لا الكلام يجدي ولا المناشدات تنفع والاعتداءات على الحياة البرية مستمرة، وأكثر ما تستهدف الضباع المخططة، هذه الكائنات الأكثر فائدة للإنسان في محيطه الحيوي والأكثر خوفا منه في الآن عينه، رغم ما نسج حولها من خرافات وأساطير، فإلى متى يستمر هذا المسلسل؟ وكيف يمكن حماية المتبقي من كائنات برية؟
يبدو أنه لم يعد ثمة شيء محمي في لبنان بغير الوعي الذي لا تدركه إلا قلة قليلة من أهله الذين لديهم توجهات بيئية سليمة لحماية الطبيعة، فبعد أن اشتهر لبنان بجباله وبالغابات التي كانت موائل للحيوانات البرية المتنوعة التي كانت تعيش فيه، انحسرت المساحات الحرجية والغابات وغلب الإسمنت الطبيعة، ولم يعد للبقية القليلة المتبقية من الحيوانات البرية مكان تلوذ إليه بعيدا عن عين الإنسان، علما أن بعضها لجأ في الجنوب الى الأراضي الفلسطينية المحتلة وأنشئت لها المحميات للحفاظ عليها.
منذ مطلع الأسبوع وتصلنا بشكل يومي تبليغات عدة في “جمعية Green Area الدولية” عن تعديات على الحياة البرية، يقوم بها مواطنون ويوثقونها بالصور والأفلام المصورة على هواتفهم الجوالة في تحد أصبح واضحا لسلطة القانون الذي لم يدعم بالتطبيق والمحاسبة من السلطات المعنية بالمتابعة إلا في ما ندر.
صور اليوم عرضها مواطن يدعى (ب. ق) من بلدة ياطر الجنوبية في قضاء صور وعنونها بـ “ضبع وادي أنطاره قتيل”! ولم يتوان عن إضافة صورة جديدة لضبعين معلقين على شجرة، مما يعني أنه طارد ضبعا آخر وأرداه، وعلقهما والتقط الصور بجانبهما متفاخرا بفعلته، وبعد متابعتنا التعليقات لفتنا نوعان منها “المحذر والمشجع”، هما صورة تعبر عن الواقع الذي نعيشه في ظل الفلتان والفوضى.
ويهمنا كـــ “جمعية Green Area الدولية” الإشارة إلى أننا تقدمنا وفقا للمعطيات المتوافرة لدينا بشكوى صباح اليوم إلى وزارة البيئة، ونضعها في الوقت عينه برسم محافظ الجنوب منصور ضو وسائر الجهات المعنية.
في هذا السياق لم يعد خافيا على أحد أن هذه الحيوانات محمية وفقا للقوانين اللبنانية، والإعتداء عليها هو تحد للقانون نفسه، وقد آن الأوان للدولة أن تقوم بواجباتها لجهة حماية الطبيعة من العبث والتخريب وما تبقى فيها من حيوانات برية ومعاقبة المعتدين عليها، خصوصا أولئك الذين يعتبرون ملاحقة الضباع والثعالب وقتلها ضربا من البطولة.
دورها أساس في النظم البيئية
لا بد من التنويه إلى أن ثمة مخالفة أيضا، لجهة الالتزام بقرارات منع الصيد في جنوب الليطاني، إلا أن هذا السلاح المتفلت يتطلب التشدد أكثر في ملاحقة من يستخدمونه صيدا وقتلا لحيوانات أليفة وبرية.
ويهمنا ان نشير في هذا المجال، وخصوصا لمن لم يعلم بعد أن الضبع المخطط هو حيوان بري شديد الخوف من الإنسان، ولم نسمع يوما بعد أن ضبعا افترس إنسانا، بل على العكس لطالما طارده الإنسان وقتله عمدا وبدون سبب.
تعيش الضباع كما الحيوانات اللاحمة في البرية، كما أن التمدد العمراني في المشاعات والقرى جعلها أكثر قربا من القرى، تقتات الضباع المخططة على الجيف والنفايات، دورها أساس في النظم البيئية وتوازنها واستدامتها، كما لها الفضل في الحد من انتشار الأوبئة، ما ينعكس بالفائدة على الصحة العامة والتربة، وغياب هذه الكائنات له تداعيات على حيوية البرية والمناطق الحرجية، وتوازن النظم البرية وإستدامتها، وهو ما يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالمواطن وصحته وأمنه الغذائي المائي.
ختاما إن قتل الضبع المخطط هو جريمة بحق الطبيعة والبيئة والحياة البرية في لبنان، ويمثل تعد على القانون اللبناني، والتباهي بقتل الحيوانات وخصوصا المهددة بالإنقراض في البرية اللبنانية، لذلك نرى أنه من الضروري التشدد في ملاحقة الفاعلين لوقف هذه الظواهر وحماية الأعداد القليلة المتبقية منها.
green erea