ام رئيس لقاء علماء صور للارشاد والتوجيه العلامة الشيخ علي ياسين صلاة العيد في مسجد المدرسة الدينية في صور بحضور حشد من المؤمنين، وبعد الصلاة القى سماحته خطبة العيد
” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ”
كان شهر رمضان بالأمس؛ فاز من اتقى الله فيه، وخسر المبطلون، اليوم يوم عيدٍ يوفـَّى فيه الصابرون أجورهم بأحسن ما كانوا يعملون، هو نهاية مسيرةٍ ربّانية، ورحلةٍ ملكوتيةٍ للروح، استمرت شهراً كاملاً في طاعة الله عز وجل، تحضرها الملائكة نازلةً صاعدةً، تفرش أجنحتها للمؤمنين، تُظلّلهم بالبركة والعافية، إذ السماوات مفتوحة، والشياطين مغلولة، وأبواب الرحمة مشرّعة، فاز فيها المؤمن بتقوى الله، فاستكمل المسيرة الروحية والجهادية آملاً عطاء الله عن الصوم الذي قال فيه سبحانه: كل أعمال ابن آدم هي له؛ إلاّ الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به . فيقضي السعيد ليله مهلّلاً ومكبّراً، ويبدأ يوم الفطر بالصدقة والخروج إلى صلاة العيد، ويجتمع المؤمنون لِيُهنّئ بعضهم بعضاً على توفيق الله تبارك وتعالى بأن صاموا شهر رمضان وأدّوه حقّه، عن الإمام الرضا (ع) مُجيباً من سأله: لم جعل يوم الفطر يوم عيد؟ قال (ع): لأن يكون للمسلمين مجمعًا يجتمعون فيه، ويبرزون إلى الله عز وجل، فيحمدونه على ما مَنَّ عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع، ولأنّه أول يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب، لأنّ أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان، فأحبّ الله عز وجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه . وعن أمير المؤمنين (ع): إنّما هو عيد لمن قَبِل الله صيامه، وشكر قيامه، وكلّ يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد . وورد في السيرة؛ أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) إنه مرَّ في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم، فقال (عليه السلام): (إنّ الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصَّر آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كُشِف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمُسيء مشغول بإساءته) ثم مضى. وقال أمير المؤمنين (ع): ليس العيد لمن لبس الجديد؛ وإنّما العيد لمن أمِنَ الوعيد . وورد في الحديث: كلّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيد .
ليلة العيد ونهار العيد هو فرصة للتأمّل فيما قدّم الإنسان، والبحث عن مكانه عند الله سبحانه، قال بعض أهل العرفان – وهو ينوح على نفسه ليلة العيد -:
بحرمة غربتي كم ذا الصدود *** ألا تعطف علي ألا تجود
سرور العيد قد عم النواحي *** وحزني في ازدياد لا يبيد
فإن كنت اقترفت خلال سوء *** فعذري في الهوى أن لا أعود
في الحديث عن الأئمة (ع): خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام للناس يوم الفطر فقال أيها الناس ان يومكم هذا يوم يشاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار واعلموا عباد الله ان أدنى للصائمين والصائمات ان يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون .
إنّ يوم العيد متميّز عن غيره من الأيام، وليس هو كسائرها؛ فهو يوم جعله الله عيداً، يجب إحياؤه بما يتناسب مع مكانته في الدين، فنجعله يوم عبادةٍ نتقرّب فيه إلى الله سبحانه، ففي ليلته بالتهليل والتكبير والدعاء، وفي صبيحته وقبل الصلاة بإخراج زكاة الفطرة، لأنّ يوم العيد يوم تضامن مع الفقراء والمساكين والمحتاجين، وقد فرض الله زكاة الفطرة شرطاً لقبول الصوم، عن الإمام الصادق (ع): إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (ص) إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة، وقال: ” قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى “.
إنّ زكاة الفطرة تعبير مساواة بين نفوس المؤمنين من غني أو فقير، من رجلٍ أو امرأة، من كبيرٍ أو صغير، الكل عليه زكاة الفطرة يُقدّمها واجباً لغيره المحتاج، وهذا المحتاج يُستحب له إخراج زكاة الفطرة ويقدّمها لغيره المحتاج الآخر، وبهذا يكون العيد عيداً لجميع المسلمين مهما اختلفت ظروفهم أو حالاتهم، وبهذا تشمل الفرحة جميع المسلمين، والملفت أنّ الشرع الإسلامي يريد لنا فرحاً ممزوجاً بذكر الله وشكره وتحميده وثنائه، وإدخال السرور والفرح على المؤمنين، كما يُستحب لبس الجديد واستعمال العطور من الأمور المستحبّة في العيد، فالروايات عن النبي (ص) والأئمة (ع) كثيرةٌ في الحث على لبس الجديد والتطيّب حين الخروج لصلاة العيد، كما يُستحب التزاور بين المؤمنين، قال رسول الله (ص): الزيارة تُنبت المودّة . وقال (ص): الزائرُ أخاه المسلم أعظم أجراً من المزور . وقال أمير المؤمنين (ع): زوروا في الله، وجالسوا في الله، وأعطوا في الله، وامنعوا في الله، زايلوا أعداء الله وواصلوا أولياء الله .
إننا نهنّئ المسلمين عموماً والشعب اللبناني خصوصاً بحلول عيد الفطر المبارك، داعين أن يعيده الله علينا بالأمن والأمان اللذين لا يتحققان إلاّ بالتمسك بقيم الإسلام المحمدي الأصيل، خصوصاً الجهادين الأصغر والأكبر .
إننا نعتبر أنّ التأخير في تشكيل الحكومة واستمرار حالة الفساد المستشري في جسم الدولة ينغّص على اللبنانيين فرحة هذا العيد المبارك، الذي كنّا نتمنى أن يأتي والحكومة مشكلة ومسيرة النهوض بالبلد منطلقة، ونؤكّد أنّ تشكيل الحكومة وإدارة الدولة في لبنان لايتم من خلال زيارات مكوكية لبعض السياسيين، بل بلقاءات وتشاورات جدّية بين المكونات السياسية بالداخل اللبناني، ونشدّد على أنّ التلاقي بين الفرقاء في لبنان يكرّس قوة لبنان بوحدته ومقاومته .
إننا نتساءل عن الدور المشبوه الذي تقوم به ما تسمى بالمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية من مشاهد المجازر والانتهاكات بحق الشعب اليمني، إضافة للانتهاكات والاعدامات بحق أبناء الشعب البحريني المسالم، ونشير إلى أنّ التكاتف للرأي العام للشعوب العربية – وبالأخص في العراق وسوريا – يقف سداً منيعاً لكل مؤامرات التقسيم من قبل المحور الاستكباري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
ونختم أنّ بصر مجاهدينا شاخصٌ نحو القدس وفلسطين، منتظرين أن يحين وقت المعركة الكبرى ليتلاقى المقاومون من الأرض المباركة بالمنتفضين في داخل أسوار الأرض المقدسة، وما مسيرات العودة المتتالية والمستمرة في غزّة والضفة وأراضي 48 إلاّ مدماكاً في تشيد أبراج النصر القادم بإذن الله تعالى .
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]
تصوير:رامي أمين