حتى ما بعد ظهر يوم الاحد، كانت كل المؤشرات تشير الى أن رئيس الحكومة اللبنانية عائد الى لبنان ليقدم استقالته أمام رئيس الجمهورية. الا أن رسالة وصلت الى الرئيس اللبناني ميشال عون غيرت من المشهد المحتمل. فما الذي حصل؟
فبحسب المعلومات التي توفرت، قام الرئيس بري ليل الجمعة-السبت بارسال مقترح الى الرئيس عون يفضي الى اعلان الرئيس الحريري التريث بتقديم الاستقالة بناء على اقتراح من الجنرال عون. وكعادة الرئيس بري في مثل هذه المواضع فقد دعّم مقترحه بمثل شعبي قائلا أن مقترحه يقوم على قاعدة «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنمات».
موضحا ان هذا المقترح سيحفظ قدرا من ماء الوجه للمملكة السعودية باعتبار ان التريث لا يمثل سحبا كلياً للاستقالة وانما «تعليقاً» لها بانتظار حوار سيعقد لهذه الغاية.
لاقى هذا المقترح استحسانا من قبل رئيس الجمهورية الذي بعث مكتبه رسالة الى قصر الاليزيه بان الرئيس اللبناني يرغب بمكالمة الرئيس الفرنسي والذي قام بدوره، فور توفره، على الاتصال بالرئيس عون الذي قدم المقترح. تلقف الرئيس ماكرون المقترح اللبناني واعدا بمحاولة تسويقه عند قيادة المملكة العربية السعودية.
كان برنامج رئيس الحكومة اللبنانية في الاصل الوصول الى لبنان يوم الاثنين، الا أن دخول المقترح الجديد حيز النقاش، دفع بالفرنسيين والسعوديين الى تأجيلها، وهكذا حط الحريري في مصر، في زيارة غير مقررة سلفاً.
بعد ظهر الاحد وصلت رسالة الى القصر الجمهوري اللبناني عن طريق السفارة الفرنسية في بيروت تحمل خبر «تجاوب» المملكة المبدئي مع المقترح اللبناني، معطوفة بمقترح قالت الرسالة أنه «فرنسي»، وينص على أن يقوم «حزب الله» بشكل رسمي بنفي اي علاقة له بصاروخ «الرياض» او أي مساعدة عسكرية تقدم لانصار الله في اليمن. وبحسب المعلومات فان رد الحزب كان أن الحزب لطالما نفى اي علاقة عسكرية له في الحرب على اليمن، وأنه على استعداد لتأكيد هذا الامر مرة أخرى على لسان أمينه العام مباشرة اذا كان ذلك يمكن أن يساهم في عودة الرئيس الحريري الى لبنان وحل الازمة السياسية المستجدة.
وعلى اثر ذلك أوصل رئيس الجمهورية رد الحزب الى الفرنسيين الذي قاموا بدورهم بنقل الجواب الى السعوديين.
مساء الاثنين، أطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة بمناسبة تحرير مدينة البوكمال من سيطرة داعش، وخلال كلمته، أعلن السيد نصر الله عدم قيام الحزب بإرسال الى سلاح الى انصار الله في اليمن «ولا حتى مسدسا»، معلنا أنه قال ذلك من قبل ويقوله الآن «بشكل رسمي».
بعد تصريح السيد نصر الله، عاودت فرنسا الاتصال بالمملكة لوضع الحل «المقترح» على سكة التنفيذ، الا أن المملكة أعادت طرح نقطة جديدة تتمثل بان يقوم الرئيس سعد الحريري بزيارة، ولو «سريعة وقصيرة» الى المملكة السعودية لإثبات أن رئيس الحكومة لم يكن محتجزاً في المملكة، الا أن الرد الفرنسي كان أنها ستوصل المقترح الى الرئيس الحريري والاطراف اللبنانية لكن بشرط أن يترك خيار هذا الامر«الى الرئيس الحريري نفسه».
سلك المقترح طريقه للتنفيذ، وكاد أن يطاح به من جديد عند وصول النقاش الى النقطة المتعلقة بتفاصيل البيان الذي ينبغي للحريري قراءته أمام وسائل الاعلام.
كانت المملكة ترغب بصياغة بيان يقارب بيان الاستقالة وان بشكل أقل حدة، لا سيما ما يتعلق منها بتسمية «ايران»، و«حزب الله» بشكل مباشر. الا أن النص المقترح لاقى معارضة لبنانية لأن النص يتعارض والاتفاق الذي حصل حول اعلان الحزب بشكل رسمي عدم ارسال سلاح الى اليمن. الرفض اللبناني واسبابه الموجبة تقاطع مع الموقف الفرنسي التي اعتبرته «منطقياً وموافقا لروح الاتفاق المبدئي». وهنا تدخل الرئيس بري من جديد عارضا «تفعيل» صيغتي «الاجماع العربي» و«النأي بالنفس» كصيغة توافقية اعتمدت في كثير من الحالات. صاغ الرئيس بري والرئيس عون البيان وارسل الى فرنسا التي عرضته على المملكة. وبعد ساعات اعلنت المملكة موافقتها على البيان بعد الطلب من ادخال تعديلات طفيفة تعلقت بتأخير شكر الرئيس بري الى ما بعد شكر الرئيس عون والشعب اللبناني.
وبحسب المصادر فان الرئيس بري ابتسم عندما قرأ التعديل معلقا: «بدنا ناكل عنب مش نقتل الناطور» مضيفا« واذا بدكن ما تذكرونيش منوب» ( اذا اردتم ان لا تذكروا اسمي مطلقا فلا مشكلة).
وهكذا، خرج الرئيس سعد الحريري اليوم قارئا بيان « التريث بتقديم الاستقالة بناء على طلب رئيس الجمهورية» فيما يبدو أنه «سلم» قدمه الرئيس بري، كعادته، للمملكة السعودية للنزول عن الشجرة التي صعدت اليها.
د.محمد محمود مرتضى ( باحث واكاديمي لبناني)
وكالة أنباء آسيا