الرئيسية / ثقافة عامة / السينما والرأي العام

السينما والرأي العام

مريم حجازي

يعبّر الفنّ بكل أشكاله عن حالة يعيشها المجتمع نراها بعيون الفنّانين، من رسوم وشعر وأفلام. ففي حقبة الثورة الصناعية او ما بعد الحرب العالمية الثانية وغيرها من الأحداث التاريخية، اتخّذ الفنّ المرئي خصوصًا منحًا تعبيريًا عمّا كان يسيطر على العالم الاجتماعي للدول التي طالها التأثير. حتى على صعيد شكل الأفلام، قصيرة، وثائقية، دراما اكشن.. لم تعدو كونها مرآة للنفس البشرية والمعضلات التي تدور حولها.
في حقبة ما بعد الحروب، ذهب الروائيون لكتابة السيناريوهات التي تحاكي الظلم الذي يلحق بالشعوب كثمن للحرب والآثار النفسية والاجتماعية لها كما محاكاة للتطلعات المتأملة بمجتمع أفضل. وفي الحقبات الصناعية، تحوّلت الافلام لتصبح جزءً يحاكي الفلسفة العميقة للثورة الصناعية وتأثيرها على المجتمع اخلاقيا واشكالية الوجه القاتل للثورة الصناعية. واعتمد تلك الحقبة بشكل كبير على تصوير الاشكاليات الفلسفية لافلاطون، كونت، وغيرهم من الفلاسفة على شكل افلام سينمائية. إلى أن وصلنا الى حقبة الحروب الباردة، تلك الحروب التي تفرض السيطرة على العقول قبل الاستعمار العسكري. فكانت السينما سلاحًا قويًا قادر على الوصول الى العدد الاكبر عالميا، وصارت لاعبًا ميدانيا على ساحة الصراع الدولي.
ركزّ الامريكيون في البدايات على مجموعة من الافكار التي أراد تثبيت صدقها وأحقيتها في المجتمع الدولي. ففي حربه مع الاتحاد السوفياتي قبل وبعد سقوطه في أفغانستان، ركزً صنًاع الافلام الامريكيون على “أبلسة” الاتحاد وتصوير الاميريكي البطل الساعي دومًا نحو السلام وتخليص الارض من المفسدين فيها. بالاضافة الى كون الولايات المتحدة المخلص الوحيد للبشرية من حيث التطوّر التكنولوجي، الحرّيات، الأمن واحترام الحقوق الانسانية. كثرت الافلام التي كانت تحاكي التطوّر التكنولوجي، المؤامرات السياسية، اشكاليات حقوق الانسان والعديد من الموضوعات التي كانت الولايات المتحدة تسعى إما لاثباتها إما لنسف صورة حقيقية مسلّم بها دوليًا.
أما على الصعيد الأهم، او الحركة التي استغلت السينما بالشكل الاكبر، اسرائيل والحركة الصهيونية. يُسيطر اليهود سيطرة تامة على شركات الإنتاج السينمائي. فشركة فوكس يمتلكها اليهودي ويليام فوكس، وشركة غولدين يمتلكها اليهودي صاموئيل غولدين، وشركة مترو يمتلكها اليهودي لويس ماير، وشركة إخوان وارنر يمتلكها اليهودي هارني وارنر وإخوانه، وشركة برامونت يمتلكها اليهودي هودكنسونسعت هذه الحركة منذ نشأتها على استغلال هذا المنبر الفني ليصبح سلاحًا له في صناعة الافكار والرأي العام الدولي حول وجوده المستحدث. فركّز في افلامه على شرعية دولة اسرائيل والمظلوميات التي تعرّض لها الصهاينة على ايدي النازية. كما استغل في بعض الاعمال الطابع الديني لارض الميعاد والشرعية الدينية. من ثم اتخذ الصراع الفني شكلًا آخر، وهو حقبة فلسطين والتعدي عليها، فبرزت الافلام التي تحاكي الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من جهة او العربي- الاسرائيلي من جهة أخرى، والتي بالطبع كانت تصوّر اسرائيل الدولة الديمقراطية في وجه البربرية العربية والعنصرية الفلسطينية تجاه اليهود.
المراد من هذا العرض كلّه توضيح كون السينما تتخطى كونها تعبيرًا عن الرفاهية التكنولوجية بقدر كونها وسيلة من الوسائل التي انتجتها الثورات الصناعية والثقافية لتطوير قدرات الدول المصنّعة على السيطرة والتمكين الاعلامي والدعائي. فأين نحن من هذا العالم؟
