الرئيسية / ثقافة عامة / هكذا تعرّفتُ إلى الحسين (ع) – سركيس الشّيخا الدّويهي

هكذا تعرّفتُ إلى الحسين (ع) – سركيس الشّيخا الدّويهي

هكذا تعرّفتُ إلى الحسين (ع)

من هناك، من أزقّةٍ ضيّقةٍ يُعشعشُ فيها عنفوانٌ لا ينكسر، من مرتع طفولة أحفاد الحسين (ع) ومعجن الأبطال الشّرفاء، من “حيّ اللّجا” في المصيطبة، بدأتُ رحلتي إلى عالم الحسين (ع).

خطوتُ خطوتي الأولى من هناك، ولم أكن لأدريَ بأنّي سأغوصُ في رحلة الألف ميل إلى عمق الفكر الحسينيّ والمدرسة الكربلائيّة. وكم شدّني، ولفتني خلال المسير ومضاتُ صورٍ ترسّخت في ذاكرتي. كيف لا، وصورة الحسين (ع) مطبوعةٌ في كلّ زاويةٍ من زوايا ذاك الحيّ، تتنشّقها مع عطر الفجر المنبلج على صوت الأذان، وترتشفها مع قهوة الصّباح عند جارٍ ظننتَ ذات يومٍ، بل أوهموك بأنّه العدوُّ الأوحد الّذي يهدّد كِيانَ وجودك. أيُعقل بأحفاد الحسين (ع) أن يفكّروا بإلغاء أحد، وهو الّذي أفنى ذاته وضحّى بأهل بيته من أجل نصرة المظلوم وإحقاق الحقّ؟! بالطّبع لا.

صورة الحسين (ع) كانت تتظهّر لي كلّ يوم بإطار جميل، مختلِفٍ عن سابقه، بهائه في صدقه وبساطته وعفويّة عيشه. فكيف لي أن أنسى “علي حطيط” الطّبيب المستقيم في عمله، الّذي شدّني بصفاته المميّزة وأخلاقه الرّفيعة لأتعرّفَ إلى أبناء طائفته، وأكتشفَ ما صبغه بهم الحسين (ع) من مزايا إنسانيّة؟ علي أخٌ ولدته لي الأيّامُ والمواقفُ، ونشأت بيننا صداقةٌ وطيدةٌ فيها الوفاء والإخلاص والمحبّة، وفيها أسمى معاني الأخوّة وأبهاها.
وكيف لي أن أنسى صديقي “الرّقّة”، ذاك الحلاّق الّذي فقد والده في سنّ مبكرة، فدخل ميدان العمل لإعالة أمّه وإخوته الصّغار، دون أن يتذمّرَ أو يتأفّفَ؟ تضحياتُ “الرّقّة”، بحسب قوله، لا توازي نقطةً من بحر تضحيات الحسين (ع).

وكم تنشّقتُ عطرَ الكرامة في ثياب “أبو علي”، خرّيج مدرسة الإمام المُغَيَّب موسى الصّدر، ذاك المقاوم الّذي حمل السّلاح في وجه العدوّ الإسرائيليّ، ونفّذ عمليّاتٍ ثأريّةً ضدّ جنود الإحتلال في الجنوب اللّبنانيّ!
يخبرك “أبو علي” عن رفاقه الّذين جبلوا تراب الجنوب بدمائهم، وعن المواقف البطوليّة لأبناء القرى والبلدات الجنوبيّة في مقاومة العدوّ، فيُحيلُكَ من عالم الذّلّة والعمالة والخيانة، إلى عالم العنفوان والشّجاعة والتّضحية المقدّسة.
وقد أورث “أبو علي” عشق المقاومة لأبنائه، فقدّم ابنه “عبّاس” شهيدًا على مذبح الوطن في حرب تمّوز عام 2006.

لم أقرأ عن الحسين (ع) في الكتب، ولم أتحرَّ عنه من أحد، بل اكتفيتُ بما سمعتُ عنه في مجالس العزاء في حسينيّة حيّ اللّجا. وقد أكون جاهلاً للكثير من المحطّات في سيرة الحسين (ع) وأهل بيته، إلاّ أنّني التقيتُهُ أكثرَ من مرّة.
نعم ، لقد التقيتُ الحسين (ع) أكثر من مرّة في وجه “أبو الفضل”، ورامي، وليلى، وحسن، وعلي، وأصدقاء آخرين.
نعم، لقد تعرّفتُ إلى الحسين (ع) في وجوه هؤلاء، فبِتُّ مؤمنًا بقضيّته، وعاشقًا له ولكلّ النّفوس الأبيّة الّتي تسير على خطاه.

أنتم تعرّفتُم إلى الحسين (ع) في بيوتكم، أمّا أنا فهكذا تعرّفتُ إلى الحسين (ع).

سركيس الشّيخا الدّويهي

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم