عباس عطية
“أهلًا بالاحتباس الحراري. نحن بحاجة إليه لنوزع الدفء على الأماكن الباردة”
– من تغريدةٍ للرئيس الاميركي “دونالد ترامب” على موقع تويتر.
في النقاش الدائر حول الاحتباس الحراري، يرى العلماء أنّ الغازات الدّفيئة في الغلاف الجوي المسؤولة عن امتصاص الأشعّة تحت الحمراء التي تقوم الأرض بإشعاعها أو عكسها، ممّا يقلل من كميّة الطاقة الحراريّة المفقودة من الأرض وبالتالي زيادة درجة حرارة الأرض، قد زادت نسبتها بسبب الملوثات الطبيعية (كالبراكين وغيرها) أو الملوثات الصّناعية الناتجة عن سلوك الإنسان، كاستخدام الوقود الأحفوريّ في الصّناعة والنشاطات اليومية بشكل يفوق قدرة استيعاب الأرض وقدرتها على معالجة الانبعاثات التي تنتج عن هذه الغازات، ممّا سيؤدّي إلى ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحار وازدياد نسبة التصحّر…
من هنا بدأت الدول الكبرى باستشعار الخطر بعد سلسلة نداءات استغاثة من العلماء والمنظّمات الدولية والبيئية، وبعد كثير من الأخذ والرد تمّ الاتفاق في مؤتمر بيئيّ عرف فيما بعد بـ “مؤتمر باريس للمناخ” على سلسلة إجراءات للحدّ من الاحتباس الحراري، أهمّها الحدّ من انبعاثات الغازات الدّفيئة (CO2 وغاز الميثان)، الذي يعني خفض الانتاج الصناعي لدى الدول الموقّعة. اللّافت في الاتّفاق كان مشاركة الدول النامية في المؤتمر، على أن تقوم الدول الصناعية بتقديم دعم ماليّ يبلغ ١٠٠ مليار دولار كحد أدنى لهذه الدول من أجل تنفيذ الاتفاق.
عقب اعتلاء “دونالد ترامب” سدّة الرّئاسة مطلع العام ٢٠١٧، قام بسلسلة إجراءاتٍ شكّلت صدمةً بالنّسبة للمجتمع الدولي، من ضمنها انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ.
النقطة الأساس في القرار الاميركي حول الاتّفاقية ليست، كما يحاول البعض أن يشيع، مجرّد ترفٍ فكريّ أو قرارًا متعجرفًا لإمرار رسالةٍ معيّنة للعالم.
على العكس تمامًا، فالموضوع من وجهة نظر ترامب يأخذ منحيين رئيسيّين يتعلّقان بالموازنة التي وعد بها قبيل انتخابه، والّتي بفضلها أصبح اليوم سيّد البيت الأبيض. البنود الأهمّ في موازنة ترامب كانت خفض الضرائب، سواء الضّرائب التي تستهدف الشعب بشكل مباشر أو تلك المتعلّقة بالشركات الصناعية والمالية، ومن الطبيعي —تبعًا للقاعدة الاقتصاديّة— أن تترافق زيادة الإنتاج مع خفض الضرائب، وهنا تكمن النقطة الأساس: إذ أنّ زيادة الإنتاج تعني بالضرورة زيادةً في انبعاثات الغازات السامّة التي تنص الاتفاقية على الحد من انبعاثها.
النقطة الثانية تتعلّق بالالتزامات الماليّة للدّول الصّناعية تجاه الدول النامية المشاركة في الاتّفاق، والتي سترتّب على الولايات المتّحدة مزيدًا من الانفاق على المساعدات الماليّة، الأمر الذي نسفه ترامب أيضًا في موازنته، وذلك عبر فرض اقتطاعاتٍ ضخمة من ميزانيّة المؤسّسات البيئيّة ووزارة الخارجية والعون المسؤولة عن تقديم المساعدات للدول النامية.
لقد وظّف ترامب ومموّلو حملته الانتخابيّة ملايين الدولارات في الإعلام من أجل دحض نظريّة أثر الانبعاثات السّامّة في الاحتباس الحراريّ، ووصل بهم الامر لشراء علماء مرموقين من أجل دعم هذه النظريّة، حتى بات الشّعب الاميركي مقتنعًا بغالبيّته بعدم وجود احتباس حراريّ وأنّ الأمر محض دعايةٍ من الدّول المنافسة للحدّ من التفوّق الصناعيّ الأميركيّ. من هنا نستنتج أنّنا أمام رجل يمثّل أبشع تجلٍّ للإمبرياليّة، رجلٌ أظهر الوجه الحقيقيّ لإدارة مستعدّةٍ للمقامرة بمستقبل الجنس البشريّ والحياة على كوكب الارض مقابل حفنة من الدولارات تجنيها من مشاريعها القذرة.