أشار رئيس لقاء علماء صور ومنطقتها العلامة الشيخ علي ياسين العاملي إلى أهمية ملف الانتخابات، وأن يتحمّل المواطن مسؤوليته وأن يكون اقتراعه نابعاً من حس المسؤولية اتجاه وطنه وقضاياه المحقة، وفي مقدّمتها السيادة، وأن يشترط على ممثليه المحاسبة والمحافظة على المال العام، وأن يطالبه ببرامج ومشاريع وقوانين تسهم في نهضة الوطن وتحصيل الحقوق .
كلام العلامة ياسين جاء ضمن خطبة الجمعة 16-3-2018م بجامع الدينية في مدينة صور، حيث لفت إلى أنّ التهديد الأمريكي الحالي المباشر بعد عجز أدواته الصهيونية والتكفيرية، سيطال لبنان كما المنطقة برمتها، وهذا يجب أن يدفعنا للتمسّك بعوامل القوة على المستوى الداخلي وبعوامل الممانعة على المستوى الإقليمي .
وندّد العلامة ياسين بالصمت الدولي المطبق على ما يجري من مجازر وتدمير باليمن الجريح، وما يطال الأحرار في البحرين من تنكيل واعتقالات تعسّفية .
وفي الشأن الفلسطيني طالب العلامة ياسين الشعب الفلسطيني إلى التلاحم والتوحّد خلف خيار المقاومة والانتباه لما يحاك من خلف الكواليس المخابراتية لشق الصف الفلسطيني ولو من خلال بعض التفجيرات التي تطال بعض المسؤولين .
خطبة الجمعة [ تـزكِيةُ النّـفس] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 16- 3-2018م مدينة صور]
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾
خلق الله سبحانه الإنسان ليكون خليفة له في الأرض، وأعطاه عقلاً، وفطره على حب الخير والهدى، وخلق فيه شهوات، لها وظيفة مهمّة في حياته، وأودع في نفسه صفات؛ إنْ صلحت كانت خيراً عليه وعلى مجتمعه، وإنْ فسدت كانت وبالاً عليه وعلى مجتمعه، قال تعالى ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ” كما وأودع فيه فطرةً تُرغّب له فعل الخير والإحسان والصدق، يهتدي بها من خلال العقل إلى الحق، وأودع فيه شهوات تُرغّب له الطعام وترغّب الرجل والمرأة ببعضهما، وهاتان الرغبتان ضروريتان للحفاظ على الحياة واستمرار الجنس البشري، وحبّب إليه محاسن الصفات؛ من تواضع – شرط عدم إذلال نفسه -، والعزة – بلا تكبّر – وزوّده بمكارم الأخلاق، ونهاه عن السيّء منها؛ ليستحق خلافة الله على الأرض، وذلك بتحقيق منهج الله على أرضه، تأكيداً لعدالة الله ورحمته وحكمته، وقد فضّل الإنسان الذي يغلب عقله شهوته على الملائكة، وجعل له المقام الأعلى بين أصناف المخلوقات [الملائكة–الإنسان–والحيوان]، فخلق الله الملائكة مجرّدين عن الشهوة والغرائز، فقط زوّدهم بالعقل، فلا يعيشون حالة الضغط الغرائزي، فهم يعيشون كما أرادهم الله سبحانه إلى يوم القيامة، والحيوان خلقه الله بشهوة وغريزة فقط، دون عقل؛ فيتحرّك كما تحرّكه غريزته وشهوته، فلا حساب عليه ولا عقاب، إذ لا عقل، أمّا الإنسان فقد خلقه الله سبحانه بعقل وشهوة؛ عقله يرشده إلى الفطرة والخير، وشهوته تشدّه نحو رغباته ونزواته، ففي الإنسان عقل ملائكي وغريزة حيوانية، يتصارعان في الحياة، يقول أمير المؤمنين (ع): إذا غلب عقل الإنسان شهوته كان خيراً من الملائكة، أما إذا غلبت شهوة الإنسان عقله كان الحيوان خيراً منه.
إذاً الغريزة والشهوة إذا استحكمت بالإنسان وغلبت العقل يتحوّل إلى حيوان مفترس، فيُسقط كل المحرّمات، هذا قابيل ابن آدم مع بداية الخلق أصغى لغريزته، فنسي حكم الله، لأن حب الدنيا إنْ ملأ قلب إنسان أنساه الله، لكنّ هابيل الذي غلب عقله على غريزته منعه حب الله وخوفه منه أن يمد يده لقتل أخيه، فلو تُركت النّفس وأطلق لها العنان لفسدت وأدت إلى فساد المجتمع، وانعدم الأمن والاستقرار، وعمّت الفوضى، وتحوّلت المجتمعات إلى بيئة متوحّشة، وابتعدت عن الإنسانية، إذ أنّ تزكية النفس هي المقياس الحقيقي الذي يُقاس به حقيقة الإنسان، وهي من أولويات مراحل رقي الإنسان وتحصيله للكمال المعنوي، وتزكية النّفس مُقدّمة لتعليم الإنسان الحكمة، وحصوله على المعارف، قال تعالى ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ “، وإنّ تزكية النفس ليس بالأمر السهل؛ بل يحتاج إلى إيمان قوي، وإرادة جبّارة، في السيرة: إن رسول اللّه (ص) بعث سرية للجهاد، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس. ثم قال: أفضل الجهاد، من جاهد نفسه التي بين جنبيه .
تزكية النّفس وإصلاحها مفتاح سعادة الإنسان، ومن أصلح نفسه تمكّن من معالجة قضاياه، واستخدم ما منحه الله من قوّة ومال وسلطان استخداماً صحيحاً، وعاشت البشرية السعادة، لأنّ المال والثروة والجمال وغيرها إذا كانت تحت تصرّف نفس شرّيرة فاسدة تحكمها الغريزة والشهوة؛ فإنّها تجلب الشقاء والدمار، وما تعانيه البشريّة من مآسٍ وويلات في الحاضر – وعاشته في الماضي – بسبب تغلّب النفس الحيوانية على العقل الملكوتي، لذلك ركّزت النصوص الدينية في القرآن والروايات على ضروب وأنواع مجاهدة النفس وتهذيبها، وأنّ التغيير من السّيّء إلى الأحسن متوقف على تغيير ما في النفس ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ۚ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ” يقول الإمام علي (ع): مَنْ لم يُهذّب نفسه لم ينتفع بالعقل . ولأنّ النفس تُشكّل البنية الأساسيّة للسلوك والعلاقات؛ فإنّ إصلاحها هو المحور في رسالات السماء، وجُعلت درجة إصلاحها مقياساً لاستجابة النّاس للدعوة، وأشار القرآن إلى أنّ زوال النعم وخراب العمران – كثيراً ما يكون – سببه تغيير النفوس وانحطاطها، قال تعالى ” ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “، والإنسان بسوء فعله يُسبّب المصائب لنفسه ” وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ “، فلا يمكن لمصيبة أن تأتي بدون سبب أو بدون حكمة، قال تعالى “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ “، قال تعالى ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ “، ثم إنّ تزكية النفس تفرض على الإنسان أن يتفقّه أولاً في دينه؛ ليعرف ما يجب عليه وما يحرم، فيحمل نفسه على فعل الواجب، ويجبرها على ترك الحرام، وذلك بسلوك طريق تقوى الله سبحانه، يقول أمير المؤمنين (ع): إنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى؛ لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر .ولإنّ السبيل للسعادة والراحة الأبدية هو التقوى، يقول أمير المؤمنين (ع): فإنّ تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم وطهور دنس أنفسكم، وجلاء غشاء أبصاركم .
إنّ التغلّب على النفس الأمّارة يكون بالسعي لاتباع الشّريعة، وأن يراقب الإنسان نفسه، فإذا استعصت عليه في شيء فيه رضا الله سبحانه؛ فليعمل على مُعاقبتها، يقول أمير المؤمنين (ع) في صفة المتّقين: إذا استعصت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب . وعن الإمام الكاظم (ع): ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم: فإن عمل حسناً استزاد الله منها، وإن عمل سيئاً استغفر الله وتاب منها . ولابد للمؤمن أن يتذكّر دائماً الموت؛ حتى لا يتحكّم في قلبه حبُ الدنيا .
وبالخلاصة؛ إنّ تزكية النفس تتمّ باتباع تعاليم الدين، والنيّة الخالصة لله سبحانه، واتباع أوامره ونواهيه، قال تعالى ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا “، روى جابر عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لي: يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلاَّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر، والله ما نتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلاَّ بالعمل الورع . ويقول أمير المؤمنين (ع): عود نفسك فعل المكارم،وتحمل أعباء المغارم، تشرف نفسك، وتعمر آخرتك، ويكثر حامدوك . ومما يُعين على تزكية النفس؛ أن لا يُعاشر أهل السوء، حتى لا يتأثّر بهم، لأنّ الإنسان يتأثر بأقرانه، ولابدّ له من مصاحبة الأخيار، قال الإمام علي (ع): احذر مجالسة قرين السوء؛ فإنه يُهلك مُقارنه، ويُردي مُصاحبه .
وعلى من يسعى إلى تزكية نفسه الابتعاد عن المواطن التي يحتمل أن تضعُف فيها نفسه، ويترك مجالس السوء والفحش، ويبتعد عن المشاهد المثيرة لغرائزه؛ حتى لا يقع في المعصية، يقول أمير المؤمنين (ع): إذا أبصرت العين الشهوة؛ عمي القلب . وعليك يا من تُزكّي نفسك أن لا تترك مجالاً في قلبك لحب الدنيا المذمومة التي تُنسي الآخرة .
نشير إلى أهمية ملف الانتخابات، وأن يتحمّل المواطن مسؤوليته وأن يكون اقتراعه نابعاً من حس المسؤولية اتجاه وطنه وقضاياه المحقة، وفي مقدّمتها السيادة، وأن يشترط على ممثليه المحاسبة والمحافظة على المال العام، وأن يطالبه ببرامج ومشاريع وقوانين تسهم في نهضة الوطن وتحصيل الحقوق .
ونلفت إلى أنّ التهديد الأمريكي الحالي المباشر بعد عجز أدواته الصهيونية والتكفيرية، سيطال لبنان كما المنطقة برمتها، وهذا يجب أن يدفعنا للتمسّك بعوامل القوة على المستوى الداخلي وبعوامل الممانعة على المستوى الإقليمي .
ونندّد بالصمت الدولي المطبق على ما يجري من مجازر وتدمير باليمن الجريح، وما يطال الأحرار في البحرين من تنكيل واعتقالات تعسّفية .
وفي الشأن الفلسطيني نطالب الشعب الفلسطيني بالتلاحم والتوحّد خلف خيار المقاومة والانتباه لما يحاك من خلف الكواليس المخابراتية لشق الصف الفلسطيني ولو من خلال بعض التفجيرات التي تطال بعض المسؤولين.
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين