كد رئيس “لقاء علماء صور ومنطقتها” العلامة الشيخ علي ياسين العاملي “أن البلد لا ينهض اذا تم كل شيء بالتراضي، لان الحكم بالتراضي اوصل البلد الى حافة الهاوية، والسعي لتشكيل الحكومة ليس بالضرورة أن يكون كل الأفرقاء السياسيين فيها، وانما لا بد من موالاة ومعارضة، ووجود موالاة ومعارضة دليل ان العمل السياسي في البلد بخير” .
واستنكر في تصريح “ما وصلت إليه بعض وسائل الإعلام اللبناني من التجرّوء حتى على المقدّسات الدينية، في خطوة مشبوهة تصب في تأجيج الصراع المذهبي والطائفي الذي نحن في غنى عنه لما عانينا منه في السنوات السابقة”، مطالبا “العهد بمحاسبة سريعة وشفافة لكل من يتورط في ذلك حرصا على الكيان اللبناني المتشكل من جميع الطوائف والأديان” .
واستذكر “بطولات المقاومة والجيش وتضحيات الشعب في مواجهة عدوان تموز عام 2006، والذي أثمر نصرا مؤزرا على الكيان الصهيوني، وأعاد الأمل في نفوس الشعوب العربية والإسلامية بأنّ فلسطين لا يمكن استرجاعها إلا بالمقاومة، التي بزخمها المتنامي ستسقط كل المؤامرات الصهيو أمريكية وليس في آخرها ما يسمى صفقة القرن المشؤومة” .
وتوجه العلامة ياسين بالشكر لقيادة المقاومة على مبادرتها في تنفيذ وعودها في مكافحة الفساد، مشيدا بخطوتها الجريئة في تحريك ملف عودة النازحين السوريين من بابٍ عمليٍ يقطع الطريق على كل من يستغل آلام النازحين لمصلحته السياسية أو المالية على حساب الوضع الاقتصادي اللبناني .
خطبة الجمعة [الإمام الصادق(ع) ومدرسة أهل البيت(ع)]
فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 13- 7-2018م مدينة صور]
أهل البيت (ع) هم صفوة خلق الله سبحانه، نطفتهم من نور العرش، صبّها في صلب آدم، تنتقل بين أصلاب الرجال الطاهرة وأصلاب النساء المُطهّرة، إلى أن وُلد خاتم الأنبياء محمد (ص)، وخاتم الأوصياء علي (ع)، فأرسل الله نبيّه محمد (ص) ليُبلّغ البشرية خاتمة الرسالات السماوية، ودعاهم للإسلام ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وتحمّل شديد الأذى في سبيل ذلك، حتى قال (ص): ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت . وتمكّن النبي (ص) من نشر دعوة الإسلام في الجزيرة العربية، وغلب جيشه جيش الروم، وجاهد وبلّغ؛ ليُظهر دينه، ولتحقيق ذلك خاطب المسلمين في أواخر أيام حياته الشريفة قائلاً: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً . وأعلن أنّ علياً (ع) هو الخليفة من بعده، وهو عدل القرآن، والمُبلّغ عن رسول الله (ص)، لكنّ المسلمين خالفوا وصيّة نبيّهم، ولم يسلّموا الأمر لعلي (ع)، وانحرفوا، لكنّ علياً (ع) بقي ناصحاً ومرشداً للمسلمين، حتى قال عمر: لا كنتُ لمعضلةٍ ليس فيها أبو الحسن . فلم يسلّموا الأمر لعلي (ع) ليسير بهم بمسير رسول الله (ص)، فكان دور علي (ع) تسديد أفعال الحاكم ما أمكن، وبيان ما هو الحق إذا سُئل، فواجه الانحرافات والمنحرفين من خلال بث تعاليم وعلوم النبي (ص) من أبواب العلم التي تعلّمها من رسول الله (ص)، وهو القائل (ع): علّمني رسول الله ألف بابٍ من العلم، ينفتح لي من كل بابٍ ألف باب . وكان (ع) يقول: سلوني قبل أن تفقدوني؛ فإنّي بطُرق السماء أعلم مني بطرق الأرض.
ومن بعده قام بالإمامة ولداه الحسن والحسين عليهما السلام، وهما من نور العرش، وقد كان النبي (ص) يؤكّد على فضلهما وإمامتهما بقوله (ص): الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا . فالحسن (ع) هو خليفة خليفة رسول الله (ص)، والحسين (ع) هو الخليفة بعد الحسن (ع)، لكنّ حب الدنيا الذي ملأ قلوب المسلمين وأغلب الصحابة أعمى بصيرتهم عن الحق الأبلج، فلم يُبصروا نور العرش المُتجلّي بعلي والحسنين (ع)، فقد حليت الدنيا بعيونهم وراقهم زبرجها، فقضى علي (ع) في محرابه وهو يدعو للقضاء على الظلم والانحراف، واستطاع الطاغية معاوية أن يدسّ السمّ للإمام الحسن (ع)، وارتكب الفاجر يزيد فعلته بقتل الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه بأكبر جريمةٍ في تاريخ البشرية، لكنّ نور الله يأبى إلاّ أن يتمّ، فانتقل نور الإمامة للإمام زين العابدين (ع)، فاستطاع بعد رجوعه للمدينة أن ينشر علوم آل بيت النبوة (ع)، فكان العلماء والمتبصّرون يقفون على باب داره، ويحضرون مجلسه في المسجد النبوي؛ لينهلوا من علم رسول الله (ص)، حتى استطاع أن يؤسّس لمدرسة أهل بيت النبوة (ع) التي استطاعت أن تقف في وجه المنحرفين عن الحقيقة، والمروّجين للأحاديث الكاذبة، وإبطال الإسرائيليات، حتى قام بنو أمية باغتياله بالسم، لكنّ الإمام الباقر (ع) الذي كان طفلاً يوم عاشرواء هو الحجة على الخلق بعد الإمام زين العابدين (ع)، فطوّر مدرسة أبيه، وقصده العلماء وطلاب العلوم من كلّ الأقطار الإسلامية، روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (ص) أنه قال: يا جابر؛ إنّك ستعيش حتى تُدرك رجلاً من أولادي، اسمه اسمي يبقر العلم بقراً . استشهد الإمام الباقر (ع) مسموماً في عهد الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك، فتقلّد الإمامة جعفر بن محمد الصادق (ع)، الذي شارك والده الباقر(ع) في إطلاق جامعة أهل بيت النبوة (ع)، والتي وصل تعداد طلابها إلى الآلاف من كل الأقطار والأمصار الإسلامية، حيثُ أنّ بني أمية انشغلوا في صراعات زوال ملكهم، خصوصاً أنّ العباسيين استغلوا شعار الثأر لأهل البيت (ع) وطلب الأمر للرضا من آل محمد، فاستطاع العباسيون أن يقضوا على حكم الأمويين، وأقاموا دولة بني العباس، الذين انشغلوا بتثبيت حكمهم، فبادر الإمام الصادق (ع) لنشر علوم آل محمد (ع)، من فقهٍ وعلمِ كلامٍ وطبٍ وفيزياءٍ وأخلاقٍ وغيرها، وقد كان الإمام الصادق (ع) إذا توجّه إليه أحدٌ يُحاججه وجّه إليه أحد طلاّبه، الذين قارع بهم التيارات الفكرية والفلسفية في زمانه .
قال هشام بن سالم: كنا عند أبي عبد الله (ع) جماعة من أصحابه، فورد رجل من أهل الشام فاستأذن فأذن له، فلما دخل سلم فأمره أبو عبد الله عليه السلام بالجلوس. ثم قال له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت إليك لأناظرك . فقال أبو عبد الله (ع) فيما ذا؟ قال: في القرآن وقطعه و إسكانه وخفضه ونصبه ورفعه. فقال أبو عبد الله (ع): يا حمران دونك الرجل. فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران. فقال أبو عبد الله (ع): إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل وعرض وحمران يجيبه، فقال أبو عبد الله (ع): كيف رأيت يا شامي؟! قال: رأيته حاذقا ما سألته عن شئ إلا أجابني فيه، فقال أبو عبد الله (ع): يا حمران سل الشامي، فما تركه يكشر، فقال الشامي: أرأيت يا أبا عبد الله أناظرك في العربية. فالتفت أبو عبد الله (ع) فقال: يا أبان بن تغلب ناظره فناظره فما ترك الشامي يكشر، قال: أريد أن أناظرك في الفقه. فقال أبو عبد الله (ع): يا زرارة ناظره فما ترك الشامي يكشر، قال: أريد أن أناظرك في الكلام، فقال: يا مؤمن الطاق ناظره فناظره فسجل الكلام بينهما، ثم تكلم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به. فقال: أريد أن أناظرك في الاستطاعة فقال للطيار: كلمه فيها قال: فكلمه فما ترك يكشر، فقال أريد أناظرك في التوحيد فقال لهشام بن سالم: كلمه فسجل الكلام بينهما ثم خصمه هشام، فقال أريد أن أتكلم في الإمامة فقال: لهشام بن الحكم كلمه يا أبا الحكم فكلمه ما تركه يرتم ولا يحلي ولا يمر، قال: فبقي يضحك أبو عبد الله (ع) حتى بدت نواجذه . فقال الشامي: كأنك أردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ قال: هو ذلك .
لقد ربّى الإمام الصادق (ع) رجالاً تخصّصوا في مختلف العلوم، فكان أبرز المُتخرّجين في فرع علوم الفقه وأصوله وعلم تفسير القرآن [يحيى بن سعيد، وزرارة بن أعين، وإسحاق بن عمّار، وأبو بصير، وأبّان بن تغلب، وسُفيان الثوري، وأبو حنيفة، ومالك بن أنس … وعشرات العلماء غيرهم]، وأما فرع الكيمياء فكثيرون؛ أبرزهم [جابر بن حيّان الكوني] الذي اكتشف شيئاً من علمه بعضُ علماء الغرب وطوّروه، وفي فرع التخصّص في حكمة الوجود [المفضّل بن عمرو] صاحب كتاب توحيد المفضّل، الذي أملاه عليه الإمام (ع)، وفي المناظرات فعدّة أبرزهم [هشام بن الحكم] الذي تحقّق على يديه الكثير من الانتصارات العلمية، كمناظرته مع زعيم المعتزلة عمرو بن عبيد .
لقد شهد الموافق والمخالف والبعيد والقريب أنّ الإمام جعفر الصادق (ع) هو صاحب المقام العلمي الأرفع، الذي لا يُدانيه أحد، وقد شهد بمكانته العلماء والحكّام وأئمة المذاهب وكتّاب السيرة، فقد شهد الجميع أنه (ع) كان أفضل أهل زمانه نسباً وعلماً وفضلاً وأخلاقاً، فهذا أبو حنيفة يقول: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمد الصادق . وقال أيضاً: لولا السنتان؛ لهلك النعمان . يقصد السنتين اللتين تشرّف بالحضور فيهما تحت منبر الإمام الصادق (ع)، قال إمام المذهب المالكي مالك بن أنس: ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادةً وورعاً . وقال الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين (ع): في كلّ زمانٍ رجلٌ منّا أهل البيت (ع) يحتجّ الله به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه. وقال ابن حجر في الصواعق: جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الكبار .
لقد امتازت مدرسة الإمام الصادق (ع) عن غيرها بشمولها لمختلف العلوم، فلم تكن الدراسة فيها مُقتصرة على دراسة الفقه والحديث – كما كان مُتعارفاً –، فقد كان فيها الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن وعلم الكلام واللغة، واتسعت مدرسة الإمام الصادق (ع) فشملت العلوم الإنسانية؛ كعلم الطب والكيمياء والفلك وعلم الهيئة، فقد خرّجت مدرسة الصادق (ع) جيشاً من أهل العلم في مختلف العلوم والفنون ما يزيد على الأربعة آلاف عالم شكّلوا حراسة للكيان الإسلامي، ليواجه كلّ التيارات الفكرية المُنحرفة، ولقد كان عهد الإمام الصادق (ع) عهد الانفراج الفكري وعصر انتشار علوم أهل البيت (ع)، وكان الإمام وشيعته وطلابه يشعرون بالاطمئنان، لذا كان الشيعة يجاهرون بولائهم لأهل البيت (ع)، وكان رجالاتهم وفضلاءهم معروفين باسم شيعة جعفر بن محمد وطلاب الإمام، وكان (ع) يحضر مجالس درسهم العامة والخاصة، حتى صار في أذهان البسطاء أنّهم في عصر الفرج، وحينما كان يحدّثهم الإمام (ع) عن علامات الفرج؛ كان بعضهم يقول للإمام (ع): إنّه في زماننا – غير ملتفت إلى أنّ الإمام الصادق (ع)هو الإمام السادس، وسادس الحجج الإثني عشر، فيُحدّثهم الإمام عن زمن الإمام المهدي (عج)، وعن الظروف التي تأتي عليه، لكنّ هذا الحال لم يدم طويلاً؛ فبمجرّد أن استتب الأمر لبني العباس في حكم المنصور الدوانيقي، حتى عمل على التخلّص من الإمام الصادق (ع)، وهو يعلم مكانته، وأنّه خير أهل زمانه علماً وعملاً ونسباً، لكنّه كان يُردّد أنّ الملك عقيم، فدسّ السمّ للإمام (ع) بواسطة واليه في المدينة، وكتب إلى واليه في المدينة: انظر إلى مَنْ أوصى جعفر بن محمد؛ فاضرب عنقه . ولأنّ الإمام يعرف طبيعة حكم الظالمين من بني العبّاس؛ كتب في وصيّته أنه أوصى إلى خمسة أشخاص [محمد بن سليمان – والي المدينة – وعبد الله الأفطح – ابن الإمام وهو أكبر من الإمام الكاظم – وزوجته حميدة، وولده موسى الكاظم، والخامس هو المنصور الدوانيقي نفسه]، فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل . وصرف المنصور الدوانيقي النظر حينها، وبهذا حفظ الإمام الصادق (ع) ولده الإمام موسى الكاظم، وقد كان الخُلّص من أصحاب الإمام الصادق (ع) وشيعته يعرفون من هو الإمام، لكنّ من جاء من طواغيت بني العباس بعد المنصور سار على نهجه، ولم يتسنّ للأئمة (ع) بعد الإمام الصادق (ع) الاستمرار بجامعة أهل البيت (ع) على نفس الحال الذي كانت فيه على عهد الإمام الصادق (ع)، ولأنّ أكثر ما عند الإمامية الإثني عشرية من علوم مختلفة هي من الإمام الصادق (ع)؛ عُرف مذهب أهل البيت (ع) بالمذهب الجعفري، لأنّ الأئمة كانت حياتهم إما في السجون أو تحت أعين السلاطين الطغاة، ولم يكن مسموحاً لطلاّب العلوم التواصل مع إمام زمانهم – كما كان على عهد الإمام الصادق (ع) – وهذا سرّ الشهادة المُبكّرة للأئمة (ع)، وهو نفس الأمر الذي اضطر الإمام الثاني عشر أن يختفي ويغيب عن أعين الناس، إلاّ عن الخُلّص من أصحابه، فتواصل مع شيعته عن طريق السفراء الخاصّين في زمن الغيبة الصغرى، ولمّا اشتدّ الخناق حول الكيان الشيعي انتقل الاتصال بالإمام من خلال سفراء الإمام الحجة (عج) العامّين؛ وهم المجتهدون من علمائنا .
لقد ترك الإمام الصادق (ع) هذه الدنيا بعد أن ملأها علوماً ومعارف، ليُحصّن جوهر الدين الحنيف – الذي بذل كلّ حياته وجهده من أجله – أمام كل الانحرافات التي عصفت بالمجتمع الإسلامي حينذاك .
من وصايا الإمام الصادق (ع) الكثيرة؛ وصيّته لصاحبه زيد الشّحّام، قال له: أقرِأ من ترى أنّه يُطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص). أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، فإنّ رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعُودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسُنَ خُلقه مع الناس قيل: هذا جعفريّ، (و) يسُرني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعارُه وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله لحدثني أبي أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (ع) فيكون زينها، أداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تُسال العشيرة عنه، ويقولون: من مثل فلان؟ إنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث.
وجاء في وصيّته (ع) لابن جندب: يا ابن جندب من حرَمَ نفسه كَسْبَهُ فإنما يجمعُ لغيره، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه، ومن يثق بالله يكْفِهِ ما أهمّهُ من أمرِ دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه، وقد عجز من لم يُعِدَّ لكل بلاءٍ صبراً ولكل نعمةٍ شكراً ولكل عسر يسراً. صبّر نفسك عند كل بلية في ولدٍ أو مالٍ أو رزيةٍ، فإنما يقبضُ عاريته ويأخذ هبته ليبلوَ فيهما صبَركَ وشكرَكَ، وارجُ الله رجاءً لا يجرّئُك على معصيتِهِ، وخَفْهُ خوفاً لا يُؤْيسِكَ من رحمتِه . وقال (ع): يا ابن جندب صل من قطعك وأعط من حرمك وأحسن إلى من أساء إليك وسلّم على من سبّك، وأنصف من خاصمك، واعفُ عمن ظلمك كما انك تحب أن يُعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين. وقال (ع) في صفات شيعته: يا معشر الشيعة، إنّكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً ولا تكونواعلينا شيناً . وفي الحديث؛ دخل عليه رجل فسلّم، فسأله الإمام (ع): كيف من خلّفت من إخوانك؟، فأحسن الثناء وزكّى وأطرى،فقال له ” كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال قليلة، قال: كيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك تذكر أخلاقاً ما هي فيمن عندنا، قال: فكيف يزعم هؤلاء أنهم لنا شيعة؟! وقال (ع): لو أنّ شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة، ولأظلّهم الغمام، ولأشرقوا نهاراً، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئاً إلاّ أعطاهم .
إننا نؤكّد أنّ البلد لا ينهض اذا تم كل شيء بالتراضي، لأن الحكم بالتراضي أوصل البلد إلى حافة الهاوية، والسعي لتشكيل الحكومة ليس بالضرورة أن يكون كل الأفرقاء السياسيين فيها، وإنما لا بد من موالاة ومعارضة، ووجود موالاة ومعارضة دليل ان العمل السياسي في البلد بخير .
وإننا نستنكر ما وصلت إليه بعض وسائل الإعلام اللبناني من التجرّوء حتى على المقدّسات الدينية، وبالأخص ما بدر من برنامج [قدح وجم]، في خطوة مشبوهة تصب في تأجيج الصراع المذهبي والطائفي الذي نحن في غنىً عنه لما عانينا منه في السنوات السابقة، ونطالب العهد بمحاسبة سريعة وشفّافة لكلّ من يتورّط في ذلك حرصاً على الكيان اللبناني المُتشكّل من جميع الطوائف والأديان .
ولا ننسى أن نستذكر بطولات المقاومة والجيش وتضحيات الشعب في مواجهة عدوان تموز عام 2006، والذي أثمر نصراً مؤزراً على الكيان الصهيوني، وأعاد الأمل في نفوس الشعوب العربية والإسلامية بأنّ فلسطين لا يمكن استرجاعها إلاّ بالمقاومة، التي بزخمها المتنامي ستُسقط كل المؤامرات الصهيو أمريكية وليس في آخرها ما يسمى صفقة القرن المشؤومة .
ونتوجّه بالشكر لقيادة المقاومة على مبادرتها في تنفيذ وعودها في مكافحة الفساد، ونشيد بخطوتها الجريئة في تحريك ملف عودة النازحين السوريين من بابٍ عمليٍ يقطع الطريق على كل من يستغل آلام النازحين لمصلحته السياسية أو المالية على حساب الوضع الاقتصادي اللبناني .
ونختم بالإشارة إلى موضوع الإسكان الذي استغلّه بعض السياسين من أصحاب المصارف ليزيدوا الحمل على المواطن بدل أن يكونوا عاملاً من عوامل تخفيف الضغط المعيشي، من هنا نطالب بتشكيل لجنة لحسم الجدل البيزنطي حول ملفي الإسكان والتجنيس من خلال حلولٍ تصبّ في مصلحة المواطن خصوصاً الشباب الذين يعانون من الضغط المعيشي الهائل، وسط تلكّوء أغلب السياسيين المنتفعين الذين يُجيدون استغلال كل شيء حتى النفايات لمصالحهم الشخصية .
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]