أدان رئيس لقاء علماء صور ومنطقتها العلامة الشيخ علي ياسين العاملي المجازر المتكرّة من قبل عدوان قوى التحالف على اليمن، وليس آخرها ما حصل في الدريهمي جلّهم من الأطفال، مُستنكراً الصمت العالمي تجاه الجرائم الحربية العدوانية على اليمن .
كلام العلامة ياسين جاء ضمن خطبة الجمعة 24-8-2018م في جامع الدينية بمدينة صور، حيث أشار إلى تململ اللبنانيين من تكرارهم المطالبة بتشكيل حكومة وطنية جامعة تُسهم في تيسير شؤونهم، مُتسائلاً: ما الذي يعتمد عليه السياسيون العاجزون ليضمنوا استمرار سكوت الشعب عن تقاعسهم ؟
وختم العلامة ياسين بضرورة الثبات على توجيه البوصلة نحو القضية الكبرى للأمة الإسلامية فلسطين، عبر دعم مسيرات العودة في الضفة والقطاع .
خِطـبَةُ الجُمُعةِ [التّعامُل مَعَ الآخرِين] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 24- 8- 2018م مدينة صور]
۞ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۞
لقد خلق الله سبحانه البشر وجعلهم مختلفين في الشكل واللون والطبائع وحتى في الرغبات والميول، وجاء في حديث نبوي شريف: الناس معادن كمعادن الفضة والذهب . وفي حديثٍ آخر: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ: جَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ، وَالْحَزْنُ.
الإنسان مأخوذٌ من عناصر الأرض المختلفة، كما جاء في خطبة الإمام علي (ع) التي ذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم (ع): ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَلَاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَمَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ ، وَاسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ . ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلًا وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ .
إن في هذا الاختلاف حكمة من الله سبحانه؛ لإعمار الأرض، إذ لو كانت البشرية بطبعٍ واحدٍ ولونٍ واحدٍ وإدراكات واحدةٍ وعقليةٍ متساويةٍ؛ لانتفت الحياة الاجتماعية القائمة على المحبّة والتعاون وتبادل الخبرات، فالاختلاف في الطبائع والامكانات والقدرات العقلية يُنتج احتياج الناس لبعضهم البعض، فكما في الأرض وعورة وسهولة، وصخر ورمل وتراب؛ كذلك طباع الناس، قال أحد الشعراء:
الناس كالأرض ومنها هُمُ *** فمن خَشِنِ الطبع ومن ليِّنِ
فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ
واختلاف الطباع والعقول يمنع المعاملة الواحدة الجامدة، فما يُلائم البعض بشكل كُلّي أو جزئي؛ لا يقبله البعض الآخر كذلك، وما يُناسب البعض؛ يرفضه البعض الآخر كُلاً أو جزءاً، فلا يمكن أن يُعامل الناس مُعاملةً واحدةً، ولا حتى يُخاطبون خطاباً واحداً، ولو تُرك الإنسان لنفسه؛ – كلّ يتصرّف على هواه – لما أمكن أن يتعايش الناس مع بعضهم البعض، ولما حصل الأمن والأمان، ولهذا السبب لم يترك الله سبحانه البشر وشأنهم؛ فلم تخلُ الأرض بعد آدم من نبي، يقول أمير المؤمنين (ع): وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ .
دور هؤلاء الأنبياء الطلب من الناس بالتزام الميثاق والعهد الذي أكمل رسالة الأنبياء، ببيان كلّ حلالٍ وحرام يُصلح شأن البشريّة إلى يوم القيامة، وجعل للبشر من سِيَرِ الأنبياء منهاجاً يسيرون عليه ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ” وأكّد (ص) في سيرته وسنّته على خفض الجناح ولين الجانب والمخاطبة بالحسنى والتحابب: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه . وجاء في وصية أمير المؤمنين (ع) لولده الإمام الحسن (ع): يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
لقد كان النبي (ص) الأسوة في التعامل، وبيّن لأصحابه بالقول والفعل كيف يجب أن يكون حالهم مع الآخرين بالقول والفعل، وربط كلّ ذلك برضا الله سبحانه، ليكون الدافع للإنسان طلب رضا المولى سبحانه، قال (ص): خير الناس أحسنهم خُلقاً . فلا يكون تحسين الخُلق لغرض دنيوي أو لكسب وجاهة؛ بل طلباً لمرضاة الله سبحانه، لذا يثبت على حسن الخُلق، رضِي الناس أم لم يرضوا، المهم رضا الله سبحانه، عن رسول الله (ص) أنه قال: إنّ الرجل ليُدرك بحُسن خُلقه درجات قائم الليل وصائم النهار . ويقول (ص): المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس . إنّ النبي (ص) عندما دخل مكّة فاتحاً؛ من باب إدخال الطمأنينة في قلوب الناس قال (ص): مَنْ دخل بيته كان آمناً، ومن دخل الكعبة كان آمناً، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن . وقد مدحه المولى سبحانه بقوله تعالى ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” .
يقول أمير المؤمنين (ع): مَنْ لانَ عودُهُ؛ كثُرت أغصانُه . وورد عن رسول الله (ص): مُداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف المعيشة . وعن الإمام الصادق (ع) قال رسول الله (ص): أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض . والمداراة تعني حُسن الصُّحبة واحتمال الأذى وأن لا تُجابه الآخرين بما يكرهون، والمداراة بالتعامل مع كلّ إنسان بحسب نفسيته وعقليته، والمدارة تتأكّد على المسؤول والزعيم؛ حتى يستطيع التأثير، ويوجد المحبة ما بينه وبين الناس، عن رسول الله (ص): ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل : ورع يحجزه عن معاصي الله وعلم يرد به جهل السفيه ، وعقل يداري به الناس .
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: دارِ الناس تستمتع بوفائهم، والقهم بالبُشر تُمتْ أضغانهم . وورد في الحديث أنّ الإمام الكاظم (ع) أحضر وُلدَهُ يوماً وقال لهم: يا بني إني موصيكم بوصية فمن حفظها لم يضع معها إن أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى الاذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئا. فاقبلوا عذره .
على الإنسان المؤمن أن لا يواجه الإساءة بالإساءة؛ بل عليه أن يتغاضى ويُسامح، وأن يُبادل الإساءة بالإحسان، وبهذا أمر الله سبحانه حبيبه المصطفى (ص) بقوله تعالى ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” وقال تعالى ” وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ” .
الإسلام يُريد للبشرية أن تعيش الأمن والسلام والتعاون والمحبة، وقد جعل الإسلام التحية [السلام عليكم]؛ إذ فيها إعلان السلام والصلح فيما بين المسلمين، وقد ورد أنّ رسول الله (ص) قال: ابدأوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تُجيبوه . وعن الإمام الصادق (ع): كان سلمان (رض) يقول: افشوا سلام الله؛ فإنّ سلام الله لا ينال الظالمين . وعنه (ع): من التواضع أن تسلّم على من لقيت .
إننا ندين المجازر المتكرّة من قبل عدوان قوى التحالف على اليمن، وليس آخرها ما حصل في الدريهمي جلّهم من الأطفال، ونستنكر الصمت العالمي تجاه الجرائم العدوانية في اليمن .
إننا نشير إلى تململ اللبنانيين من تكرارهم المطالبة بتشكيل حكومة وطنية جامعة تُسهم في تيسير شؤونهم، ونتسائل: ما الذي يعتمد عليه السياسيون العاجزون ليضمنوا استمرار سكوت الشعب عن تقاعسهم ؟
ونختم بضرورة الثبات على توجيه البوصلة نحو القضية الكبرى للأمة الإسلامية فلسطين، عبر دعم مسيرات العودة في الضفة والقطاع .
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]