واقعًا لا يوجد صناعة افلام عربية بارزة، ولا حتى محلية. مؤخرًا استطاعت السينما الايرانية اختراق جدران العزلة الفارسية عن العالم لتدخل في الصراع الفني الهوليودي. يعود ذلك الى تركيز ايران على الفنّ ووعيها ولو مؤخرًا على قدرة الاعلام عل شيطنت الدول او تمجيدها. الجدير بالذكر ان اغلب الافلام التي وصلت الى الصرح الهوليودي كانت تتخذ طابعًا معارضا للنظام الايراني الحاكم ما بعد الثورة. اي تقريبا الرواية التي تتقاطع مع مصالح صناع الرأي الفني الهوليودي. ولكن هنالك اختراق بسيط للافلام المقاومة الايرانية على صعيد صناعة الصورة، الفكرة، الممثلين، الانتاج الضخم والسيناريو القوي المحكم. هذه العناصر تفتقدها السينما الللبنانية بشكل كبير، حيث تعتمد الصناعة السينمائية على التجارة وشباك التذاكر عوضا عن استخدام الصورة لايصال ما يعاني منه البلد اجتماعيا، سياسيًا ..
في معرض البحث عن بصيص أمل، بدأت تظهر في السينما اللبنانية أفلامًا للمقاومة اللبنانية، والتي تعتبر القضية الابرز على الساحة الداخلية. ان كان ما يحاكي حرب تمّوز 2006 او الاجتياح اللبناني، الحرب الاهلية .. ولكن في السنوات الاخيرة ابتعدت الرواية عن الكليشيه الخاص بالحروب وباتت تقارب الواقع اكثر فأكثر. ولكنها لا تعدو كونها محاولات خجولة بقدرات بسيطة للفليم المحلي. الى أن خاض بعض الشباب تجربة تستحق الذكر في هذا المجال. حيث قام المخرج الذي لم يتخرج بعد للمناسبة، كاظم فيّاض، بطرح فكرة فيلم the Day الفيلم الذي تكّلمت عنه اسرائيل نفسها والذي يروي سيناريو القضاء على دولة اسرائيل على يد المقاومة اللبنانية. ولكن الفيلم بقدرات الشباب البسيطة لم يتخطى فكرة تصوير ال Trailer لغياب التمويل وشركات الانتاج الداعمة. مؤخرًا قام فيّاض بالاشتراك مع المخرج علي قميحة بتصوير فيلم قصير 9 دقائق تناول فكرة الانسانية والرحمة لدى المقاتلين. فيلم “تقدير موقف – Estimating Position” هو فيلم قصير (٩د)، أُنتج سنة ٢٠١٦، وهو جاء بموافقة الاستاذ الايراني “نادر طالب زاده” (مخرج مسلسل المسيح)، وكان عنوان الدورة التي شارك فيها هو (storyboard)،حيث مان تقييم الفليم من قبل المخرجين الايرانيين اكثر من جيّد والفيلم المذكور مقتبس من فيلم “Lone Survivor” ولكن بطريقة اخراجية مختلفة، ولاحقًا شارك الفيلم في مهرجان PTAFF في لوس انجيلوس. الفكرة مطلوبة وهي اشكالية يعاني منها اليوم المجتمع المقاوم لتضويح معضلة اخلاقية لدى المقاتلين. استطاع فيّاض قميحة رغم صغر سنّهما وغياب الدعم المادي الوصول ولو بشكل جزئي الى المحافل الدولية من خلال فكرة محلية مقاومة بحتة دون الرضوح الى تسطيح شباك التذاكر او الخضوع للافكار المطلوبة في السوق العالمية من تلميع صورة الامريكي او الاسرائيلي او مهادنتهما.
ما أراد ايصاله الشابان لم يكن سهلًا، فالمقاومة لم تعد مطلبًا مشروعًا بالتالي الخوض في هذا الغمار تعتبر مخاطرة قد تعيق اي مخرج في حياته الفنيّة. إذًا ما هو المطلوب من البيئة الحاضنة؟
لا يغيب عنًا ان مصادر التمويل محليا محدودة، عدا عن كون فكرة السينما محليا مسألة رفاهية وترفيه لا أكثر. اي لا حاجة للممولين لدفع مبالغ على افلام قد تتعارض والذوق العام ومن الافضل برأيهم البقاء على خط الافلام الكوميدية الدرامية التي لا اشكال عليها محليا. من هنا غاب الدعم العام ودعم البيئة الحاضنة للمبادرات الشبابية. كما كان من المستغرب أكثر غياب الدعم الجامعي لطلابها الذين يستطيعون بدعم صغير من الكادر الجامعي ايصال طلّابهم الى العالمية كنوع من الدعاية على اقل تقدير.
بالخلاصة، ان هذه التجارب الفردية التي قد تفشل او قد تثبت قدرتها على الدخول او الصمود في وجه الصراع العالمي لصناعة الافلام، هي حاجة ملحة في مجتمعنا. علينا طرح أنفسنا كصناع رأي وليس كمتلقين فقط لأن الحرب التي نخوضها اليوم فنيا واجتماعيا لا مكان فيها للعوام- حالة التبعية – بل الى الخواص. والأمر يبدأ من خلال هذه المبادرات، مناقشتها السعي الى تطويرها والتعبير عن الثقة في الطاقات الشبابية وحاجتنا لها لكي تعبر عنا و عن افكارنا في المحافل الدولية بعيدا عن السجالات الداخلية.

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم