﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
لقد أطلّ علينا شهر شعبان حاملاً الخير للمسلمين، فقد تشعّبت فيه الخيرات، وله مكانة عظيمة؛ فهو شهر رسول الله (ص)، فقد كان (ص) يصوم نهاره ويقوم ليله، وهو مقدّمة لشهر الله [شهر رمضان] شهر ضيافة الله سبحانه، في الحديث عن رسول الله (ص)، حيث سأله أحد أصحابه فقال له: يا رسول الله؛ لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان . فقال (ص): ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم . وورد عن رسول الله (ص): إنّ الله عزّ وجلّ إذا كان أوّل يوم من شعبان أمر بأبواب الجنّة فتفتح، ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا، ثمّ يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا، ثمّ ينادي مناد ربّنا عزّ وجلّ: يا عباد الله هذه أغصان شجرة طوبى، فتمسّكوا بها ترفعكم إلى الجنّة، وهذه أغصان شجرة الزّقوم فإيّاكم وإيّاها لا تؤدّيكم إلى الجحيم، قال رسول الله (ص): فوالذي بعثني بالحقّ نبيّاً أنّ من تعاطى باباً من الخير والبرّ في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبى، فهو مؤدّيهِ إلى الجنّة، ومن تعاطى باباً من الشرّ في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزّقوم فهو مؤدّيهِ إلى النار. ثمّ قال (ص): فمن تطوّع لله بصلاة في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن، ومن صام هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، (ومن تصدّق في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن)، ومن عفا عن مظلمة فقد تعلّق منه بغصن، ومن أصلح بين المرء وزوجه أو الوالد وولده أو القريب وقريبه أو الجار وجاره أو الأجنبي والأجنبيّة فقد تعلّق منه بغصن، ومن خفّف عن معسر في دَينه أو حطّ عنه فقد تعلّق بغصن، ومن نظر في حسابه فرأى دَيناً عتيقاً قد أيس منه صاحبه، فأدّاه فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّل يتيماً فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّ سفيهاً عن عرض مؤمن فقد تعلّق منه بغصن، ومن قرأ القرآن أو شيئاً منه فقد تعلّق منه بغصن، ومن قعد يذكر الله ونعماءه ويشكره عليها فقد تعلّق منه بغصن، ومن عاد مريضاً فقد تعلّق منه بغصن، ومن برّ الوالدين أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن شيّع جنازة فقد تعلّق منه بغصن، ومن عزّى فيه مصاباً فقد تعلّق منه بغصن، وكذلك من فعل شيئاً من سائر أبواب الخير في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن. ثمّ ذكر (ص) أبواب الشرّ وما رآه من حالات شجرة طوبى والزقوم، ومحاربة الملائكة مع الشياطين، إلى أن قال في آخر كلامه: ألا فعظّموا هذا اليوم من شعبان بعد تعظيمكم لشعبان، فكم من سعيد فيه، وكم من شقيّ فيه، لتكونوا من السعداء فيه، ولا تكونوا من الأشقياء.
كان رسول الله (ص) يتعامل مع شهر شعبان كتعامله مع شهر رمضان، وكان له عبادة متميّزة في شهر شعبان، وكان يقول (ص): شعبان شهري؛ من صام يوماً من شهري وجبت له الجنّة . وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: كان السّجاد (ع) اذا دخل شعبان جمع أصحابه وقال (ع): يا أصحابي أتدرون ما هذا الشّهر، هذا شهر شعبان وكان النّبي (ص) يقول : شعبان شهري، فصوموا هذا الشّهر حُبّاً لنبيّكم وتقرّباً الى ربّكم، أقسم بمن نفسي بيده لقد سمعت أبي الحسين (ع) يقول : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول : من صام شعبان حُبّاً لرسول الله (ص) وتقرّباً الى الله أحبّه الله وقرّبه الى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنّة .
فمن فاته شهر رجب فليتدارك نفسه في شهر شعبان، إذ قد لا تتكرر الفرص، فعلى المؤمن أن يغتنم أيامه ويعمل فيها ما يُرضي الله سبحانه، يقول أمير المؤمنين (ع): إنّ الليل والنهار يعملان فيك؛ فاعمل فيهما . ويقول النبي الكريم (ص): إنّ لربكم في أيام دهركم نفحات؛ فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها . ولنعم ما قال أحدهم :
مضى رجب وما أحسنت فيه *** وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلا *** بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قهرا *** ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا *** بتوبة مخلص واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم *** فخير ذوي الجرائم من تدارك
إنّ شهر شعبان شهر المنحة الإلهية الربانية، وهبها الله أمة نبيّه محمدٍ (ص)، تفضّل بها عليهم ليتقرّبوا إليه في الطاعات، في الرواية عن صفوان الجمال قال: قال لي الصّادق (ع) حُثّ من في ناحيتك على صوم شعبان، فقلت : جعلت فداك ترى فيه شيئاً ، فقال : نعم انّ رسول الله (ص) كان اذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة : يا أهل يثرب انّي رسول رسول الله (ص) إليكم ألا انّ شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري . ثمّ قال انّ أمير المؤمنين (ع) كان يقول : ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله (ع) ينادي في شعبان، ولن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان ان شاء الله تعالى ، ثمّ كان (ع) يقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله . وفي الحديث عن رسول الله (ص): تتزيّن السّماوات في كلّ خميس من شعبان فتقول الملائكة : الهنا اغفر لصائمه وأجب دعاءه . فمن صلّى فيه ركعتين يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة وقل هو الله احد مائة مرّة فاذا سلّم صلّى على النّبي وآله مائة مرّة، ليقضي الله له كلّ حاجة من أمور دينه ودنياه .
شهر شعبان هو شهر الهدى النبوي، والسنّة النبويّة في حب الطاعة والعبادة والصيام، إذ كان أحب الشهور للنبي الأعظم (ص) بعد شهر رمضان، وشهر شعبان شهر الولادات المباركة، * ففي الثالث منه في السنة الرابعة للهجرة كانت ولادة سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع)، إذ شمله النبي (ص) برعايته ست سنوات، وقال النبي (ص) فيه: حسين منّي وأنا من حسين . وقال فيه وفي أخيه الحسن (ع): الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا . * وفي الرابع من شهر شعبان سنة 36 للهجرة كانت ولادة قمر بني هاشم (ع) العباس بن أمير المؤمنين (ع)، الذي كان نعم الأخ لأخيه الحسين (ع)، وضرب المثل الأعلى في الإيثار . * وفي الخامس من شهر شعبان كان ولادة الإمام علي بن الحسين (ع) سنة 38 للهجرة، وأمه شاه زنان بنت بروجرد بن كسرى، وقال فيه الشاعر:
وإنّ وليداً بين كسرى وهاشمٍ *** لأفضل من نيطت عليه التمائمُ
وبه حفظ الله سبحانه خلافته على الأرض، وقضت المشيئة الإلهية أن يكون مريضاً في العاشر من محرم سنة 61هـ، فلم يبرز للقتال، وعندما أراد الاستعانة بالعصا للنهوض وحمل السيف؛ قال الإمام الحسين (ع) لبطلة كربلاء أم المصائب زينب (ع): امسكيه لكي لا تخلو الأرض من حجة آل محمد . وأكمل مع عمّته الحوراء رسالة أبيه الإمام الحسين (ع) في حفظ رسالة جدّه رسول الله (ص) . * وفي الخامس عشر منه سنة 255 للهجرة؛ أشرقت الأرض بنور ربّها واستقبلت الموعود المنتظر لتطهيرها من الظلم والعدوان، الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع) في ساموراء، كان الله قد أخفى حمله حتى عن أقرب الناس كحكيمة عمّة الإمام العسكري التي تُحيي ليلة النصف من شعبان عند ابن أخيها الإمام العسكري، وعندما أرادت المغادرة استبقاها الإمام العسكري (ع) لتحضّر ولادة المهدي (عج)، حيث أخفى الله حمله حتى لا يصل خبره إلى حكام بني العباس الذين كانوا يعتقدون بأن التاسع من ذريّة الإمام الحسين (ع) هو الذي سيطهر الأرض من الظلم فكانوا يُضيّـقون على أئمة أهل البيت (ع) ويستهدفونهم، وخاصة الإمامين الهادي (ع) والعسكري (ع) وبالأخص الإمام العسكري (ع)، حيث كانوا يراقبون كل صغيرة وكبيرة، وجعلوه طوال مدّة إمامته مُحاصراً ومراقباً بعد أن اغتالوا شقيقه السيد محمد .
وليلة الخامس عشر من شهر شعبان تأتي بالفضل بعد ليلة القدر عند جميع المسلمين، وفيها تُكتب الأعمار، وتُقدّر الأرزاق، ويُستحب إحياؤها بالدعاء والعبادة وصوم يومها .
إنّ النبي (ص) يدعونا لإعانته على شهره الذي كان يصومه ويوصل صيامه بصيام شهر رمضان، لقد فرض الله الصوم في السنة الثانية للهجرة في شعبان، وفيه تم تحويل القبلة إلى الكعبة، وتحرّر المسلمون من ضغط اليهود، وفي شهر شعبان نُكمل دورة تدريبية بعد شهر رجب استعداداً لشهر الله الأكبر، وتأسّينا بالنبي (ص) يفرض علينا الاهتمام بهذا الشهر الشريف، والتعرّف على آدابه، وأن يكون همّنا الإتيان بها، وفيه آداب عامة وآداب خاصة لبعض الليالي والأيام، مذكورة في كتاب مفاتيح الجنان وكتب الأدعية الأخرى، وهي من المستحبّات المؤكّدة التي يؤكّد التزامنا بها السير على نهج الرسول (ص) والعمل بسنّته، لنحضى بشرف إعانة نبيّنا (ص) على شهره، وندخل شهر الله سبحانه وقد صفت نفوسنا وطمعت بما عند الله سبحانه، ونحصل على التقوى، ولنقي أنفسنا حر جهنّم، التي خلقها الله لمن عصاه ولو كان سيداً قرشيّاً، ونكون من أهل الجنة التي خلقها الله لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشيّاً .
إنّ اقتداءنا برسول الله (ص) يُخرج حب الدنيا – الذي هو رأس كل خطيئة – من قلوبنا، فنتّبع رسولنا (ص) ليحبّنا الله، قال تعالى ” قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ “، وعن ابن عباس: قال رسول الله (ص) – وقد تذاكر أصحابه عنده فضائل شعبان – فقال: شهر شريف وهو شهري، وحملة العرش تعظّمه، وتعرف حقه وهو شهر تُزاد فيه أرزاق المؤمنين لشهر رمضان، وتُزيّن فيه الجنان وإنما سمّي شعبان لأنه يتشعب فيه أرزاق المؤمنين، وهو شهرٌ العمل فيه مضاعف: الحسنة بسبعين، والسيئة محطوطة، والذنب مغفور، والحسنة مقبولة، والجبار جل جلاله يباهي فيه بعباده، وينظر إلى صوامه وقوامه فيباهي به حملة العرش .
وأهم الأذكار في شهر شعبان هو الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد .
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين