رأى رئيس لقاء علماء صور ومنطقتها العلامة الشيخ علي ياسين، في تصريح اليوم، ان “قضية التطبيع المستشرية هذه الأيام في العالم العربي، وتظهر بوادرها في الأوساط الثقافية والفنية في لبنان وإن كان بشكل فردي، يجب ان يتم وقفها”، مؤكدا ان “اي شكل من اشكال التطبيع هو خيانة للوطن واستهانة بدماء الشهداء التي حصنت لبنان”.
وأشار ياسين إلى أن “الفساد المالي المستشري في تفاصيل الدولة، هو نتيجة حتمية لسوء الاختيار الانتخابي الذي أنتج فسادا سياسيا محميا بنتائج انتخابات على قياس الزعماء الفاسدين الذين يشكلون خطرا على انجازات لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته”.
من جهة ثانية، أشاد العلامة ياسين “باستمرارية الانتفاضة الفلسطينية المباركة ضد العدو الصهيوني ورفضا لكل قرار جائر يؤدي إلى سلب المقدسات والحقوق الفلسطينية”.
وطالب “بضرورة إيجاد حل للحرب في اليمن، وترك الشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه دون تدخل من أحد”.
خطبة الجمعة ” الصّدق ”
فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 26- 1-2018م مدينة صور]
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ”
الصّدق رأس الفضائل، ومن أجمل الصفات المحمودة التي تُزيّن الإنسان، وهو من الضروريات التي يتوقّف عليها النظام العام، وبالصدق يعيش الناس بأمان، فهو عماد الأخلاق، عن رسول الله (ص): عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا .
والصدق منجاة في الدنيا والآخرة، وهو في القول مطابقة القول للواقع، وفي الفعل مطابقة فعل الشخص لما يعتقده، فالصدق أصل الفضائل، وجامعٌ لكل صفات البر، والصدق من سمات الأنبياء والمرسلين، فالنبي محمد (ص) كان لقبه في الجاهلية [الصادق الأمين]، ويتحدّث القرآن عن خليل الله إبراهيم (ع) بقوله تعالى “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا “ويقول سبحانه عن اسحاق ويعقوب” وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ” ومدح اسماعيل بقوله تعالى ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ” وقال تعالى عن إدريس “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ” .
ومرتبة الصدق تأتي بعد مرتبة النبوة، قال تعالى ” وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ” إذ لا يمكن أن تنتظم أمور الحياة وتستقيم إذا انعدم الصدق، لأنّ الصدق أصل البر والكذب أصل الفجور، كما في الحديث الشريف: عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذّاباً .
والصدق يورّث رضا النفس، وراحة الضمير والطمأنينة، ويكفيه الثناء في الملأ الأعلى [يُكتب عند الله صدّيقاً] ويفوز بالجنة ” هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” ويفوز بمنزلة الشهداء، في الحديث: مَنْ سأل الشهادة بصدق؛ بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه .
والصدق من أبرز صفات المتّقين، قال تعالى ” وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ” وعن رسول الله (ص): تقبلوا إلى ست خصال؛ أتقبّل لكم بالجنة: إذا حدّثتم فلا تكذبوا، وإن وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم .
والصدق من ضروريات الحياة الاجتماعية والفردية، وهو نظام عقد المجتمع السعيد والمسالم، وهو العمود الفقري للمجتمع المُعافى السليم من الأحقاد والمنازعات، والصدق في الإخبار والأقوال لا يكفي ليُكتب الإنسان صادقاً؛ بل لا بد من الحفاظ على أقسام الصدق، والتي أهمّها الصدق مع الله تبارك وعلا؛ بتنفيذ أوامره ونواهيه بنيّة صادقة مُخلصة، قال تعالى ” فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ” الصدق مع الله في كلّ الأحوال والنيّات ” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ” .
وإنّ الصدق بالقول أن يحفظ اللسان؛ فلا يُخبر بغير الواقع، فلا ينطق إلاّ بالواقع والحق، عن رسول الله (ص): ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت .
والصادق يصدق في أعماله، فتكون أعماله الظاهرة والبيّنة ترجمةً لما يُبطنه ويخفيه وينويه، فتكون علانيته صورةً عن سريرته، فيُتقن عمله ويؤدّي الحقوق كاملةً بكل نصح وبدون غش ولا خداع ولا ظلم، طاعة لله سبحانه ورغبةً في ثوابه وخوفاً من عقابه، فيعزم على الخير دائماً ويبتعد عن الشر، ليكون مصداقاً لقوله تعالى ” رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ” فيثبت على طاعة الله في العبادات والمعاملات، قال تعالى ” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ” هذه الآية المباركة ذكرت العلامات الأساسية للمؤمنين الصادقين ليصلوا إلى مرتبة التقوى: الإيمان بالله وملائكته وبما جاء به رسله، والإيمان باليوم الآخر، وإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، والانفاق في سبيل الله، والوفاء بالعهد، والصبر على كلّ حال في البأساء والضرّاء، وصدق العقيدة، وولاية أهل بيت النبوة (ع)، قال تعالى للمؤمنين المتقين ” وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ “، في الحديث لمّا نزلت آية ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ” قال سلمان: يا رسول الله هذه عامة أم خاصّة؟ فقال (ص): أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة . ويروي الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل عن عبد الله بن عمر في ذيل عبارة ” وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” قوله يعني محمداً وأهل بيته عليهم السلام . وروى مثل ذلك كالحويني وغيره عن الإمام الباقر (ع) بعبارات مختلفة ولها نفس المؤدّى [ مع محمد – أو مع محمد وآله – أو مع محمد وعلي ] .
وهذه من الآيات الدالة على عصمة أهل البيت (ع)؛ إذ أنّ غير المعصوم قد يُخطيء، فلا يُعقل أن يأمرنا الله بالكون مطلقاً مع من اتصف بالصدق دون العصمة، يقول الفخر الرازي: إنّ هذه الآية تدل على عصمة «الصادقين» حيث يقول: أن قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ) أمر لهم بالتقوى، وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقياً، وإنّما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فهذا يدل على أنّه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كل الأزمان ثم يقول: نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان .
لو أنّ الأمة أطاعت النبي (ص) وثبتت مع الصادقين ووالتهم؛ لعاشت البشرية العدل والسعادة، لكنّ الظلم والكذب الذين عاشتهما الأمة؛ أبقيا أيدي الصادقين خالية، وتولّى أمر الأمة الظالمون الذين عاثوا في الأرض فساداً وضيّقوا على الصادقين من أهل بيت النبوة (ع)، وقتلوهم بالسيف وبالسم، حتى اضطر آخرهم أن يغيب عن العيون منتظراً أمر الله بالفرج، حتى لا تخلوا الأرض من قائمٍ لله بحجة، فالصادقون يوصي السابق منهم اللاحق حتى قيام الساعة، وهذا ما قاله النبي (ص) جواباً لسلمان الفارسي: الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة .
ولا يمكن أن يكون المعصوم هو مجموع الأمة أو الأمة مجتمعة – كما ادعى الفخر الرازي الذي سلّم بوجود المعصوم في كلّ زمان – لأنّ الأمة لم تجتمع يوماً في حياتها على أمر، فلا بدّ وأن يكون المعصوم من نؤمن به لكنّه اضطر للاحتجاب عن الناس وأوكل الأمر للعلماء المجتهدين العدول ليحافظوا على الدين ويرشدوا الناس ويتولوا أمرهم بالنيابة عنه (عج) .
الصدق أم الفضائل وأصلها، والكذب أم الرذائل وأصلها، فلو ساد الصدق؛ لساد العدل وانسدت أبواب الفساد بترك الكذب بأنواعه، في الحديث: جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال له: يارسول الله إنّي إرتكبت في السّر أربع ذنوب، الزّنا وشرب الخمر والسّرقة والكذب، فأَيّتَهُنَّ شِئتَ تَركتُها لك، (لم يكن يريد أن يقلع عنها أجمع، وإكراماً للرّسول يريد أن يقلع عن واحدة فقط؟!. فقال له الرسول (ص): دَع الكَذِبَ. فذهب الرجل، وكلما أراد أن يهمّ بالخطيئة، يتذكر عهده مع الرسول (ص)، ويقول ربّما سألني، وعليّ أن أكون صادقاً في الجواب، فيجري عليّ الحدّ، وإن كذبت فقد نقضت العهد مع الرسول (ص)، ممّا إضطّره أخيراً لتركها أجمع. فرجع ذلك الرجل للرسول (ص) وقال له: قَدْ أَخَذتَ عَليَّ السَّبِيلَ كُلَّهُ فَقَد تَركتُهُنَّ أجمع .
ولن تستقيم الأمور حتى تصدق الأمة مع ربّها ونبيّها؛ فتوالي أولياء الله وتعادي أعداء الله، فمن عاش الصدق في قوله وفعله وعقيدته فهذا الصادق مع الله ورسوله، ينصره الله في الدنيا ويوفّقه للتمهيد لولي الأمر (عج)، فيعيش في الدنيا سعيداً منتصراً، وفي الآخرة رضوان من الله أكبر . أمّا من عاش الكذب مع الله ورسوله (ص) – والعياذ بالله -، ومارس هذا الكذب في حياته الدنيا، ورهن نفسه وبلاده لأعداء الله؛ فإنّه يعيش في الدنيا الذل والهزيمة، وفي الآخرة عذاب شديد، لأنهم عاشوا الكذب ومارسوه، والمجتمع الذي يجاريهم؛ ينتشر فيه المكر والخداع والكذب والاحتيال، وهذا ما حذّر منه رسول الله (ص) حين قال: سيأتي على الناس سنوات خداّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة . قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ .. قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
لقد ضيّعت الأمة دينها، ولم تكن صادقة مع ربّها، فتولّى عليها شرارُها، واستولوا على مقدّراتها، وأرهقوا الشعب بالضرائب والرسوم، فسرقوا أموال الخزينة يتلزيم المشاريع أضعافاً مُضاعفة، في أغلبها تُصرف للمسؤولين وحواشيهم، ويُعطى الملتزم ما لا يكاد يكفي العمل، فيتم المشروع فاقداً لجل المواصفات المطلوبة، حتى رزح البلد تحت نير الديون المستمرة في تراكمها، لتصل 80 مليار دولار، وكثيرون قبل الحكم كانوا متوسطي الحال؛ فصاروا أصحاب مليارات، والشعب يرى ويعلم، وسيحاسب الله سبحانه الشعب على سكوته وخضوعه لحكّامٍ تقاسموا كلّ شيء، حتى وصل الأمر في التقاسم على الوظائف ما فوق الفئة الثالثة والرابعة، وهذا يُسهم في تجذير الروح الطائفية في تفاصيل الشعب، ويُغذي التقسيم الطائفي المقيت في الوظائف، لأن مَنْ يرى نفسه مُستحقّاً للوظيفة لا يُعطاها، وقد تبقى شاغرة لانعدام مثيلٍ له من طوائف أخرى؛ عملاً بقاعدة 6 و 6 مكرّر، هذه القاعدة التي تُسبّب الغبن لكثير من أبناء الوطن، إذ المفروض أن تكون الوظيفة على أساس الكفاءة [الرجل المناسب في المكان المناسب]، حتى لا تنموا روح الطائفية وتعود الخلافات والصراعات .
على أبناء الشعب أن يحسنوا الاختيار ويُحاسبوا من يولّوهم الأمر، ولا يُستهان بتكرار الأخطاء الإنتخابية، لأنّ المجلس الحالي بلا حسيب وبلا رقيب، ولم يكُن جاداً إلاّ في التمديد لنفسه، هذا التمديد الذي نخشى اليوم أن يتكرّر ويتجدّد؛ كما تشي الخلافات والمناكفات الحالية بين المسؤولين، الباحث كل منهم عن مصلحته الانتخابية على حساب الوطن والمواطنين .
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .