رأى رئيس “لقاء علماء صور” ومنطقتها العلامة الشيخ علي ياسين العاملي في تصريح له “أن قرار الرئيس الامريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي الغاصب، وضع الأمتين العربية والإسلامية أمام دورهما الذي كان يجب أن يقوما به منذ سبعين عاما، مؤكدا “أن الامة يجب أن تتوجه لخيار المقاومة لأنه الخيار الوحيد الذي يسترد الأرض ويحميها من المشروع الصهيوأمريكي”.
وشدد على “ضرورة اجراء الانتخابات النيابية في وقتها، مطالبا الشعب اللبناني “بالتعبير عن خياره الحر واستبعاد كل من يمثل بقراراته غير الشعب اللبناني، وكل من ثبت أنه عثرة في طريق الإصلاح والنهوض بهذا البلد”.
واستغرب” سعي بعض الافرقاء السياسيين في البلد لتوتير الأجواء عبر شد عصب يخدم انتخابهم المستقبلي، في حين “أن المطلوب هو التعاون لخدمة المواطن المحروم من كثير من ضروريات الحياة، بسبب الهدر والسرقة في الدولة، مشددا “على ان النهوض بالبلد لا ينقصه المال لانه موجود من الضرائب المفروضة على الشعب اللبناني، والتي لا مثيل لها في العالم، بل تنقصه الامانة وحسن الادارة”.
وختم ياسين “مطالبا بمضاعفة الجهود والتعاون الدولي للتخفيف من أزمة النازحيين السوريين واستثمار فرصة إعادة البناء في سوريا بعد انتصارها على الارهاب لخدمة الاقتصاد اللبناني، مشددا على “ضرورة تفعيل العلاقات الاخوية اللبنانية السورية لخدمة البلدين” .
خطبة الجمعة ” الدّنيا والآخرة ”
فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 19- 1-2018م مدينة صور]
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ”
خلق الله سبحانه الإنسان، وأمره بعبادته وطاعته؛ فأمره بأمور ونهاه عن أخرى على نحو الإلزام، وأمره بالاستقامة ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ “، وأعطاه القدرة على معالجة مشاكله في دار الدنيا، وابتلاه بكثير من البلاءات الخاصة والاجتماعية، قد يجد الإنسان مشقة في الفعل أو الترك لكثير من الأمور، فيواكب تلك القضايا بالصبر فيأتي بالطاعة مهما كان فيها مشقة، ويترك ما تشتهيه نفسه ويميل إليه قلبه طاعة لله تعالى، وإن أصابته مصيبة فلا يجزع ولا يتضجّر أو يتأفف، فيستقيم أمام المشاكل والحوادث المختلفة ولا يستسلم للتحديات الاجتماعية، فيبقى ثابتاً في طريق معرفة الله وطاعته .
إنّ الشريعة أكّدت على الصبر وأنّ للصابر درجة عظيمة ومرتبة رفيعة، وقد عرّفوا الصبر بأنه حبسٌ النفس على طاعة الله واجتناب معاصيه والتسليم بقضائه وقدره، ورد عن رسول الله (ص): الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية. فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش . وقال أمير المؤمنين (ع): الصبر من خلل الإيمان، وأشرف خلائق الإنسان .
فإذا تحمّل الإنسان المصائب ولم يجزع وقاوم النفس والشهوات ولم يعصِ الله سبحانه وأدّى الطاعات وتحمّل تبعاتها ولم يضجر ولم يتوانَ مهما كانت شاقّة؛ فهو الصابر الذي تحدّثت عنه الآيات والروايات، تبشّره بالدرجة الرفيعة والمكانة العالية، قال تعالى ” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” وقال تعالى ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” وعن رسول الله (ص): إنّ النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإنّ مع العسر يسرا . وعنه (ص): من تصبّر يصبّره الله ، ولن تعطوا عطاء خير وأوسع من الصبر . وعن أمير المؤمنين (ع): صبروا أياماً قليلة أعقبتهم راحة طويلة . عن الإمام الصادق (ع): لو يعلم المؤمن ما له من المصائب؛ لتمنّى أن يُقرض بالمقاريض .
الصبر ثلاثة أنواع:
1- صبر على المصيبة: إذا فقد عزيزاً أو أتلف ماله، أو هدمت داره؛ فإنّه يتمالك نفسه ولا يجزع، فيحافظ على إيمانه وتوازنه، اتكالاً على الله وطمعاً بما عند الله ورجاءً لما وعد الله به الصابرين المُحتسبين، فلا يصدر منه ما يُنقص من أجره ومنزلته عند الله، فلا يولول ولا يقول إلاّ ما يُرضي الله سبحانه، عن الإمام الباقر (ع): الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة . وعن الإمام الصادق (ع): من ابتلى من المؤمنين ببلاء؛ فصبر عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد .
إنّ السيدة زينب(ع) حافظت على رباطة جأشها، وجلست عند جسد عزيزها الحسين (ع) وناجت ربّها بكل رباطة جأش قائلة: اللهم تقبّل منّا هذا القربان . وبكل كبرياء الإيمان قالت لعدوّها: ما رأيتُ إلاّ جميلاً . وقالت ليزيد: كد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فإنّك والله لن تمحو ذكرنا، ولن تُميت وحينا . فلم تظهر الضعف والاستكانة أمام الأعداء، وكانت تشكو همّها إلى الله سبحانه .
2- الصبر على الطاعة: فإنّ بعض الطاعات قد تتطلب من المؤمن جهداً ومشقّة، أو أن يبذل مالاً أو يقدّم نفسه، أو يُضحّي بعزبز، فيُقدم على ذلك بكل صدقٍ مع الله، وبدون تردّد، كما قدّم الحسين (ع) نفسه وأهل بيته، وكما امتثل خليل الله إبراهيم بإقدامه على ذبح ولده اسماعيل؛ الذي صبر على امر الله وقال لأبيه ” يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ” رغبة بما عند الله وخوفاً من عقابه، عن أمير المؤمنين (ع): إنّا وجدنا الصبر على طاعة الله أيسر من الصبر على عذابه .
3- الصبر عن المعصية: إنّ نفس الإنسان أمّارة بالسوء، وقد تدفع صاحبها لتلبية حاجتها فتغريه وتخدعه وتُحبّب له المعصية، لكنّ المؤمن يبتعد عن المعصية ويتركها ويقاوم اغراءاتها، ويُصبّر نفسه ويُمنّيها بما عند الله سبحانه قائلاً لها: ” مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ” فيمتنع عن الحرام ويصبر، لأنه يرى أنّ نعيم الدنيا زائل، ولذّة الدنيا لا تبقى، فهي [تذهب لذّتها وتبقى تبعتها] مُهتدياً بقول أمير المؤمنين (ع): ما لعلي ونعيم يفنى ولذة لاتبقى !!.
فالإنسان المؤمن يتقي الله سبحانه ، ويطيع ربّه، ولا يخالفه، ويصبر طمعاً بما عند الله سبحانه، عن الإمام الكاظم (ع): اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله؛ فإنّما الدنيا ساعة . والصبر بأنواعه الثلاثة؛ يُعطي الإنسان عزيمة وثباتاً وطمأنينة، عن رسول الله (ص): علامةُ الصّابِرِ في ثلاثٍ: أوّلها أنْ لا يَكْسَلَ، والثانيةُ أنْ لا يضجرَ، والثالثةُ أنْ لا يشكو من رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، لأنّهَ إذا كَسِلَ فَقَدْ ضَيَّعَ الحُقوقَ، وإَذا ضَجِرَ لَمْ يؤدِّ الشُّكْرَ، وَإِذا شَكا مِنْ رَبِّهِ عزّ وجلَّ فَقَدْ عصَاهُ .
وقال الشاعر:
أصبر قليلا فبعد العسر تيسير *** وكل وقت له أمر وتدبير
وللمهيمن في حالاتنا قدر *** وفوق تدبيرنا لله تدبير
فإذا رجعنا إلى كتاب الله سبحانه وروايات أهل بيت النبوة (ع)؛ نجد أنّ الصبر من أشرف الأخلاق الإنسانية، والذي يتحلّى بالصبر هو من أشرف الناس وأعظمهم أخلاقاً، ولذا أكثر الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، لأنّ الصبر صفة تدل على كمال الإنسان، عن الإمام الصادق (ع): لا ينبغي لمن لم يكن صبوراً أن يُعدّ كاملاً . وفي الحديث: سأل رسولُ الله (ص) جبرائيل (ع): يا جبرائيل فما تفسير الصبر؟ قال: تصبر في الضراء كما تصبر في السراء، وفي الفاقة كما تصبر في الغنى، وفي البلاء كما تصبر في العافية، فلا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء .
وقد يُقال للصابر مُتصبّراً، في الحديث؛ سئل الإمام الصادق (ع) عن الصابرين المتصبرين قال: الصابرون على أداء الفرائض، والمتصبرون على اجتناب المحارم .
والصبر يُقوّي اليقين بالله، وبه يكمُل إيمان المرء، عن أمير المؤمنين (ع): أصل الصبر حسن اليقين . وعنه (ع): الصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور . وقال (ع): أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج . وعن رسول الله (ص): الإيمان نصفان؛ نصفٌ في الصبر، ونصفٌ في الشكر . وقال علي (ع): أيها الناس عليكم بالصبر؛ فإنّه لا دين لمن لا صبر له . وعن الإمام الصادق (ع): الصبر يعقب خيراً، فاصبروا تظفروا . وعنه (ع): كم من صبر ساعة قد أورثت فرحا طويلا ، وكم من لذّة ساعة قد أورثت حزنا طويلا . وعن الإمام السجاد (ع): ما من جرعة أحب إلى الله من جرعتين؛ جرعة غيظ يردها مؤمن بحلم،وجرعة مصيبة يردها مؤمن بصبر . وعن الإمام الجواد (ع): توسّد الصبر واعتنق الفقر وارفض الشهوات وخالف الهوى . وعن الإمام الهادي (ع): المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان . وقال رسول الله (ص): العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيّمه، واللين أخوه، والرفق والده، والصبر أمير جنوده . وقال علي (ع): إنّك لن تُدرك ما تُحب من ربّك إلاّ بالصبر عمّا تشتهي . وعنه (ع): صابروا أنفسكم على فعل الطاعات، و صونوها عن دنس السيئات تجدوا حلاوة الإيمان .
قال تعالى ” وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ” وقال سبحانه ” وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” وقال عزّ من قائل “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ “.
الإنسان الذي لا يصبر يخسر في الدنيا والآخرة، ” وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ” قال أمير المؤمنين (ع): إنَّك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجورٌ، وإن جَزِعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزورٌ .
وبالصبر مع التقوى تنتصر الأمة، قال تعالى ” اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ” إذ ليس بعد الصبر إلاّ النصر، قال تعالى ” وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ” وقال تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ “، ولكي يُحقّق الإنسان ما يطمح إليه لا بد له من الصبر، لأنّ الدنيا دار مجاهدة ودار بلاء ودار عمل وسعي، فلا بد له من الصبر ليُحقّق مراده، والله يُعينه لأنه سبحانه معه ” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” .
حقّق الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (رض) حلم الأنبياء بقيام جمهورية إسلامية، لأنّه صبر ووقف في وجه الشاه الطاغوت حتى أسقطه، ولولا الصبر لما انتصرت المقاومة في لبنان، والشعب الفلسطيني ليس له إلاّ الصبر على مواجهة الاحتلال الصهيوني، والثبات على طاعة الله سبحانه، وسيكون اليوم الذي يتعافى فيه العالم من هذا السرطان الصهيوني قريباً – إن شاء الله -، وتعود القدس حرّة مُطهّرة من رجس الصهاينة، الذين لم يتركوا إرهاباً إلاّ مارسوه، ولا منظمة إرهابية إلاّ دعموها، وستبقى كلمة الله هي العليا وكلمة أعدائه هي السفلى، وسيتحقّق وعد الله بالنصر للصابرين المُتّقين المُرابطين ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ”
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .
تصوير رامي أمين