الرئيسية / ثقافة عامة / لبنانهُ و لبناني!

لبنانهُ و لبناني!

هو شخص مثلنا. يستفيق يومياً في نفس التوقيت الذي نستيقظ فيه. يتجه صوب الجامعة التي ندرس فيها، عالقاً في نفس زحمة السير التي نعلق بها جميعاً. زحمة السير هذه، فيها الجميع، لا مفر منها مهما علا شأنك، وأيّاً كان انتماؤك، سوف تمكث فيها أثناء ذهابك إلى عملك وعودتك منه.
يصل إلى عمله، وأمامه طلاب كثر، يشبهون من كانوا حوله أثناء مكوثه في ضوضاء زحمة الصباح.
يصبّح على الطلاب بلسانه الفرنسي الطليق، فأن تكون لبنانياً -بالنسبة له- لا يعني بالضرورة أن تتكلم لغة بلدك. مفهومه للبنان مغاير لما عهدناه.
لبنانه هذا هو رجل ستيني، متعدد اللغات، ذو طابع غربي، متملق لدرجة أن بإمكانه أن يزايد عليك بأي شيء، وكأن التجنيس والتثقيف والتعليم والرقي جُعلوا في يده. ينادي دائماً بشعارات غير مفهومة ولكن جذابة، يبتسم لك ابتسامة شفقة، يحتويك، فهو مصدر العلم وأنت مستورده، هو الرقي وأنت التخلف، هو الأصل وأنت الفرع.
أما لبناننا، فلا يزال شاباً، مندفعاً ومنضبطاً في آن. متواضع رغم قوته، وشديد رغم لينه. مبادر في كل الساحات، حاضر حيث يعجز الجميع عن الحضور، وغائب حيث يقدر الجميع عليه. يريد اثبات نفسه بالفعل، فالشعارات “ما بتطعمي خبز”. قوْتُه الصبر. الصبر على تلك الإبتسامة الصفراء المُشفِقة. صبر جميل. فما على المُفلس حرج.
إنه المشهد اليومي. صراع بين لبنانَيْن، صراع قديم، ليس محصوراً بشخص أو بجهة. صراع بين “لبنانهم الكبير” على الخارطة، وبين لبناننا القوي في الميدان. انني يا أستاذ، أقرّ بأنك لبناني مع التحفظ، وأقر أيضاً بأن الجنسية تورث عن الأب، تلقائياً، لا تحتاج منا إلى شهادة أو اعتراف. أما أن تكون وطنياً فذلك أبعد من الميراث.
لا أعرف كيف أقولها، فلغتي الفرنسية لا تسعفني، وابتسامة الشفقة ليست من شِيَمي. لكنني سأقول لك، أنك انعزالي منذ أكثر من عشر سنوات. أقر وأعترف بذلك، فلكم لبناكم ولي لبناني.

احمد الزين

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم