍ وركوعٍ وسجودٍ وتوجّه وخشوع وإذعان بالعبودية لرب العالمين وتسليم المؤمن كيانه كلّه لخالقه؛ فيقف بين يدي الله متواضعاً يهوي برأسه إلى الأرض تذلّلاً ومسكنةً وتسليماً كاملاً لله عز وجل قائلاً: إنّي وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين . ينتظر وقتها ليؤدّيها بوقتها وهو على طهارة، عن الإمام علي (ع): ما وقّر الصلاة مَنْ أخّر الطهارة لأوّل وقتها . وعن الإمام الصادق (ع): من صلّى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقيّة، تقول: حفظك الله كما حفظتني استودعتني ملكاً كريماً. ومن صلاّها بعد وقتها من غير علّةٍ ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني .
الصلاة أحب الأعمال إلى الله، قال الإمام الصادق (ع): أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصّلاة وهي آخر وصايا الأنبياء . عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله عزّ وجلّ ما هو فقال: “ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة ألا ترى أنّ العبد الصّالح عيسى ابن مريم عليه السلام قال ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.
الصلاة توجب القرب من الله سبحانه، عن الإمام الرضا (ع): أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهوَ ساجد وذلك قوله عزّ وجلّ (واسجد واقترب( . عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: للمصلّي ثلاث خصال: إذا هو قام في صلاته حفّت به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء، ويتناثر البرّ عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملكٌ موكّلٌ به ينادي لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل .
الصلاة أفضل وسيلة للتقرب إلى الله – الواجب منها والمستحب – فالصلوات الواجبة [الفرائض الخمس والآيات وصلاة الميت والطواف] والصلوات المستحبة كثيرة؛ أفضلها النوافل اليومية [وتسمّى بالرواتب]؛ نافلة الصبح “قبلها ركعتان” نافلة الظهر “قبلها ثمان ركعات” نافلة العصر “قبلها ثمان ركعات” نافلة المغرب “بعدها أربع ركعات” نافلة العشاء “بعدها من جلوس ركعتان بمقدار ركعة من قيام وتسمى الوتيرة” نافلة الليل “إحدى عشر ركعة؛ ثمان منها بنية صلاة الليل وركعتان صلاة الشفع وركعة من قيام صلاة الوتر” والنوافل “تُصلّى ركعتين ركعتين” .
والنوافل لها أثر كبير في السير والسلوك إلى الله عزّ وجلّ، ولها ثواب وآثار في الدنيا والآخرة، ولا يصح التهاون والاستخفاف بها؛ فإنها مكمّلة للصلوات الواجبة ، عن الفضيل: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ قال عليه السلام: “هي الفريضة، قلت: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ قال: هي النافلة .
بركات النوافل عظيمة وكثيرة، يكفي أنّها تقوّي الإيمان وتنشّط العبد على عبادة ربّه، فلا يتركها إلاّ قليل الإيمان المتكاسل عن عبادة الله، لكن تبقى الأولوية للفرائض، ورد في الحديث: إذا أضرّت النوافل بالفرائض فارفضوها . ولكن هذا لا يعني مطلقاً ترك النوافل وحرمان النفس من بركاتها وفوائدها الجمّة. وعلى المرء أن يترصّد قلبه دائماً ولا يضيّع فرصة إقباله، ففي الرواية عن رسول (ص): إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة .
النوافل؛ لم يفرضها الله سبحانه، لكن حينما يأتي بها العبد حبّاً لله وشوقاً للقاء ربّه والوقوف بين يديه؛ فإنّ الله يؤنسه ويعطيه ويكمل له صلاته، عن الإمام الصادق (ع): إنَّ العبد لترفع له من صلاته نصفها أو ربعها أو خمسها، وما يرفع له إلَّا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنَّما أمرنا بالنوافل ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة .
إنّ النوافل سبب لمحبّة الله لعبده المُتنفّل، عن رسول الله (ص): قال الله تعالى ما تحبَّب إلي عبدي بشيء، أحب إلي مما افترضته عليه، وإنَّه يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته .
وأهم النوافل صلاة الليل، ووقتها بعد منتصف الليل إلى الفجر، حيث أنّ لها أثراً كبيراً في تزكية النفس ونيل القرب من الله سبحانه، وهي مفروضة على النبي (ص)، قال تعالى مخاطباً نبيّه محمداً (ص) ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ وعن النبي (ص): ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لن يناموا . وقال تعالى في وصف المؤمنين ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ومن وصيته (ص) لأمير المؤمنين (ع): عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل…
وصلاة الليل من علامات الإيمان والإخلاص لله سبحانه، عن النبي (ص): إنَّ الله جلّ جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمكِ واخدمي من رفضك، وإنَّ العبد إذا تخلَّى بسيده في جوف الليل المظلم، وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال يا رب! يا رب! ناداه الجليل جلّ جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك، وتوكَّل عليّ أكفك, ثمَّ يقول جل جلاله لملائكته: ملائكتي انظروا إلى عبدي فقد تخلَّى في جوف هذا الليل المظلم، والبطَّالون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له . وعن الإمام الصادق (ع): صلاة الليل تحسّن الوجه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتدرُّ الرزق، وتقضي الدين، وتُذهب بالهمّ، وتجلو البصر . وعنه (ع): كذب من زعم أنه يصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إن صلاة الليل تضمن رزق النهار.
ومن الشعائر المهمّة إحياء أمر أهل البيت (ع)؛ بنشر تعاليمهم والاقتداء بهم بتحليل حلال الله وتحريم حرامه، وأهمّها الشعائر الحسينية، بهذا أمرنا أئمتنا (ع)، إنّ الشعائر الحسينية مدارس تغيير وإصلاح، يجب على المسلمين تعظيمها وإحياءها؛ ليدركوا أهميّة الإسلام وقيمته في حياة الأمة، إذ ضحّى الإمام الحسين (ع) في سبيل الدين بنفسه وأهله وأصحابه وماله، فلا نكتفي في مجالس العزاء ببيان [كيف استشهد الإمام الحسين (ع)] لنستدر الدمعة، بل يجب بيان وشرح الأسباب التي جعلت الإمام الحسين (ع) يقدّم كل تلك التضحيات . وما تأكيد أهل البيت (ع) على المؤمنين بضرورة إقامة المجالس والحديث عن أهل البيت (ع) والإسهاب في الحديث عن كربلاء وبيان التضحيات الكبرى في سبيل الحق والعدالة؛ إلاّ لأنّ هذه المجالس تضع الإنسان على جادة الحق والعمل ضد الواقع الفاسد وإخراج حب الدنيا من القلب ودعوة للتشبّه بأهل البيت (ع)، يقول الإمام الخميني [قدس سره]: ونرى ذكر الأولياء ومقاماتهم دخيلاً في تصفية القلوب, وتخليصها وتعميرها, لان ذكر الخير بالنسبة إلى أصحاب الولاية والمعرفة يوجب المحبة والتواصل والثبات, وهذا التناسب يوجب التجاذب, وهذا التجاذب سبب التشافع الذي ظاهره الإخراج من ظلمات الجهل إلى أنوار الهداية والعلم, وباطنه الظهور بالشفاعة في العالم الآخر, لأن شفاعة الشافعين لا تكون من دون تناسب وتجاذب باطني, ولا تكون جزافاً ولا باطلاً .
إنّ المجالس الواعية تعرّفنا على حياة أهل البيت (ع) وتنشر تعاليمهم، وبهذا ندرك معنى قول الإمام الصادق (ع): أحيوا أمرنا.. في الحديث عن أبي الصلت الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا, فقلت: وكيف يحيي أمركم؟ قال : يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا .
لم يأمرنا الأئمة (ع) بإقامة العزاء على الإمام الحسين (ع) لاستدرار الدموع فقط؛ بل للتعرّف على الأسباب التي جعلت الإمام الحسين (ع) أن يبذل ما بذله لنعمل على تحقيقه ونتفاعل مع الثورة الحسينية، لأنّ الإمام الحسين (ع) كان يهدف إلى تعميق روح المسؤولية أمام الله سبحانه في نفس كل من يلقاه، قال (ع) عندما خاطب الناس عند لقائه جيش الحر: أيّها الناس، إنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) قالَ: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغير عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه .
فلنحيي الذكرى كما كان يُحييها أئمتنا (ع) بتلاوة السيرة بإسلوب حزين وذرف الدمعة الحارة واللطمة الهادئة؛ لكي يتحرّك داخلنا للاستجابة للإمام بالعمل على تحقيق أهداف الثورة الحسينية وترك العادات الدخيلة على الشعائر الحسينية التي لا تبني النفوس، بل تكون ردات فعل على جريمة الظالمين دون وعي إلى أن الحسين يطلب منا نصرة الدين، فلا نكتفي بقولنا [يا ليتنا كنّا معك يا أبا عبد الله] بل نقولها [لبّيك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله الحسين] كما لبّى الإمام الخميني والشعب الإيراني فأسّسوا جمهورية إسلامية، وكما لبّينا في لبنان فقامت مقاومة أسسها الإمام السيد موسى الصدر، حرّرت لبنان وهزمت الصهاينة، وهاهم اليوم خريجو مدرسة الإمام الحسين (ع) يعملون في سوريا والعراق لإسقاط المشروع الصهيو أمريكي، بقتالهم التكفيريين السائرين على نهج يزيد، مقاومة تريد أن تكون كلمة الله هي العليا، ويمهّدون لدولة الفرج الأكبر، إنّ المتآمرين على الإسلام المحمدي الصافي والأصيل يعملون على حصر ذكرى الإمام الحسين (ع) بطقوس وشعارات، حتى لا تقوم حركة واعية تواجه مشاريعهم ومخططاتهم، إنّي مع تقديري واحترامي لشعور كثيرٍ من المطبرين؛ لكنّي أقول لهم: الحسين لا يريدنا أن نواسيه بنزف الدم، بل بالحفاظ على أحكام الإسلام وتعاليمه وتطبيقها، لأنّ التطبير غير مؤكّد أنه من الشعائر، ولذا كبار المراجع وأكثر المجتهدين يقولون: إن كانت من الشعائر فهي مستحبة . وهناك من المجتهدين العدول والورعين من يقول بتحريم التطبير، وهو في أحسن حالاته من المباحات إذ لا دليل شرعي على الاستحباب، فليتّق الله الذين يُحسّنون لشبابنا هذا الفعل، وليوجّهوهم للتبرع بالدم لإنسان مريض أو مجاهد مصاب، وفي ذلك إحياء للنفس ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ .
إنّ عادة التطبير لم تكن في زمان أئمتنا (ع)، وقد انتقلت إلى أوساط مجتمعاتنا من أذربيجان في القرن السابع هجري، ولم تكن في النجف قبل القرن التاسع عشر، وفي تقرير للسلطات البريطانية حول مراسم عاشوراء في النجف عام 1919م: أنّ مئة من الترك العراقيين قاموا بالتطبير .
إنّ العالم مليء بالظلم؛ لأنّ من يتولون الأمور بعيدون عن الإسلام، ليس همّهم إلاّ تلبية رغباتهم وزيادة ملياراتهم، آمنون في مراكزهم، لنأخذ لبنان مثلاً – خاصة فيما بعد الطائف – إذ أصبح الحكم محاصصةً بين الرؤساء، جعلت الشعب يتحسّر على أيام الإقطاع السياسي، لأنّ من تحكّموا أصبحت ممارساتهم أبشع من ممارسات الإقطاع السياسي؛ وإلاّ من أين لهم المليارات هم وأزواجهم وأصهارهم وأبناؤهم والمحضوضون من حواشيهم، كانت هناك محاولة بناء دولة في زمن الرئيس فؤاد شهاب، لكن الأحداث والتطورات من بعده والمحاصصة فيما بعد الطائف أسقطت مفهوم الدولة وقامت دويلة المحاسيب، ولولا قيام المقاومة لانتهى لبنان، ولكن بثلاثية [الجيش والشعب والمقاومة] انبثق الأمل في قيام دولة المؤسسات، ونتمنّى أن يتم ذلك في هذا العهد الذي استبشرنا به حينما انتُخب رئيسه .
