فيما معظم الطبقة السياسية والمواطنون في لبنان شاهدوا عن بعد كيفية وأد الفتنة التي كان يتم تحضيرها للبلد على خلفية اقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض وليس من بيروت والتداعيات التي يمكن ان تحصل يبقى العديد من الخفايا التي تم العمل عليها بشكل سري وبعيد عن الاعلام من اجل تهدئة الاوضاع الداخلية في البلاد، وفي المقدمة ما قام به الجيش اللبناني من خطوات عملانية على الارض اوصلت الى هذه الخواتم السعيدة حتى الساعة، وفيما حط الرئيس الحريري في باريس بعد الانتهاء من الاقامة القسرية في منزله في السعودية تورد اوساط سياسية وامنية على حدّ سواء الجهود التي بذلها قائد الجيش العماد جوزاف عون والمؤسسة العسكرية للحؤول دون تفاقم الوضع سلباً حيث كان المراد اشعال الداخل اللبناني تلبية لرغبات دولية واقليمية وتحديداً الشق الاقليمي، وللمفارقة تعمد هذه الاوساط الى مبدأ التسمية حيال الخلاص من هذا المأزق حيث تذكر بكل صراحة ان القادة الذين كانوا في مواجهة ما حصل لرئيس حكومة لبنان كانوا من الطائفة المسيحية بالرغم من كون الذين عملوا بعيداً عن الاعلام لديهم الاهتمام الكبير نفسه ولكن الذين كانوا في واجهة معرفة مصير الرئيس سعد الحريري ووفقاً للالتزام بالدستور وتحقيق الكرامة الوطنية حيث تقدم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجميع من حيث التمسك بالوحدة الوطنية تزامناً مع صلابة الموقف الذي اتخذه، وكذلك فعل وزير الخارجية جبران باسيل بجولاته السريعة على معظم القارة الاوروبية خلال ثلاثة ايام لشرح الموقف اللبناني من التعاطي مع السيادة لبلد مستقل، وكذلك فعل بطريرك الموارنة الذي زار المملكة السعودية في خطوة نادرة والتقى الرئيس الحريري، وبغض النظر عن فاعلية كل فريق حيث كان لموقف رئيس الجمهورية القوي الكلمة الفصل في هذا المجال، وتقول هذه الاوساط ان الدور المسيحي في لبنان خصوصاً والشرق عموماً يمكن ان تفرضه شخصية الرئيس المسيحي الوحيد في هذه المنطقة مع العلم ان صلاحياته كانت وما زالت هي نفسها مما يعني ان شخصية رئيس البلاد وعناده بالحق يعطيانه مبدأ القوة والحق وهذا يعني ايضاً ان للمسيحيين دوراً فاعلاً واساسياً ينتظرهم من خلال الانقسام المذهبي القائم في المنطقة ولبنان وعليهم تفعيله وتوحيد كلمتهم كي يبقوا صمام امان لاية فتنة، ومن هذا الباب بالذات جاءت قوة الدفع لكشف مصير رئيس حكومة لبنان مع العلم ان لبقية الطوائف الاسلامية دوراً موازياً ولكنه كان بعيداً عن الاعلام نظراً لحساسية الموضوع وتشرح هذه الاوساط هذا الامر على انه ليس استبعاداً لاي طرف آخر انما هناك واقعة دستورية تسلمها الرئيس عون ومواقف ديبلوماسية قام بها الوزير باسيل وزيارة اطمئنان من البطريرك الراعي.
على ان الاهم وفق هذه الاوساط والاكثر تأثيراً على طمأنة الناس هو الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية والجيش اللبناني الذي احتاط منذ اللحظة الاولى لاستقالة الرئيس الحريري من اجل عدم اندفاع الناس نحو الشارع حيث كانت ستفلت الامور، ولهذا الامر تشرح هذه الاوساط ما جرى في كواليس القصرالجمهوري ووزارة الدفاع من اجل الحيلولة دون حصول الفتنة الكبرى وفق التالي:
1- سريعاً انتقل قائد الجيش العماد جوزاف عون من اليرزة الى القصر الجمهوري للوقوف على توجيهات رئيس البلاد في ظل هذا الظرف العصيب، وبعد مشاورات ووضع قائد الجيش في الجو الخطير الذي يمكن ان يحصل كانت الاستجابة سريعة وبحضور الرئيس وقائد الجيش.
2- تمت عمليات اتصال هاتفية سريعة ومفتوحة السمع «سبيكرفون» مع رئيس وحدة الارتباط في حزب الله وفيق صفا بموازاة فتح خط اخر ومسموع لدى امين عام المستقبل احمد الحريري واصبح الجميع على السمع: رئيس البلاد وقائد الجيش ومسؤولي المستقبل وحزب الله وكان الكلام واضحاً للجميع: ان الاستقالة التي جرت يمكن ان تؤدي بالبلاد الى الهلاك والفتنة وان الجيش اللبناني سوف يتحرك دون استئذان من اية جهة ودون مراجعة لاسقاط اي عمل أمني او تظاهرات يمكن ان تحصل وبالتالي: على الجميع عدم مراجعة الجيش اذا تم توقيف احد المشاغبين لان الخط سيكون مقفلاً ولا ضرورة للاعادة، ووافق الحريري وصفا على مضمون المكالمة.
3- وسريعاً ايضاً انتشرت وحدات امنية من الجيش اللبناني ومعظمها باللباس المدني في اماكن محددة ومفترضة بالاضافة الى تسيير دوريات لكن مع حرص القيادة على عدم تخويف الناس وهذا ما حصل بالفعل اذ لم يشعر المواطنون بأي ازعاج او حركة مع العلم ان الهدف كان انقاذ الوطن بكامله ومع ذلك رفضت قيادة الجيش توتير الناس وكان لها ما أرادت.
4- اتصلت مسؤولة اميركية في وزارة الخارجية الاميركية بالرئيس العماد ميشال عون وقائد الجيش لتعلمها ان لا علم للولايات المتحدة بالتحضير لهذه الاستقالة وهذا ما تفسره هذه الاوساط بأن الاميركيين شعروا بوحدة اللبنانيين وراء رئيس بلادهم والتضامن مع رئيس الحكومة ومن هنا جاء الاتصال ببعبدا واليرزة. وبالرغمم من كون السعودية استطاعت ملامسة الوضع اللبناني الا انها لم تستطع شق صفوف اللبنانيين الذين تنادوا للوحدة لانقاذ وطنهم، الا ان هذه الاوساط تعتبر ان الدولة اللبنانية وبعد اسقاط مشروع الفتنة سوف تنتقل في القريب العاجل الى قلب الطاولة وفقاً للمعلومات المتوافرة لدى المسؤولين وليس فقط القيام بمبدأ المدافعة خصوصاً وان التعويل على مخيمات النزوح السوري كان سيشكل خطراً على أوروبا بالذات الذين سيرحلون اليها في حال حصول انهيار في الدولة اللبنانية ومن هنا جاءت مواقف القارة الاوروبية متطابقة مع ما شرحه وزير الخارجية جبران باسيل خلال زيارته الاخيرة، اما بالنسبة للاجئين الفلسطينيين فان اي تحرك من قبل المخيمات كان سيقضي على البقية المتبقية من القضية الفلسطينية، اما قوات حفظ السلام الدولية واكثريتها من اوروبا وتحديداً فرنسية الجنسية فكانت ستتعرض للاخطار لو نشبت الفتنة في لبنان.
(الديار)