إختبر حسين غزال (12 عاماً) الوجه الآخر للحياة باكراً جداً، كان عليه ان يواجه هذا المرض ويخوض غمار المعركة بساعديه الصغيرين. كانت آلامه تقوى على جسده الصغير، لم يكن يفهم هذا الوجع متنقلاً من مستشفى الى آخر. تعب حسين كثيراً، كانت آلامه تهدأ قليلاً لتعود بعد 3 أيام مجدداً، لم يعد ظهره يتحمل كل هذا الحمل وكانت الصدمة الكبرى: حسين يعاني من سرطان في الدم.
ليس سهلاً ان تسمع ذلك، وليس سهلاً ان تخبر صبياً لم يتجاوز العاشرة من عمره بأنه مصاب بالسرطان. كان الوضع صعباً والحقيقة أصعب. على حسين ان يواجه مرضاً لا يعرف عنه الكثير، ما زال صغيرا على خوض معارك شرسة والمكابرة بوجعه وتحمل حقن الإبر والعلاج الطويل… رحلة طويلة كان عليه ان يمضي بها بكل محطاتها، هل هو على استعداد لذلك؟ ربما ليس تماماً، لكنه كان مدافعاً قوياً، وهو اليوم اجتاز نصف الطريق ولم يبقَ إلا القليل القليل.
عندما تطأ قدماك مركز سرطان الأطفال تشعر برهبة غريبة، لا يمكنك ان تصف مشاعرك، هي مزيجٌ من كل شيء. ترى عيونهم تلمع رغم لون وجوههم الشاحبة. متعبون لكنهم فرحون. يضحكون، يرقصون ويلعبون، لا يشعرون بثقل الوقت هناك. كلهم أمل، ينقلون اليك ذلك من دون ان تشعر وكأنها عدوى متنقلة في مركز يعج بالألوان والفرح. وبين هؤلاء الأطفال كان هناك حسين جالساً مع والده يلعب، جلستُ بقربه على تلك الطاولة الصغيرة التي يرسمون عليها احلامهم، وفي تلك الصالة الصغيرة روى لي قصته بلغته البسيطة والعفوية.
كنتُ خائفاً ومرتبكاً
عيونه تقول الكثير وتخفي وراءها الكثير الكثير. يبتسم بخجل لينطلق بعدها في مشواره مع السرطان، هكذا بدأ كل شيء. “فجأة بدأ يشعر بألم في ظهره، كنتُ آخذ دواءً، لكن ما إن تمضِ 3 ايام حتى يعاود الألم مجدداً. كنتُ اذهب الى المستشفى، التشخيص الاول كان خاطئاً، زرنا أكثر من طبيب قبل ان يتمّ تحويلي الى مركز سرطان الأطفال لبدء رحلة أخرى مع مرض مختلف عن الربو كما قيل لي اولاً”.
يتحدث حسين بلغة واثقة وبريئة، يقول “انا في المركز منذ سنتين ونصف، اتعالج من الورم حتى أشفى. اردد دائماً انني سأتغلب عليه، لقد قطعت شوطاً كبيراً ولم يعد عندي سوى نصف سنة من العلاج. كان كل شيء صعباً في البداية، كنتُ انزعج من العلاج. كنتُ اتقيأ وأشعر بتعب، لكن اليوم لم أعد اشعر بهذه المضاعفات والانزعاج. أحياناً أعاني من ارتفاع في الحرارة فأضطر الى المجيء الى الطوارئ لتلقي العلاج والعودة الى المنزل. اذكر جيداً عندما دخلت الى المركز، كنتُ خائفاً ومرتبكاً، اضطررت الى البقاء هناك شهراً كاملاً ومن ثم بدأت الحضور الى المركز مرة في الأسبوع لتلقي العلاج”.
يبدأ حسين نهاره في المركز من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، يخضع لفحص الدم للتأكد من مناعته قبل تلقي العلاج. لا يُخفي حسين انه كان يبكي ويخاف عندما يحقن، لكنه سرعان ما اعتاد ذلك. أصبح قوياً وواعياً لكل ما يجري. كانت الفترة الاولى من العلاج صعبة عليه، كان بحاجة إلىبعض الوقت قبل ان ينطلق في مشواره العلاجي. يجتاز مسافة طويلة للوصول الى المركز، من الجنوب الى الحمرا يقطع حسين كل هذه المسافة لينتصر على مرضه. هذا الحلم الصغير بدأ يكبر معه، لاسيما بعد تجربته هذه، حسين اليوم يريد ان يصبح طبيباً لينقذ حياة باقي الأطفال. كلماته الصغيرة تجعلك مسمّراً في مكانك، كبر كثيراً على عمره، وقريباً ستصبح هذه المرحلة ذكرى في حياته.
(ليلى جرجس – النهار)