من يراقب طريقة عمل المسؤولين يرى أنهم يعملون لمصلحتهم من يوم أن جُعل لمن كان نائباً – أو يُنتخب نائباً – له راتب ولمن يعوله مدى الحياة، إلى يومنا الذي يتحدّث فيه البعض عن التمديد لمجلس النواب بحجّة أمور ذكروها تكشف عن عدم نيّتهم إجراء الانتخابات، وإلاّ لو كانوا جديّين لوضعوا قانون انتخابات من أوّل يوم انتخبوا فيه، لا أن ينتظروا قرب نهاية ولاية المجلس ليقولوا أنّ الوقت لا يتّسع، فعلينا أن نمدّد، فإذا استمر الوضع كذلك فلن تكون انتخابات، وسيبقى النواب يمدّدون ليضمنوا النيابة مدى الحياة .
وأخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين . خطبة الجمعة ” شَعَائِرُ الله ”
لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي
6-10-2017م
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
الشعائر ؛ كل ما يدلّ على الله سبحانه، وكل ما هو طاعة لله تعالى، وتعظيم شعائر الله هو تنفيذ أحكام الله سبحانه وتطبيق شريعته المقدسة، فعندما خلق الله سبحانه الكون والموجودات – بما فيهم الإنسان -؛ أخذ عليهم العهد والميثاق بعبادته سبحانه، ثم آتى الإنسان العلوم والمعارف ليعمّر الأرض بعبادة الله سبحانه من خلال تطبيق أحكام الله على نفسه ومع الآخرين، وحتى مع الطبيعة، وأمره بالتقوى وحذّره المعاصي، وبمقدار ما يطبّق الإنسان من أحكام فإنّه يقترب من الله سبحانه، ومن أجل ذلك فقد طلب سبحانه من الإنسان إخلاص النية في العمل لوجهه تعالى .
يقول الشيخ ناصر مكارم [في تفسيره الأمثل]: ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينيّة التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب. كما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (يعظّم) ليس كما قاله بعض المفسّرين من عظمة جثّة الاُضحية وأمثالها، بل حقيقة التعظيم تعني تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأن يؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظيم وإحترام .
إنّ المؤمن الحق هو الذي يعظّم حرمات الله وشعائره تعظيماً وإجلالاً ومحبّةً لله؛ خوفاً من عقابه ورجاءً لثوابه سبحانه، قال تعالى ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾، إنّ محلّ التّقوى هو القلوب، عن النبي (ص): التقوى ها هنا .[وأشار إلى صدره]. فإنّه إذا خشع القلب واتقى خشعت الجوارح وصلحت الأعمال والأخلاق… فالتعظيم هو الإتيان بالعبادات بشروطها؛ وأوّل أوقاتها، وشعائر الله كل أمر فيه طاعة الله سبحانه؛ من صلاة وصوم وحج وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد… وكل عمل صالح .
الصلاة؛ من أهم الشعائر؛ لأنّها الصلة المباشرة بين الإنسان وربّه، فإذا قطعها العبد فإنّه قطع الصلة بخالقه، قال تعالى ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ في الحديث الشريف: الصلاة عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ماسواها . و هي معراج المؤمن وقربان كل تقي .وعن الإمام الصادق (ع): أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإذا قُبلت قُبل منه سائر عمله، وإذا ردّت عليه ردّ عليه سائر عمله، فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل في صلاته ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين إليه وأيده مع مودّتهم إيّاه بالجنة .
الصلاة عمود الدين، فهي من الدين كالرأس من الجسد، وهي أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه، وهي أوّل ما افترضه الله على الناس، لذا فهي أول ما يُنظر إليه وأوّل ما يُحاسب عليه، وما بين الصلاة والصلاة يغفر الله الذنوب، عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص): إنما مثل الصلاة فيكم كمثل السري (وهو النهر) على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل منه خمس مرات فلم يبق الدرن مع الغسل خمس مرات ولم تبق الذنوب مع الصلاة خمس مرات .
إنّ تمام الصلاة – مع ما تحويه من ذكرٍ وركوعٍ وسجودٍ وتوجّه وخشوع وإذعان بالعبودية لرب العالمين وتسليم المؤمن كيانه كلّه لخالقه؛ فيقف بين يدي الله متواضعاً يهوي برأسه إلى الأرض تذلّلاً ومسكنةً وتسليماً كاملاً لله عز وجل قائلاً: إنّي وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين . ينتظر وقتها ليؤدّيها بوقتها وهو على طهارة، عن الإمام علي (ع): ما وقّر الصلاة مَنْ أخّر الطهارة لأوّل وقتها . وعن الإمام الصادق (ع): من صلّى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقيّة، تقول: حفظك الله كما حفظتني استودعتني ملكاً كريماً. ومن صلاّها بعد وقتها من غير علّةٍ ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني .
الصلاة أحب الأعمال إلى الله، قال الإمام الصادق (ع): أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصّلاة وهي آخر وصايا الأنبياء . عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله عزّ وجلّ ما هو فقال: “ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة ألا ترى أنّ العبد الصّالح عيسى ابن مريم عليه السلام قال ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.
الصلاة توجب القرب من الله سبحانه، عن الإمام الرضا (ع): أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهوَ ساجد وذلك قوله عزّ وجلّ (واسجد واقترب( . عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: للمصلّي ثلاث خصال: إذا هو قام في صلاته حفّت به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء، ويتناثر البرّ عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملكٌ موكّلٌ به ينادي لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل .
الصلاة أفضل وسيلة للتقرب إلى الله – الواجب منها والمستحب – فالصلوات الواجبة [الفرائض الخمس والآيات وصلاة الميت والطواف] والصلوات المستحبة كثيرة؛ أفضلها النوافل اليومية [وتسمّى بالرواتب]؛ نافلة الصبح “قبلها ركعتان” نافلة الظهر “قبلها ثمان ركعات” نافلة العصر “قبلها ثمان ركعات” نافلة المغرب “بعدها أربع ركعات” نافلة العشاء “بعدها من جلوس ركعتان بمقدار ركعة من قيام وتسمى الوتيرة” نافلة الليل “إحدى عشر ركعة؛ ثمان منها بنية صلاة الليل وركعتان صلاة الشفع وركعة من قيام صلاة الوتر” والنوافل “تُصلّى ركعتين ركعتين” .
والنوافل لها أثر كبير في السير والسلوك إلى الله عزّ وجلّ، ولها ثواب وآثار في الدنيا والآخرة، ولا يصح التهاون والاستخفاف بها؛ فإنها مكمّلة للصلوات الواجبة ، عن الفضيل: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ قال عليه السلام: “هي الفريضة، قلت: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ قال: هي النافلة .
بركات النوافل عظيمة وكثيرة، يكفي أنّها تقوّي الإيمان وتنشّط العبد على عبادة ربّه، فلا يتركها إلاّ قليل الإيمان المتكاسل عن عبادة الله، لكن تبقى الأولوية للفرائض، ورد في الحديث: إذا أضرّت النوافل بالفرائض فارفضوها . ولكن هذا لا يعني مطلقاً ترك النوافل وحرمان النفس من بركاتها وفوائدها الجمّة. وعلى المرء أن يترصّد قلبه دائماً ولا يضيّع فرصة إقباله، ففي الرواية عن رسول (ص): إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة .
النوافل؛ لم يفرضها الله سبحانه، لكن حينما يأتي بها العبد حبّاً لله وشوقاً للقاء ربّه والوقوف بين يديه؛ فإنّ الله يؤنسه ويعطيه ويكمل له صلاته، عن الإمام الصادق (ع): إنَّ العبد لترفع له من صلاته نصفها أو ربعها أو خمسها، وما يرفع له إلَّا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنَّما أمرنا بالنوافل ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة .
إنّ النوافل سبب لمحبّة الله لعبده المُتنفّل، عن رسول الله (ص): قال الله تعالى ما تحبَّب إلي عبدي بشيء، أحب إلي مما افترضته عليه، وإنَّه يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته .
وأهم النوافل صلاة الليل، ووقتها بعد منتصف الليل إلى الفجر، حيث أنّ لها أثراً كبيراً في تزكية النفس ونيل القرب من الله سبحانه، وهي مفروضة على النبي (ص)، قال تعالى مخاطباً نبيّه محمداً (ص) ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ وعن النبي (ص): ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لن يناموا . وقال تعالى في وصف المؤمنين ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ومن وصيته (ص) لأمير المؤمنين (ع): عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل…
وصلاة الليل من علامات الإيمان والإخلاص لله سبحانه، عن النبي (ص): إنَّ الله جلّ جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمكِ واخدمي من رفضك، وإنَّ العبد إذا تخلَّى بسيده في جوف الليل المظلم، وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال يا رب! يا رب! ناداه الجليل جلّ جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك، وتوكَّل عليّ أكفك, ثمَّ يقول جل جلاله لملائكته: ملائكتي انظروا إلى عبدي فقد تخلَّى في جوف هذا الليل المظلم، والبطَّالون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له . وعن الإمام الصادق (ع): صلاة الليل تحسّن الوجه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتدرُّ الرزق، وتقضي الدين، وتُذهب بالهمّ، وتجلو البصر . وعنه (ع): كذب من زعم أنه يصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إن صلاة الليل تضمن رزق النهار.
ومن الشعائر المهمّة إحياء أمر أهل البيت (ع)؛ بنشر تعاليمهم والاقتداء بهم بتحليل حلال الله وتحريم حرامه، وأهمّها الشعائر الحسينية، بهذا أمرنا أئمتنا (ع)، إنّ الشعائر الحسينية مدارس تغيير وإصلاح، يجب على المسلمين تعظيمها وإحياءها؛ ليدركوا أهميّة الإسلام وقيمته في حياة الأمة، إذ ضحّى الإمام الحسين (ع) في سبيل الدين بنفسه وأهله وأصحابه وماله، فلا نكتفي في مجالس العزاء ببيان [كيف استشهد الإمام الحسين (ع)] لنستدر الدمعة، بل يجب بيان وشرح الأسباب التي جعلت الإمام الحسين (ع) يقدّم كل تلك التضحيات . وما تأكيد أهل البيت (ع) على المؤمنين بضرورة إقامة المجالس والحديث عن أهل البيت (ع) والإسهاب في الحديث عن كربلاء وبيان التضحيات الكبرى في سبيل الحق والعدالة؛ إلاّ لأنّ هذه المجالس تضع الإنسان على جادة الحق والعمل ضد الواقع الفاسد وإخراج حب الدنيا من القلب ودعوة للتشبّه بأهل البيت (ع)، يقول الإمام الخميني [قدس سره]: ونرى ذكر الأولياء ومقاماتهم دخيلاً في تصفية القلوب, وتخليصها وتعميرها, لان ذكر الخير بالنسبة إلى أصحاب الولاية والمعرفة يوجب المحبة والتواصل والثبات, وهذا التناسب يوجب التجاذب, وهذا التجاذب سبب التشافع الذي ظاهره الإخراج من ظلمات الجهل إلى أنوار الهداية والعلم, وباطنه الظهور بالشفاعة في العالم الآخر, لأن شفاعة الشافعين لا تكون من دون تناسب وتجاذب باطني, ولا تكون جزافاً ولا باطلاً .
إنّ المجالس الواعية تعرّفنا على حياة أهل البيت (ع) وتنشر تعاليمهم، وبهذا ندرك معنى قول الإمام الصادق (ع): أحيوا أمرنا.. في الحديث عن أبي الصلت الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا, فقلت: وكيف يحيي أمركم؟ قال : يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا .
لم يأمرنا الأئمة (ع) بإقامة العزاء على الإمام الحسين (ع) لاستدرار الدموع فقط؛ بل للتعرّف على الأسباب التي جعلت الإمام الحسين (ع) أن يبذل ما بذله لنعمل على تحقيقه ونتفاعل مع الثورة الحسينية، لأنّ الإمام الحسين (ع) كان يهدف إلى تعميق روح المسؤولية أمام الله سبحانه في نفس كل من يلقاه، قال (ع) عندما خاطب الناس عند لقائه جيش الحر: أيّها الناس، إنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) قالَ: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغير عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه .
فلنحيي الذكرى كما كان يُحييها أئمتنا (ع) بتلاوة السيرة بإسلوب حزين وذرف الدمعة الحارة واللطمة الهادئة؛ لكي يتحرّك داخلنا للاستجابة للإمام بالعمل على تحقيق أهداف الثورة الحسينية وترك العادات الدخيلة على الشعائر الحسينية التي لا تبني النفوس، بل تكون ردات فعل على جريمة الظالمين دون وعي إلى أن الحسين يطلب منا نصرة الدين، فلا نكتفي بقولنا [يا ليتنا كنّا معك يا أبا عبد الله] بل نقولها [لبّيك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله الحسين] كما لبّى الإمام الخميني والشعب الإيراني فأسّسوا جمهورية إسلامية، وكما لبّينا في لبنان فقامت مقاومة أسسها الإمام السيد موسى الصدر، حرّرت لبنان وهزمت الصهاينة، وهاهم اليوم خريجو مدرسة الإمام الحسين (ع) يعملون في سوريا والعراق لإسقاط المشروع الصهيو أمريكي، بقتالهم التكفيريين السائرين على نهج يزيد، مقاومة تريد أن تكون كلمة الله هي العليا، ويمهّدون لدولة الفرج الأكبر، إنّ المتآمرين على الإسلام المحمدي الصافي والأصيل يعملون على حصر ذكرى الإمام الحسين (ع) بطقوس وشعارات، حتى لا تقوم حركة واعية تواجه مشاريعهم ومخططاتهم، إنّي مع تقديري واحترامي لشعور كثيرٍ من المطبرين؛ لكنّي أقول لهم: الحسين لا يريدنا أن نواسيه بنزف الدم، بل بالحفاظ على أحكام الإسلام وتعاليمه وتطبيقها، لأنّ التطبير غير مؤكّد أنه من الشعائر، ولذا كبار المراجع وأكثر المجتهدين يقولون: إن كانت من الشعائر فهي مستحبة . وهناك من المجتهدين العدول والورعين من يقول بتحريم التطبير، وهو في أحسن حالاته من المباحات إذ لا دليل شرعي على الاستحباب، فليتّق الله الذين يُحسّنون لشبابنا هذا الفعل، وليوجّهوهم للتبرع بالدم لإنسان مريض أو مجاهد مصاب، وفي ذلك إحياء للنفس ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ .
إنّ عادة التطبير لم تكن في زمان أئمتنا (ع)، وقد انتقلت إلى أوساط مجتمعاتنا من أذربيجان في القرن السابع هجري، ولم تكن في النجف قبل القرن التاسع عشر، وفي تقرير للسلطات البريطانية حول مراسم عاشوراء في النجف عام 1919م: أنّ مئة من الترك العراقيين قاموا بالتطبير .
إنّ العالم مليء بالظلم؛ لأنّ من يتولون الأمور بعيدون عن الإسلام، ليس همّهم إلاّ تلبية رغباتهم وزيادة ملياراتهم، آمنون في مراكزهم، لنأخذ لبنان مثلاً – خاصة فيما بعد الطائف – إذ أصبح الحكم محاصصةً بين الرؤساء، جعلت الشعب يتحسّر على أيام الإقطاع السياسي، لأنّ من تحكّموا أصبحت ممارساتهم أبشع من ممارسات الإقطاع السياسي؛ وإلاّ من أين لهم المليارات هم وأزواجهم وأصهارهم وأبناؤهم والمحضوضون من حواشيهم، كانت هناك محاولة بناء دولة في زمن الرئيس فؤاد شهاب، لكن الأحداث والتطورات من بعده والمحاصصة فيما بعد الطائف أسقطت مفهوم الدولة وقامت دويلة المحاسيب، ولولا قيام المقاومة لانتهى لبنان، ولكن بثلاثية [الجيش والشعب والمقاومة] انبثق الأمل في قيام دولة المؤسسات، ونتمنّى أن يتم ذلك في هذا العهد الذي استبشرنا به حينما انتُخب رئيسه .
من يراقب طريقة عمل المسؤولين يرى أنهم يعملون لمصلحتهم من يوم أن جُعل لمن كان نائباً – أو يُنتخب نائباً – له راتب ولمن يعوله مدى الحياة، إلى يومنا الذي يتحدّث فيه البعض عن التمديد لمجلس النواب بحجّة أمور ذكروها تكشف عن عدم نيّتهم إجراء الانتخابات، وإلاّ لو كانوا جديّين لوضعوا قانون انتخابات من أوّل يوم انتخبوا فيه، لا أن ينتظروا قرب نهاية ولاية المجلس ليقولوا أنّ الوقت لا يتّسع، فعلينا أن نمدّد، فإذا استمر الوضع كذلك فلن تكون انتخابات، وسيبقى النواب يمدّدون ليضمنوا النيابة مدى الحياة .
وأخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .