إنه بداية شهر محرم الحرام وبداية عام هجري جديد هو عام 1440هـ ومعه تعود لنا ذكرى مأساة عام 61هـ السنة التي استشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام لأنه رفض البيعة ليزيد بن معاوية ، إذْ إن معاوية ابن أبي سفيان الذي حارب الإمام علي (ع) وبذلك حارب الرسول (ص) لأن النبي (ص) يقول لعلي : يا علي حربك حربي وسلمك سلمي ، استطاع معاوية مدّة ملكه أن يشتري ذمم بعض من سموا أصحابه وبدأ وضع الأحاديث على لسان النبي (ص) ، وضلّل الأمة وخاصة أهل الشام الذين أخذوا بتقديس بني أمية بسبب الروايات الكاذبة التي تمدحهم ، واستطاع معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد المعروف بالفسق والفجور وانتهاك الحرمات ، فجعلت المدرسة الأموية يزيد الفاسق الفاجر خليفة لرسول الله وصار الحسين (ع) بضعة النبي (ص) – والذي أذهب الله عنه الرجس وهو سيد شباب الجنة وسفينة النجاة … إلى الكثير الكثير مما ورد في حقه وحق أخيه وأبيه – استطاعت المدرسة الأموية التي حرّفت السنن أن تجعل الحسين – الذي بشهادته أحيا الدين – ” خارجياً ” مخالفة ما اتفق عليه صحابة النبي (ص) .
رفض الإمام الحسين (ع) البيعة ليزيد، وترك مدينة جدّه رسول الله (ص)، وأقام في مكّة، وصارت تأتيه الكتُب من الأقطار الإسلامية، وخاصةً من أهل الكوفة، حتى صارت بالآلاف، وعرف الإمام الحسين (ع) أنّ يزيد بثّ بين الجموع مائتي شيطان من شياطين بني أميّة، وأمرهم بقتل الحسين (ع) ولو كان مُعلّقاً بأستار الكعبة، وحتى لا تُنتهك الكعبة ويضيع دم الإمام الحسين (ع)؛ قرّر الخروج إلى العراق، فقال له البعض: إنّ أهل العراق قد غدروا بأبيك وأخيك؛ فنخاف أن يخذلوك، ويتمكّن يزيد منك، لو ذهبت إلى اليمن لكان الأفضل، لأنّ فيها شيعةٌ لأبيك، فخطب فيهم (ع)، ومما قاله: الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوة الا بالله ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع انا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأحوية سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فاني راحل مصبحاً إن شاء الله .
أيقن القوم بأنّ في الأمر سرّاً إلهياً، وأنّه سيكون شهيداً، فقالوا له: إنْ كنت تعلم بأنك تُقتل؛ فلماذا اصطحابك للنساء والأطفال؟ فأجابهم (ع): شاء الله أن يراني قتيلاً، ويراهنّ سبايا . من هنا كانت شهادة الإمام الحسين (ع) هي التي أحدثت صدمة في ضمير الأمة وحركت الأحرار في كل وقت وفتحت عقول المخلصين منها على الخطر الأموي الذي يكاد أن يقضي على الإسلام نصاً وروحاً، فثورة الإمام الحسين (ع) – وإن لم تستطع أن تحيي الإسلام المحمدي الأصيل في كل النفوس لكنها – أحبطت المشروع الأموي الذي كان يهدف للقضاء على الإسلام ومحو ذكر الرسول (ص) وأهل البيت (ع) رغم تحريف الأحاديث من خلال روايات مكذوبة على النبي (ص) لرفع شأن أشخاص .
نحن نقدّس صحابة النبي (ص) الذين حفظوا قول النبي (ص) والتزموا نهجه ، لأنّ بعض المدارس عمّمت مفهوم الصحابي على كل من سمع النبي ورآه وأعطته القدسية والعصمة مخالفة بذلك الوحي الذي يحذّر النبي (ص) من بعض من هم حوله ، منها قوله تعالى ” وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ” فمع هذا التصريح من القرآن كيف يمكن أن نعمم مفهوم الصحابي على كل من رأى النبي(ص) أو سمعه ثم نقول قال رسول الله (ص): أصحابي فيكم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . هذه المدرسة المنحرفة هي التي قتلت الإمام الحسين(ع)، ولا تزال مسيطرة على عقول كثيرين ممن يشهدون الشهادتين ويرتكبون الجرائم بحق المسلمين، وما ذلك إلاّ لأن تلك المدرسة هي التي علّمتهم أن يزيد هو أمير المؤمنين، لذا ندعو أهل العلم والدّين لدراسة تلك الفترة بموضوعية وتبصّر وليعملوا على تثبيت ما ورد من السنة الصحيحة .
فمن أجل إحياء الدين كانت شهادة الإمام الحسين (ع) الذي خاطب من تساءل : ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه . الباطل الذي سار عليه معاوية وألزم المسلمين به بعد أن كان قد قتل الكثير من صحابة النبي(ص) من الذين صدقوا صحبتهم مع النبي (ص) وأرادوا الالتزام بسنة رسول الله(ص) ورفضوا وضع الأحاديث الكاذبة التي ترضي معاوية، معاوية الذي كانت بطانته من المنافقين واليهود والذي كان يسعى للملك والسلطان وهو القائل لأهل الكوفة إني ما قاتلتكم لتصلوا وتصوموا لأنكم تفعلون ذلك بل قاتلتكم لأتأمر عليكم، فمعاوية أول من قاتل أهل القبلة وأعلن الحرب على الإمام علي (ع) مع أن الإمام علي (ع) هو الخليفة المفروض الطاعة بمفهوم كل المسلمين مع ذلك نجد كثيراً من المسلمين وبعضهم تُسمي بالعالِم يوجِد المبررات لمعاوية الذي كان يزعجه أن يسمع أشهد أن محمداً رسول الله خمس مرات باليوم، وبحربه لعلي (ع) فهو حارب رسول الله (ص) القائل عن علي (ع) – بإجماع المسلمين -: حربهُ حربي، وسلمهُ سلمي .
تلك هي المدرسة المنحرفة التي قامت على المال والسلطان والتي غيّرت مفهوم العقائد وعملت على النّيل من مكانة النبي (ص) وأهل بيته وأصحابه الطاهرين ولا حقتهم إلى قبورهم فهدمتها ، لكنهم نور الله الذي لا ينطفيء وما نشهده ونسمعه من نهج الجماعات التكفيرية إنما هو نتاج لتلك المدرسة وتلك السنة السيئة فمعاوية أول من سبّ الصحابة وقتلهم خارجاً بذلك على الإسلام والمسلمين .
فدماء الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه كانت الموقف ضد هذا المد الأموي المنحرف وأبقت هذه الدماء على الإسلام وأسقطت حكومة بني أمية وبقيت شهادة الإمام الحسين (ع) نوراً يقتدي به كل من شعر بالظلم وحتى ولو كان غير مسلم ، فذاك غاندي البوذي يقول تعلمت من الحسين بن علي كيف أكون مظلوماً فأنتصر ، فالحسين استشهد لكنه انتصر لأنه لم يكن يطلب الملك بل الإصلاح في أمة رسول الله (ص) والبقاء لهذا الدين ، وبينت بطلة كربلاء حاملة لواء الثورة الحسينية زينب (ع) ليزيد بأنّ مشروعهم الأموي فاشل حينما قالت له : ” كد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فإنك والله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا ” هلك يزيد ولا يذكر إلا عند كل نقيصة وعند كل فساد وإجرام ، وبقي ذكر الحسين نوراً يضيء الدنيا لكل حر وصادق ومؤمن ومحب لرسول الله (ص) .
فالمجالس الحسينية هي التي أبقت على الإسلام المحمدي الأصيل لذا كان الحكام الظالمون يخشونها ويمنعون إقامتها لأنها تذكّر بالظلم والظالمين وبالحق والأحرار وتؤرخ للدماء الطاهرة التي ستبقى هي المدد والنور الذي يمدّ المؤمنين والمجاهدين بالقوة والصبر لمواجهة كل الظالمين حتى يؤسسوا لدولة الفرج الأكبر ودولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، تلك الدولة التي ستنتقم لهذه الدماء الطاهرة وتسقط كل الظالمين وتملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
إننا نؤكد أنه بعد أن فشل قتلة الرئيس الحريري في نشر الفتنة في لبنان للقضاء على المقاومة التي أجهضت المشاريع الصهيو أمريكية؛ فقد أوكل الدور إلى ما يسمى بالمحكمة الدولية التي اعتمدت على شهود زورٍ وحمتهم، محملةً الشعب اللبناني مصارفاتها بدون رضا من الشعب.
ولأن المحكمة الدولية بنيت على الباطل فهي لا تعنينا، وأي حكم يصدر عنها لا يعني أكثرية الشعب اللبناني وسيبقى أي قرار يصدر عنها حبراً على ورق ولن يستطيع المشروع الصهيوامريكي وأدواته من اللبنانيين النيل من المقاومة وقادتها ورموزها، لا بالحرب ولا بالمحكمة، وستبقى ثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة) حامية للسلم الأهلي ومدافعة عن لبنان الذي يحتاج إلى حكومة قوية تحفظ المال العام وتعيش أوجاع المحرومين في وطنهم.
إننا نشد على يد الرئيس الحريري في معرفة الحقيقة، والتي تؤكد أن قتلة الرئيس الحريري أرادوا سوءاً بالبلد من ضمن المخطط الصهيوامريكي، لضرب استقرار المنطقة، وأن الحقيقة لا تكون من محكمة تستند الى شهود زور فيها صهاينة .
ونختم مشددين على أن الحقيقة مطلب جميع اللبنانيين، ولو أوكل الامر إلى القضاء اللبناني لكشف الحقيقة، ولم يتم سجن الضباط الأربعة ظلماً .
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]