شهر رمضان شهر الله سبحانه، والقرآن كتاب الله أنزله على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص) ليُخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، واختص الله شهر رمضان بأن أنزل فيه القرآن، وهو كلام الله، فهو كتاب هداية ورحمة وبشرى للمؤمنين الذين يقرؤونه قراءة تدبّر وتلاوة خشوع، يقرؤونه بقلوبٍ واعية وعقول صافية، فيستمعون القول ويتبعون أحسنه، فهو دواء داء قلوبهم، قال أمير المؤمنين (ع): وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ .
قال تعالى ” إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا “، القرآن معجزة الرسالة المحمّدية، تحدّى به البشرية، فعجزت عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثله، قال تعالى ” قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا “، وفيه شفاء، قال تعالى ” وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ” .
والروايات عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) التي تتحدّث عن فضل القرآن كثيرة، فعن رسول الله (ص): فضل القرآن على سائر العلوم كفضل الله على خلقه . وعنه (ص): مَنْ أراد علم الأوّلين والآخرين فليقرأ القرآن . وقال (ص): خياركم مَنْ تعلّم القرآن وعلّمه . وقال أمير المؤمنين (ع):أفضل الذكر القرآن؛ به تشرح الصدور وتستنير السرائر . وقال (ع): تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَ تَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَ اسْتَشْفُوا بِنُورِهِفَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ، وَ أَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ .وقال رسول الله (ص): إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحشر والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن، فانه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان . وقال (ص): ألا مَنْ تعلّم القرآن وعلّمه وعمل بما فيه؛ فأنا سائقٌ له إلى الجنة ودليلٌ إلى الجنّة . وقال (ص): ما من رجل علّم ولده القرآن إلاّ توّج الله أبويه يوم القيامة بتاج المُلك وكُسيا حُلّتين لم يرَ الناس مثلهما . وعن الإمام الحسن بن علي (ع): مَنْ قرأ القرآن كانت له دعوة مُجابة؛ إمّا مُعجّلة أو مؤجّلة . وعن الإمام الصادق (ع): ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القرآن أو أن يكون في تعلّمه . وقال (ع): ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ؛ مسجدٌ خراب لا يُصلّي فيه أهله، وعالمٌ بين جهّال، ومُصحفٌ مُعلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه .
إنّ للقرآن مكانةٌ كبرى عند المسلمين لم يبلغها كتابٌ غيره، فهو ربيع قلوبهم منذ نزوله، يتلون منه ما تيسّر لهم آناء الليل وأطراف النهار، يحفظون آياته، ويحفّظوها لأبنائهم من خلال تعاليمه، واستطاع المسلمون أن يكونوا أمّة عظيمةً منيعة الجانب، لها حضارتها، تحترمها الشعوب لما كوّنوه لأنفسهم من شخصيّة وسمو ذات، لكنّهم عندما ابتعدوا عن تعاليمه وصاركتاب تلاوةٍ بدون تدبّر ابتعدوا عنه وتشتّتوا وأخذت تتناوشهم الأمم، وصاروا كالأيتام على مآدب اللئام، فاستطاع شُذّاذ الأرض الصهاينة أن يحتلوا فلسطين قبلة المسلمين الأولى التي سيأتي يوم تحريرها على أيدي المؤمنين الشرفاء؛ الذين التزموا بعدل القرآن وثبتوا على خط الهداية، فليم يُصبهم الضلال، لأنهم التزموا بما خلّفه رسول الله من الكتاب وعترة أهل بيت النبوة (ع) الراسخون في العلم، الذين حفظوا القرآن وبيّنوا معانيه . قال رسول الله (ص): إنّي تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض . لذا فإن للقرآن عند أهل البيت (ع) مكانة أكبر مما عند المسلمين، ولو أنّ المسلمين التزموا بالقرآن والعترة لما تفرّقوا ولما ضعفوا، فإنّ لأهل البيت (ع) اهتمام كبير بالقرآن، ابتداءً من أمير المؤمنين فالزهراء والحسنين والتسعة المعصومين (عليهم السلام)، لتوجيه أنظار المسلمين إلى مكانة وأهميّة هذا الكتاب الإلهي المقدّس، يقول أمير المؤمنين (ع): الله الله أيها الناس فيما استحفظكم من كتابه . ويقول (ع): عليكم بكتاب الله فإنّه الحبل المتين والنور المبين، والشفاء النافع والري الناقع، والعصمة للمتمسّك والنجاة للمتعلّق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيُستعتب . يقول الإمام زين العابدين (ع): لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي .
القرآن كتاب الله الصامت، والإمام المعصوم كتاب الله الناطق، فكان اعتناؤهم (ع) بالقرآن كبيراً، والقرآن أوصى بهم [كما في آية التطهير، وآية قل لا أسألكم …] وقد أكّد أئمة أهل البيت (ع) على تعلّم القرآن وتعليمه للأولاد وللشباب، عن الإمام العسكري (ع) قال: أن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب يقول لربه عز وجل: [يا رب] هذا أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، وقويت في رحمتك طمعه، وفسحت في مغفرتك أمله، فكن عند ظني [فيك] وظنه. يقول الله تعالى: أعطوه الملك بيمينه، والخلد بشماله، وأقرنوه بأزواجه من الحور العين، واكسوا والديه حلة تقوم لها الدنيا بما فيها. فينظر إليهما الخلائق فيعظمونهما وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها ويقولان: يا ربنا أنى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟ فيقول الله تعالى: ومع هذا تاج الكرامة، لم ير مثله الراؤن، ولا يسمع بمثله السامعون، ولا يتفكر في مثله المتفكرون. فيقال: هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وتبصير كما إياه بدين الاسلام ورياضتكما إياه على حب محمد رسول الله وعلي ولي الله، وتفقيهكما إياه بفقههما لأنهما اللذان لا يقبل الله لاحد إلا بولايتهما ومعاداة أعدائهما عملا، وإن كان ملء ما بين الثرى إلى العرش ذهبا تصدق به في سبيل الله. وعن أمير المؤمنين (ع): إن الله عز وجل ليهم بعذاب أهل الأرض جميعا حتى لا يريد أن يحاشى منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي، واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون القرآن رحمهم وأخر عنهم ذلك .
وقد حثّ الأئمة (ع) على تلاوة القرآن، ودعوا شيعتهم إلى الإكثار من قراءة القرآن وتلاوة آياته، قال الإمام الباقر (ع): إنما شيعة علي كثيرة صلاتهم، كثيرة تلاوتهم للقرآن . وقال الإمام الصادق (ع): عليكم بتلاوة القرآن؛ فإنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة قيل لقارئ القرآن: إقرأ وارقَ . فكلّما قرأ آية يرقى درجة . وقال (ع): القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر إلى عهده وأن يقرأ فيه في كل يوم خمسين آية . وكذلك حثّ الأئمة (ع) على حفظ آيات القرآن وقراءتها عن ظهر قلب، ليختلط بدم المسلم ولحمه ويملأ عقله، قال الإمام الصادق (ع): اقرأوا القرآن واستظهروه؛ فإنّ الله لا يُعذّب قلباً وعى القرآن . وقال أمير المؤمنين (ع): البيت الذي يقرأ فيه القرآن، ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب لأهل الأرض. وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر الله عز وجل فيه، تقل بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين .
ولقد حثّ الأئمة (ع) على التلاوة بصوتٍ أقلّه أن يسمعه من بجانبه، وأن يتلى بصوتٍ حَسِنٍ وترتيلٍ صحيح، وكانوا بالمرصاد لكل من يريد الكيد بالقرآن أو يريد الإساءة إليه، وكانوا يدفعون كلّ شبهة توجّه إلى القرآن، وكانوا يُعلّمون أصحابهم طُرُق المُحاججة، هشام بن الحكم من تلامذة الإمام الصادق (ع) قال: اجتمع ابنُ أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبدُ الملك البصري، وابنُ المقفّع عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن. فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كل واحدٍ منّا رُبْعَ القرآن، وميعادُنا مِن قابِل في هذا الموضع نجتمع فيه، وقد نَقَضنا القرآن كلَّه، فانَّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه. فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان مِن قابِل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أمّا أنا فمفكِّرٌ منذ افترقنا في هذه الآية: فَلَمّا استَيأسُوا منه خَلصُوا نَجيّاً ، فما أقدرُ أن أضمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكّر فيما سواها. فقال عبدالملك: وأنا منذُ فارقتُكم مفكِّرٌ في هذه الآية: يا أيّها الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعُوا لهُ إنَّ الذين تَدعُون مِن دون الله لن يَخلُقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإن يَسلُبْهمُ الذُّباب شيئاً لا يَستنقذوه منه ضَعُفَ الطّالبُ والمطلوب ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها. فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لَفَسدتا لم أقْدر على الإتيان بمثْلها. فقال ابن المقفع: يا قوم، إنَّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذُ فارقتكم مفكّرٌ في هذه الآية: وقيل يا أرضُ اْبلَعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلِعِي وغِيضَ الماء، وقُضِيَ الأمرُ، واستوَتْ على الجُوديِّ وقيلَ بُعداً للقَومِ الظّالمِين ، لم أبلغْ غاية المعرفة بها، ولم أقِدرْ على الإتيان بمثلها. قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرَّ بهم جعفرُ بن محمد الصادق عليه السّلام فقال: قلْ لَئنِ اْجتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لا يأتون بِمِثلهِ ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظَهيراً . فنظر القومُ بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقةٌ لَما انتهى أمرُ وصيّة محمد إلاّ إلى جعفر بن محمّد، واللهِ ما رأيناه قطّ إلاّ هِبْناه، واقشعَرَّتْ جلودُنا لهَيبته. ثمّ تَفَرَّقوا مُقرِّين بالعَجز.
إنّ شهر رمضان فرصة للعودة لكتاب الله وتلاوته تلاوة تدبّر، والرجوع إلى العترة الطاهرة (ع)، فلا فوز في الدنيا والآخرة إلاّ بالتمسّك بالكتاب وعترة رسول الله (ص)، بتحليل حلالهم وتحريم حرامهم، وبناء علاقات مُنطلقة من كتاب الله وسيرة أهل بيت النبوة (ع) . إننا نأمل أن يعيش الناس روحية شهر رمضان المبارك الذي تزامن مع ذكرى الانتصار الأول عام 2000 على العدو الصهيوني ونعتبر أنّ هذا النصر مغيّر للمعادلات وقاضٍ على حلم اسرائيل الكبرى وبداية العد العكسي لزوال الكيان الصهيوني. ونتمنى أن يكون المجلس النيابي الجديد منطلقا لانتظام الحياة السياسية من خلال التشريع والعمل الفعلي في كل ما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالامن الاجتماعي والاقتصادي للناس التي من شأنها النهوض بالبلد من الواقع الصعب الذي يحيط به في المنطقة، ونشير إلى أنّ الانتصارات السياسية في المنطقة تمّ بناؤها على الانتصارات العسكرية لمحور المقاومة والممانعة، ونشيد بانتفاضة الشعب الفلسطيني الذي ما زال يكافح من أجل أرضه ومقدّساته رغم ما يُحاك ضدّه على مدى سنوات الاحتلال من مؤامرات وصفقات وليس آخرها صفقة القرن المشؤومة . إننا نطالب بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة يتحمّل فيها الجميع مسؤوليتهم تجاه الواقع المعيشي الضاغط على المجتمع بكل أطيافه متمنين ان تأتي حكومة على قدر المسؤولية وآمال الشعب وان تحافظ على ما تحقق بفضل ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة .[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ] .