جميعنا لديه ذلك المثل الأعلى الّذي يثير شغفنا بكل خطوة يخطوها، ونطمح لأن نحذو حذوه في حياتنا. هذا الشخص بالنسبة لي ولكثير من الطّلاب الجامعيين هو البروفيسور عصام عثمان، محور هذه المقابلة. العميد، المعلم، والأب، كلٌّ في آن واحد ينجح في خوض حياة ملؤها النجاح رغم ما يحيطها من ضغوط. حريٌّ بي القول أنه أسطورة.
كان صعبا علي أن أجد الأسئلة التي سأطرحها بل وأيّا منها سأسأل. وهذا ما جاءت به مقابلة البروفيسور عصام عثمان.
“كل ترقية جاءت بالعمل الشاق”
س: بروفيسور عصام؛ ماذا تعني لك كلمة بروفيسور؟.
ج:حسنا ، أولا ، إنها مرتبة أكاديمية يصل فيها الشخص إلى الحد الأقصى في مسيرته. والحد الأقصى يأتي مع الأخلاق قبل المرتبة ، وهذا يعني الصدق في التدريس والتعامل مع الطلاب. كثير من الناس لديهم هذه المرتبة ولكن برأيي لا يستحقها جميعهم. أنا رجل فخور جدا بما وصلت إليه.
لا يمكن لكل أستاذ أن يصبح عميدا، فالعمل في الادارة مختلف تماما.
“فكل ترقية جاءت بعمل شاق”.
س: ما هي ذروة حياتك المهنية ؟
ج: أكاديميا ، أن أكون بروفيسورا هي النهاية ، خصوصا أني حققتها في سن مبكر. فأنا الآن مقبل على عامي السادس والستين.
حققت الكثير في مهنتي وجاءت كل ترقية بالعمل الشاق سواء من خلال تحصيل شهادتي من جامعة الولايات المتحدة الأمريكية أو بالأبحاث التي أجريتها وخاصة جائزة الإمتياز في مواد الأسنان والتي هي اختصاصي.
س: لماذا اخترت طب الأسنان كمهنة ؟
ج: بصراحة ، كنت متجها لاختيار كلية الطب العام، ولكن درجاتي قادتني إلى طب الأسنان ؛ وإذا عاد بي الزمن، سأختار طب الأسنان مرة أخرى. في الماضي كان الاختصاص جزءا من كلية الطب العام وهو أمر لا اخجل منه فهو لا يزال موجودا في العديد من جامعات أوروبا.
“مرشدي الخاص هو أمي”
س: كل شخص لديه هذا المرشد المميز ، من يكون مرشدك؟ ومن الذين قمت بتوجيههم ؟
ج: حسنًا، كنت معلمًا لولديّ اللذين أصبحا طبيبي أسنان. أما مرشدي الخاص فهي أمي ، خاصة أني فقدت والدي في عمر الخامسة وهي من رافقتني في كل مراحل حياتي. وفي طب الأسنان، أرشدني العديد من أساتذتي داخل القسم أو خارجه.
س: كيف بدأت منظمة طلاب طب الأسنان في مصر؟ كيف قمت بتفعيلها؟ وما الدور الذي لعبته؟
ج: الجمعية بدأت في الاسكندرية ، انضممت إليها بعد عام من تأسيسها تقريبا. كنا مجموعة طلاب ضخمة وبدأنا بفعالية كما هو الحال هنا في الجامعة العربية في بيروت ، خططنا وفي بضعة أشهر بدأنا بالعمل. نصيحتي للشباب في منظمة طلاب طب الاسنان في بيروت، كما منظمة طلاب طب الأسنان في مصر تأسست منذ ٤٠ عاما، نصيحتي هي الحفاظ على هذه المنظمة.
في المنظمة، سافرنا للعديد من الدول لكن وقتذاك لم يكن السفر مكلفا كما اليوم. كن نسافر إلى أوروبا بثلاثين دولارا لمدة أسبوع ونبيت في منازل الطلاب.
س: كيف قابلت د. (عزّة) زوجتك ؟
ج: التقيت بها في الكلية ، وأنا أكبرها بثلاث سنوات. وكان لدينا نشاطات خارج الجامعات أيضا بعيدا من المنظمة التي شاركت فيها فيما بعد. بالطبع، كنا صديقين في البداية ومع نهاية دراساتنا تطورت علاقتنا التي أصبحت رسمية مع بداية مرحلة الماجستير.
س: ما الذي تقوم به في وقت فراغك القليل أصلا ؟
ج:في الصغر، دائما ما كنت أمارس السكواش. كنت شخصا رياضيا لسنوات عديدة لكن للعمر حقه. توقفت عن ممارسة الرياضة عام 1994 بسبب مشاكل في الركبة. اعتدت على السباحة ولعبت كرة الماء أيضا لكن السكواش كان المفضل عندي. أما في الوقت الحاضر، أمارس رياضة المشي لمدة ساعة واحدة يوميا عندما يكون الطقس جيدا.
س: هل تواكب التقدم التكنولوجي؟ وفي أي مجال؟
ج: نعم ، بالتاكيد ، كما ترين التكنولوجيا حاضرة في الجامعة العربية في بيروت. كل شيء هنا ممتاز فنحن نواكب كل ما هو جديد. تلاحظين كم أسافر إلى الجامعات في الخارج وأنا دقيق جدا في هذا الموضوع خصوصا عندما أدعو الجامعات الأجنبية الى بيروت. كما تلاحظين أيضا لدينا نظام الامتحانات الخاص بنا والذي نطبقه تماما كالجامعات الاوروبية.
س: ما الذي جعلك تختار جامعة جنوى (إيطاليا) للحصول على الزمالة مع الجامعة العربية في بيروت ؟
ج: قبل أي شيء لديهم زمالة مع مجموعة واسعة من الجامعات ، وخاصة مع جامعات مصر. حاولت التعاون مع الجامعات الاوروبية إلا أن سفارات تلك الدول لم تسمح للطواقم بالبقاء لأكثر من 3 أيام في لبنان بسبب الظروف الامنية الراهنة و نحن في حاجة لمكوثهم لمدة شهر على الأقل. الكل يريد تنفيذ الأمور بسرعة ، كما هو الأمر مع استمرار التعليم ما يعطي ميزة لهذه الزمالة.
“عليكم مواكبة التكنولوجيا وتحصيل الخبرة”
س: هل تنصحنا بالسفر والمشاركة في مؤتمرات طب الأسنان في الخارج؟أو زيارة مدارس طب الأسنان الاخرى ؟
ج: يجب عليكم الاشتراك في الدورات وخاصة خلال الإجازات ربما لمدة أسبوع أو اثنين. هذا هو المهم بالنسبة لكم كطلاب كي تكون المجالات مفتوحة أمامكم للمزيد من التكنولوجيا والخبرة.
س: ما رايك في عمل البوتوكس و الفيلر لطبيب الأسنان ؟
ج: في لبنان ، لا يُسمح بذلك. هناك من يقوم بذلك لكنكم بحاجة للتدريب. شخصيا، عندما أتفحص النتائج ، لا أرى الفرق بين قبل وبعد. أنا سعيد بالقيود التي يفرضها البلد.
س: أخيرا ماذا تقول لطلاب طب الأسنان اليوم؟
ج: نصيحتي لهم أولا بأن يتحلّوا بالضمير في المهنة. فالأخلاق أكثر أهمية من العمل الفعلي، و بالأخص طريقة تعامل الطبيب مع المرضى. وفقا لما أراه ، يقوم الخريجون بفتح عياداتهم على الفور وهذا ما لا أنصح به لأن الطالب يحتاج لبناء سمعته الذي يبدأ من اليوم الاول. وحتى عندما يكون الطالب مؤهلا ، فإنه لا يزال بحاجة إلى تحصيل الخبرة. فمن دون توجيه لا يمكن له تشخيص الحالات الصعبة . لهذا عليه أن يأخذ وقته في التدريب والممارسة العملية لمدة لا تقل عن سنتين أو ثلاث تسبق العمل الفردي حتى يتمكن الطبيب من تشخيص الحالات. ثانيا، يجب الانتقال إلى مرحلة الدراسات العليا. إذ أنه لا يمكن لطالب طب الأسنان أن يصبح محترفا في خمس سنوات فقط، وفقا للإحترافيين في جميع أنحاء العالم.
نصيحة معنوية للجميع وبخبرة خمسين سنة. لم يشاركنا البروفيسور عصام حياته المهنية و الخاصة فحسب، بل أعطانا بعض التوجيهات لتأسيس حياتنا في هذا المسار. يسلط المقال الضوء على أهمية الاخلاقيات المهنية لما لها من أهمية كبيرة في العمل بعيدا من الجانب المادي لأن جميعا نعرف، الحياة يومٌ لك ويومٌ عليك.
د. زينب جابر
ترجمة: نور بزيع