كتبت غفران مصطفى
سيعرف زائر صور وجهته مباشرة حين وصوله. الاحتمالات هنا كثيرة، لكن البحر الخيار الأخير. يلفّ بحر صور المكان مثلما تفعل الأفكار. تلك التي تلحق الشخص أينما ظنّ أنه غادر. القصص هنا متشابكة، مرة تمتزج بين البحر والشاطئ، ومرة على المراكب، ومرة في الماء بعيداً، ومرات على الأرصفة. لكنها الشمس الساكنة في الزُّرقة، والضوء الذي يلتمع على السّطح، يفضيان إلى مخارج مريحة للعتمة التي في الداخل.
بحر كيفما دار الحديث وكيفما بدأ وكيفما انتهى. يذهب بالقلق إلى هذه المساحة المبسوطة المحيطة، فيتلاشى. مدينة نصفها بحر ونصفها أناس على أرصفة البحر ورماله. المكان هنا فيه متّسع لكل شيء. وفيه احتمالات صغيرة في احتمال كبير. لا تتجزأ الأشياء هنا ولا الهواجس. البحر فيها كُلٌّ جميل يستوعب ما يُرمى إليه حين يأتيه المارّون بلا جلد للكلام.
هكذا يمكنه أن يخفّ إلى أسرار الحارات المحاذية، حين يصنع غوايته في الأزقة، فيطلع صوته كخلفية لكل الحكايات المختبئة في البيوت. بحر أزرق كبير رفيق الهروب الدائم وسماء واسعة، لكنها تهمي بانطباع الفردانية على الناس، كسقف لشرفة شخص واحد.
المشي في مدينة البحر لا ينتهي وإن خلصت مسافة الطريق. يصنع هذا الأزرق الكبير دروبا صغيرة تشبه الأسرار التي تفوح روائحها حين تشق الشمس خيوطها على سطحه. لكل خيط سبيل الى قصة جديدة يتوق اليها الزائر ولا يفهمها الا حين يعود اليها مرات كثيرة. كفعل تجريب دائم لانعاش ما يخبئه القلب وما يتوق اليه. مدينة البوح الخفيف الذي لا يتسع في حكاية واحدة، انما في مسارات بعيدة يذهب اليها من يتهيب الغرق لكنه يغويه.