الرئيسية / ثقافة عامة / عن اضمحلال الفكر بوطأة البوّاقيين

عن اضمحلال الفكر بوطأة البوّاقيين

حسن شرف الدين|
لنتفق أولاً ، بأنني لست من مقام المُنظريين ، ولا من مقام الناصحيين، أنا، و كما عبرت عن نفسي سابقاً، مجرد شارب شاي، من مقام المتسائلين ، بين السائل و السؤال،في سبيل الحقيقة.
نعم، إنها العولمة ، ذاك المفهوم الضائع بين تعريف كتاب الجغرافيا و كتاب التنشئة الوطنية و المدنية، ذاك المنهاج المستورد من الأمم التالفة، ليس موضوعي الآن. لندخل في المهم ،  العولمة بمعنى القرية العالمية المنضوية في ظلال الشبكة العنكبوتية ، و في يومنا هذا وسائل التواصل الإجتماعي.على سبيل المثال ، يمكنني أن اعترض على موضوع في الشأن العام أو أن أناصر قضية معينة في البلد المعين من غرفتي البعيدة كل الأميال ضيفا في همدان ، او مستقرا في شيراز . و لعل ذلك حال قسم كبير من المواطنين اللبنانيين على مدى بلاد الله الواسعة ، و خصيصا الشباب منهم ، هذا الجيل الجديد المُثقل بترّهات الوعود القديمة و المقبل على التمرد في سبيل التغيير الحقيقي.و لهذا الأمر على الرغم من جانبه المشرق تداعيات عديدة تشهدها ليس فقط الساحة الإفتراضية بل حتى تُرجمت أحيانا على الساحة الواقعية الى حد الطابور الخامس.. ناهيك عن ظاهرة الناشطين المغرديين الذين اذا جمعوا لفيفا من المتابعين الافتراضيين و بعض “الهاشتاغات الرنانة” ظنوا بأن اصبح لهم قضية و اعتباراً ، بينما لطالما أساؤوا لما يعتبرون أنهم يمثلونه و ينصرونه سواءاً على الصعيد الحزبي او المذهبي او الوطني .هذا ليس بالجديد ، إنما الشيء المستحدث ، هو هذا الإنجرار العشوائي و الكبير خلف هؤلاء ، الذين اذا سألتهم عن خلفيتهم يحوّرون الحديث او ينفون الاتهام ، فيصدق ما يُلصق بهم تعبيراً ، الأبواق . المشكلة، الأبواق تطوروا و صار لهم بواقيين، يسيرون خلفهم بهمشرية ، من غير تفكير  مليّ او تدقيق و لطالما ما وجدوا بعضاً من هفواتهم، من تطبيع الكتروني و تسويق لأحد الناطقيين باسم العدو ، أما ما لم يعترفوا به هو أن هذه الظاهرة التي اولدوها و المليئة بالكثير من الابتذال و السوقية، في الشتائم المتبادلة عبر الهاشتاغات ،قد عكست وجها أقل ما يقال فيه انه الداعشية و إلغاء الآخر و رفض الإختلاف ، هذا الوجه الذي ينتقص من الهوية و الفكر و يسوق به نحو الإضمحلال. إنني أأسف ، أن علينا إعادة تعريف الدين و المذهب للبعض، و إعادة تعريف بعد الشخصيات لهم التي كانوا اخذوها قدوة و للأسف لم يقتادوا بشيء منهم .
لقد عاش الإمام علي (ع), مظلوما من قبل الکثیرین، حتی ممن کانوا في داخل المنظومة الإسلامية آنذاك ، و سُبَّ على المنابر لعقود و لم يكن ليقلّ حكمة او تسامحاً او حلماً ، أنا لا أقول انه قد نجد في عالمنا الحالي ممن يشابه علي الى قدر كبير ، أما و كما قال من نعتبر انه كان إماما و منارةً فكرية لشريحة لا تقتصر على  الشيعة و لا على اللبنانيين ، فالجميع يحترم الفكر و المبدأ و القضية، على أي مذهب و ديانة كانت ، فهي غايتها الإنسان ،و هكذا كان الإمام الصدر ، و يلفت بإحدى محاضراته باللغة الفارسية وقد ترجمتها سابقاً أُعيد نقل جزء منها :
“علي امامنا ؟ كيف نقول نحن أننا مأمومينه؟ علي شجاع، نحن خائفون، علي كريم ، نحن بخلاء، علي حلو ، نحن سيئي الأخلاق ،علي المقتدر ، نحن الخائفون الطماعون، علي الصادق ، و نحن؟؟ الى آخره ..
این معنی الامامة ؟ علي ایضا سره و کماله ایمانه، و هذا الطريق مفتوح لنا،الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق  ، هذا الطريق الذي سلكه علي،تفضل و اسلكه انت، ستصل، علي ذهب ١٠٠ درجة فأصبح ما عليه، انت اذهب درجة واحدة و كن ١/١٠٠ من علي ،الطريق مفتوحة للجميع أليست كذلك ؟ ”
أشار الإمام الى أصل عللنا و اساس مصائبنا و مشاكلنا ، نحن نقول أننا اتباع علي ولكننا بعيدين كل البعد بل و في بعض الاوقات نشوّه صورة هذا الانسان العظيم بمجرد إدعاءنا الانتماء إليه. و هذا الوضع هو أخطر ما توصلنا إليه ، أننا نتملص من المبدأ و الفكر، لصالح السوالف و الأخبار المغلوطة ، التي تهدف بخدمة تلك البوطة , ان نعمم بأن الطرف الآخر هو الفاسد و المفسد و لا نتطرق لكي نصلح ولو شعرة بأنفسنا، و نشمل كل من يخالفنا الرأي بانه متآمر و مفسد و عميل ، اذا نحن لم نتخرج من مدرسة علي بن أبي طالب ، و للأسف فهم الكثيرون من غير الشيعة فكر الإمام علي ، ما لم يفهمه جزء اذا صح القول ليس بالقليل ، و الأمر ليس بالشعوبية، بأن هذا الشعب لديه أفضلية على شعب آخر او افضل منه ، و هذا ما يتنافى مع تعاليم الديانات السماوية ، المشكلة في أن هناك أطراف تدير الشعب بعيدا عن هذا الفكر و انهم ينجحون بذلك.مثال بسيط عندما تأتي إحدى الإعلاميات ، و تلعب على الوتر الحساس بتغريدات تبدو سطحية بظاهرها ، إنما هي في واقع الأمر ، ك مثال حية التبن، تعقص و تبث سمها و تختبئ، و يبدأ من يُسموّن بالناشطين  المرموقين، الأبواق، بالرد بأسلوب أكثر سوقية و ابتذال ، بعيد كل البعد عن الفكر الذي يدّعون تمثيله ، و تنجر خلفه ، حملة البوّاقيين، و يصبح هذا الفضاء المجازي ، فضاء مثيراً للإشمئزاز و لا ينشر سوى الشين ، وليس الزين كما يُعبر الإمام الصادق ، الذي يعتبر مؤسس المذهب الجعفري, في رسالته لشيعته ،
“يا معشر الشيعة إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شينا”.
و للأسف لا تقف الأمور هنا ، بل هناك نوع آخر ، ممن يتصدى للمنتقدين ، بأسلوب صراحةً، يخسرّهم النقاش ، كلنا نعلم أن هناك فريقا سياسيا شن حملةعلى الفساد و كانت قراراً من اصعب القرارات السياسية، و تعرضه للنقد الدائم ، لا تكمن المشكلة هنا، فالنقد مطلوب و أساسي و اذا لم يتواجد فيعني او غياب الراي العام او ان الجهة لا تنجز شيئا فعليا. لكن المفارقة في طريقة الرد على الانتقاد ، عندما تبدأ حملات التخويين و إلصاق العمالة و الإتهام بعدم الوفاء للشهداء ، فهنا يوجد خطأ فادح ، إذا انت تمثل حزب دخل بالسياسة من بابها العريض ، و بدأ بحملة ضد الفساد و حملات للإنماء ، عليك ان تكون حاضراً للنقد، و عليك بإجابات منطقية فلا داعي لذكر الشهداء ، فالشهداء قضية سامية محفوظة لا يختلف عليها اثنان، و لا أحد يشكك بإنجازات فريق المقاومة ، ولكن النقد يكون في حيّز العمل السياسي و ليس بالضرورة تنميراً ، طبعا مع الرجوع لى طبيعة الناقد و اذا كان نقدا موضوعيا مقبولا. و المشكلة الأخرى عندما يحاول عرض التجربة الإيرانية و عن النقد و هو لا يعلم  بحقيقة الأمر او الخبر، ‏المفارقة ، عندما كانت لجنة من أمناء تجمعات الطلاب في الجامعات الإيرانية، عند السيد الخامنئي و خصيصا الطالبة سحر مهرابى التي وجهت انتقادات لاذعة حتى للنظام و القانون الأساسي للدولة ، أجابها مكان  ما يجب ان يجيب و أخذ متن كلمتها كاملاً ، و قال ان هؤلاء الشباب المنتقدين هم مستقبل هذه البلاد . لذا على المتصدين للنقد تغيير اسلوبهم ، و تدوين الانتقادات للاستفادة و توظيفها في التحسين.
في الختام، ‏هذا المجتمع بحاجة لتفعيل ثقافة النقد،وتقبله والبحث عنه بدلا من البحث عن الإطراءات غير المجدية،و بالطبع التشهير والتجريح و الشتيمة ليسوا من أنواع النقد،كما وأن النُقّاد لا يسعون لتصفية حسابات شخصية مع أحد،بل يسعون لتبيان وجهة النظر التي قد تكون خَفيت عن الفرد،من أجل المصلحة العامة.كما و أنه على التنظيمات الحزبية بالشكل و بالنتيجة تفعيل دور الشباب و استنهاض دورهم ، و ربطهم بشكل مباشر بالعمل الميداني  وخصيصا في المجال البلدي، على البلديات كسر الحواجز مع المواطنين و إشراكهم بشكل مباشر في صنع القرار ، فهذا أقل الواجب و يكمن ذلك عبر استطلاعات الرأي و المناقشات الفعلية منها لا الشكلية، و لا يفسد في الود قضية ، اختلاف الأراء او تعدد النظريات فهذا بحد ذاته إغناء لروح العمل.

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم