قال تعالى ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ” ومن كلام لأمير المؤمنين (ع): فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الْأَطْيَبِ الْأَطْهَرِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى ـ وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَالْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ. ـ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ، وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً ، وَأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ وَ رَسُولُهُ، وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ وَ رَسُولُهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للهِ، وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ.
ولد رسول الله (ص) عام الفيل سنة 571م في شهر ربيع الأول، وكانت وفاته سنة 11هـ في 28 صفر سنة 632م، نزل عليه الوحي وهو مُعتكفٌ في غار حراء، وكان عمره الشريف 40 سنة، ومن لحظة ولادته ظهرت عليه إمارات تدلّ على عظمته، وقد أولاه جدّه عبد المطلب من لحظة ولادته المباركة عناية خاصة، وأشار بأن سوف يكون لولده شأن، وهو في الثامنة من عمره الشريف يفتقد جدّهُ الذي كان قد عهدلأبي طالب العناية بابن أخيه، فكان يحتضنه ويفضّله على أولاده، ويعتني به لأنه يعرف المستقبل الذي ينتظره، ومن المعلوم أنه قال لزوجته فاطمة بنت أسد حينما بشّرته أنّ زوجة أخيه عبد الله قد أنجبت ولداً، قال لها: انتظري سبتاً [30 سنة] وأبشرّك بمثله إلاّ النبوة . وقال فيه أبو طالب حينما خطب له السيدة خديجة: ثمّ إنّ محمداً بن عبد الله من لا يوزن به فتى من قريش إلاّ رجح عليه براً وفضلاً وكرماً وعقلاً، وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وعارية مسترجعة .
وكان يُعرف أيام الجاهلية بالصادق الأمين . وورد في السيرة: لما بَعث رسول الله (ص) إلى القيصر ملك الروم يدعوه للإسلام، أحضر القيصر أبا سفيان وسأله عن النبي (ص)، فقال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان: لا . فقال له القيصر: كيف عقله ورأيه؟ فقال له أبو سفيان: لم نعب عليه عقلاً ولا رأياً قط . وروي عن أبي طالب في حديث عن سيرة النبي (ص)، قال: كنت أسمع منه إذا ذهب الليل كلاماً يُعجبني، وكنا لا نُسمّي على الطعام والشراب حتى سمعته يقول: بسم الله الأحد . ثم يأكل، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيراً . فتعجبت منه، وكنت ربّما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نوراً محدوداً قد بلغ السماء، ثم لم أرَ منه كذبة قط، ولا جاهلية قط، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضحك، ولا وقف مع صبيان في لعب، ولا التفت إليهم، وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع .
كان قبل البعثة المثل الأعلى في الأخلاق، ولم يجرؤ أحدٌ من أعدائه الجاهليين على نعته بالكذب حتى أبو جهل حينما سأله أحدهم قبل معركة بدر: هل تعلم أنّ محمداً يكذب؟ أجاب: بلا . فسمّوه في الجاهلية بالصادق الأمين؛ والجليل سبحانه نعته بقوله ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” .
وصدق الشاعر حيث قال:
خُلقتَ مُبرّءاً من كلّ عيبٍ كأنّك قد خُلقت كما تشاءُ
وقد كان (ص) إذا أمر بشيءٍ فعله قبل الناس، ففي بناء المسجد كان يُشارك الناس في الحفر ونقل التراب وحمل الأحجار، ليقتدي به المسلمون، فكانوا يُردّدون :
لإن قعدنا والنبي يعمل فذاك من العمل المُضلّل
وعندما أشار سلمان على النبي (ص) في غزوة الأحزاب أن يحفر خندقاً، جعل له قسماً يُباشر الحفر فيه بيده الشريفة، وكان يحمل التراب على كتفه، وكان المسلمون يستعينون به إذا واجههم في الحفر أمرٌ صعب؛ فيحلّه النبي(ص) بمعوله، وكان هذا دافعاً للصحابة للتأسي بالنبي (ص)، والثبات في مواجهة الأعداء، لأنهم رأوا رسول الله (ص) معهم في خندق واحد، يعمل كما يعملون، ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، وينام على مثل ما ينامون، فزادهم ذلك إيماناً وثقة بدينهم وتسليماً لنبيّهم (ص)، فقال فيهم الله سبحانه ” ” لقد كان لاقتداء المسلمين بنبيّهم (ص) عاملاً كبيراً في انتشار الإسلام .
من أخلاقه (ص): الحلم؛ وليس أدل على ذلك قوله في معركة أحد – حينما شُجّت وجنتاه وكسرت رُباعيته -: اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون . وفي السيرة؛ أنّ أعرابياً جاء إلى النبي (ص) وجذبه بردائه جذبةً شديدة أثّرت في عنقه الشريف (ص)، وقال للنبي (ص): احمل لي بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالك ومال أبيك . فقال (ص): المال مال الله وأنا عبده، ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي . فقال الأعرابي: لا . فقال النبي (ص): لم ؟ قال: لأنك لا تُكافئ السيئة بالسيئة . فضحك النبي (ص) وأمر أن يحمل له على بعيرٍ شعير وعلى آخر تمر .
وعندما دخل مكة فاتحاً وقد تجمّع أهل قريش ينتظرون ردّة فعل رسول الله (ص) عليهم وهم الذين أخرجوه وحاربوه وعملوا على قتله وهاجموه في المدينة، قال (ص) لهم: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم . فقال (ص): اذهبوا فأنتم الطلقاء . في الحرب كان في المقدمة وكان يثبت إذا فرّ المسلمون كما في معركتي أحد وحُنين، ويثبت معه ثلة قليلة على رأسهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) حيث اشتهر عنه قوله: كُنّا إذا حمي الوطيس نلوذ برسول الله (ص) لواذ الفراخ بأمها . وكان كما امره الله سبحانه صابراً ” وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ” صبُر على تبليغ الدعوة في مكة مدة ثلاثة عشر عاماً، واجهه فيها الكثير من أذى أهل مكّة الذين كانوا يمعنون في أذيته، فكانوا يلقون على ظهره وهو يُصلّي في الكعبة الأوساخ وسلو البعير، حتى اضطر بعد وفاة خديجة وكافله أبو طالب أن يُهاجر من مكة .
كان يتواضع لأصحابه فقالوا فيه: كان فينا كأحدنا، يُجيبنا إذا سألناه . ومن أكبر مظاهر تواضعه ما ورد أن الله خيّره بين أن يكون نبيّاً ملكاً أو نبيّاً عبداً، فاختار أن يكون نبيّاً عبداً، فكافأه الله أن جعله سيد ولد آدم. يقول أبو أمامة خرج علينا رسول الله (ص)، متوكأ على عصا، فقمنا له، فقال (ص): لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يُعظّم بعضها بعضاً . وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد . دخل عليه رجل فأصابته من هيبة النبي رعدة، فقال له النبي (ص): هوّن على نفسك فإنّي لست ملكاً، وإنما أنا ابن امرأة تأكل القديد . وقال عنه أمير المؤمنين (ع) – كما في نهج البلاغة -: وَلَقَدْ كَانَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ بَيَدِهِ نَعْلَهُ ، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: «يَا فُلاَنَةُ ـ لْإِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا». فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، وَلاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلاَ يَرْجُو فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ. وَكَذلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ.
كان للنبي (ص) جار يهودي استغل حلم النبي (ص) وصار يُصعّد من أذيته حتى أنه كان يجمع القمامة من بيته ويرميها أمام بيت رسول الله (ص)، فكان النبي (ص) يُبادر لنقلها بعيداً عن المنازل، لاحظ ذلك بعض المسلمين فاستأذنوا من رسول الله (ص) أن يردعوا ذلك اليهودي عن أذية نبيّهم (ص)، فأبى رسول الله أن يأذن لهم وقال (ص): من صبر على سوء خلق جاره دخل الجنة . صادف أياماً يخرج النبي (ص) على عادته ليبدأ نهاره بإزاحة قمامة جاره، فلم يجدها، عاتب (ص) أصحابه بقوله: من منكم أرعب جاري، له أياماً لم يُتحفنا بتحفته . فقالوا له: إنّه مريض يا رسول الله . فقال (ص): قوموا بنا إلى عيادته . وعندما علم اليهودي أن رسول الله (ص) متوجّه إلى داره توثّب للشر، لكن الحبيب المصطفى (ص) دخل عليه مُبتسماً وسائلاً له عن حاله وعن حاجته، فأجابه اليهودي بخبث: أنا لم أحسن إليك يا مُحمد . فأجابه: نعم ولكن في ديني أنّ من صبر على خلق جاره أدخله الله الجنة . بُهت اليهودي وتبدّل لؤمه حبّاً وأخذ يد رسول الله (ص) بكل تودّد واعتذار، قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله . فنزل جبرائيل بالوحي على النبي (ص) ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” .
وهو خارج (ص) من المسجد التفت إليه أحد أصحابه يدعوه للغداء قائلاً: مِلْ بنا يا رسول الله . فقال له (ص): أنا ومن معي؟ قال: أنت ومن معك يا رسول الله . دخلوا فقدّم لهم صاحب الدار خلاً وخبزاً، أخذ النبي (ص) يأكل ويقول: نعم الإدام الخل . ليدخل السرور على صاحب المنزل الذي لا يستطيع تقديم أكثر من ذلك لضيوفه، وصادف وجود رجل موسر معهم فاستسهل تقديم الخل والخبز، فقال للنبي (ص) في اليوم الثاني: مل بنا يا رسول الله . فقال له النبي (ص): أنا ومن معي؟ قال: أنت ومن معك . فقدّم لهم خلاً وخبزاً، فجعل النبي (ص) يأكل ويقول: بئس الإدام الخل . فقال له صاحب الدار: بالأمس يا رسول الله نعم الإدام الخل واليوم بئس الإدام الخل؟ فقال له النبي (ص): نعم الإدام الخل بالأمس لأنّ صاحبنا لا يقدر على أكثر من ذلك ، أما أنت فيمكنك تقديم الثريد لضيوفك . ليعرّفه على ضرورة إكرام الضيف وأن يُقدّم ما يستطيع .
قال (ص) لعلي (ع): يا علي أوصيك بوصايا، ما حفظتها تبقى في خير وعافية :يا عليّ! قد بعثتك وأنا بك ضنين، فلا تدعنّ حقاً لغد فإن لكل يوم ما فيه، وابرز للنّاس وقدّم الوضيع على الشريف، والضعيف على القويّ، والنّساء قبل الرجال، ولا تدخلنّ أحداً يغلبك على أمرك، وشاور القرآن فإنّه أمامك. يا علي! من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه أعقبه الله تعالى يوم القيامة أمناً، وإيماناً يجد طعمه. يا عليّ! أفضل الجهاد من أصبح ولم يهمّ بظلم أحد. يا عليّ! من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار. يا عليّ! شرّ النّاس من أكرمه النّاس اتّقاء شرّه. يا عليّ! شارب الخمر كعابد الوثن. يا عليّ! شرّ النّاس من باع آخرته بدنياه، وشرّ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره. يا عليّ! إنّ من اليقين ألاّ تُرضي أحداً بسخط الله، ولا تحمد أحداً على ما آتاك الله، ولا تذمّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإنّ الرزق لا يجرّه حرص حريص، ولا يصرفه كراهة كاره، إن الله بحكمته وفضله جعل الرّوح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهمّ والحزن في الشّك والسخط.
ومن تلك الوصايا؛ قوله (ص): يا عليّ! إذا ولد لك غلام أو جارية فأذّن في أذنه اليمنى، وأقم في اليسرى، فإنه لا يضره الشيطان أبداً. يا عليّ! لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة، ولا تجعل الله عرضة ليمينك، فإن الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً. يا عليّ! من لم يقبل المعذرة من متنصّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي. يا عليّ! إن الله عزّ وجل أحب الكذب في الصلاح، وأبغض الصدق في الفساد. يا عليّ! من ترك الخمر لغير الله، سقاه الله تعالى من رحيق مختوم، فقال عليّ: لغير الله؟ قال: نعم والله صيانةً لنفسه، يشكره الله على ذلك. يا عليّ! شارب الخمر لا يقبل الله عزّ وجل صلاته أربعين يوماً، وإن مات في الأربعين مات كافراً. يا عليّ! كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام. يا عليّ! تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف ربّه عزّ وجلّ. يا عليّ! من لم تنتفع بدينه ولا بدنياه، فلا خير في مجالسته, ومن لم يوجب لك فلا توجب له، ولا كرامة. يا عليّ! حرّم الله الجنّة على كل فاحش بذيء، لا يبالي بما قال ولا ما قيل له. يا عليّ! طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله. يا عليّ! لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك، وإيّاك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على الحق، وإن كسلت لم تؤدّ حقاً. يا عليّ! لكلّ ذنب توبة، إلاّ سوء الخلق، فإن صاحبه كلمّا خرج من ذنب دخل في ذنب آخر. يا عليّ! من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة. يا عليّ! إن إزالة الجبال الرواسي، أهون من إزالة مُلك مؤجل لا تنقص أيّامه. يا عليّ! آفة الحسب الافتخار. يا عليّ! من خاف الله عزّ وجل، أخاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء. يا عليّ! أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله. يا عليّ! المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات. يا عليّ! ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم عمن جهل عليك. وآخر هذه الوصايا: يا عليّ! ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك، وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك.
هذه الوصايا هي للأمة من خلال الإمام علي (ع) الذي هو نفس الرسول (ص)، لهذا أمرنا الله أن نتأسى بالنبي (ص)، نتأسى به بأخلاقه قبل أن نتأسى به بعبادته، إذ كان (ص) يُصلّي حتى تتورّم قدماه، فيُقال له: يا رسول الله تفعل بنفسك هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيب (ص): أفلا أكون عبداً شكوراً. فنحن مأمورون بالتأسي بالنبي (ص) لنضمن سلامة الدنيا والآخرة وسعادة الدارين .
إننا نشيد بالمواقف المسؤولة لكل من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب والأمين العام لحزب الله ، والتي شكّلت تجلياً جديداً للثلاثية التي أمن واستقرار لبنان مرهون بها وسط صراعاتٍ إقليمية متسارعة ، ونثمّن الالتفاف الشعبي حول الموقف الرسمي للدولة اللبنانية .
إننا نعتبر أنّ الأصوات النشاز التي خرجت عن الموقف الرسمي اللبناني هنا وهناك لهي أصغر من أن تؤثّر في الرأي العام اللبناني الملتف حول قياداته، رغم كل الاختلافات بينهم، فأصبح الالتفاف لاغياً لمفاعيل الاختلافات، وكل من خرج عن الموقف الرسمي المتجلّي بصراحة رئيس الجمهورية فهو خارج حكماً عن ميثاق العيش المشترك وسيادة الدولة، وندين كل الأصوات التي تجرأت على مقام رئاسة الحكومة عبر سعيها لإدخال لبنان في فراغ حكومي . إنّ موقف الرئيسين عون وبري والسيد نصر الله جاء ليكرّس استقلال وسيادة لبنان في أجواء استقبال عيد الاستقلال الذي نتمنى أن يحضره رئيس الحكومة بملء إرادته، ونتساءل مستغربين ادعاء المرتهنين بتصريحاتهم وزياراتهم المنافية لمفهوم السيادة والاستقلال، ثم يكررون معارضتهم للتدخل الخارجي في لبنان، ونؤكد أنّ لبنان يرحّب بالمساعدات الأخوية له ويرفض أي هيمنة على قراره وسيادته من أية جهة أتت .
إننا نشيد بالمواقف الفلسطينية التي أكّدت على حيادية المخيمات عن أي صراعٍ داخلي لبناني .
وختاماً نقول: إنّ ما حدث مؤخراً من أحداث يعزّز ثقتنا بأنّ لبنان سيبقى موحداً ومستقراً وسيد نفسه بهمّة قياداته المسؤولة وبتضحيات جيشه ومقاومته والتفاف شعبه، الذي يؤكّد أنّ قوة لبنان بثلاثيته وليس بارتهانه للخارج أو بضمانة إقليمية أو دولية، ونؤكد أنّ على المسؤولين أن يتابعوا شؤون الناس الملحة دعماً للاستقرار الاجتماعي في لبنان .
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .