” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ”
إنّ واقعة الطف جاءت صورةً واضحةً للصراع بين الحق والباطل، بين الإمام الحسين – المعصوم الذي لا يُخطئ، وهو حجة الله على الأرض –، وبين المجرم يزيد الذي لا يتورّع عن شيء، كان الصراع بين فئة قليلة آمنت بالله، وبين سواد أعظم استعبدته الدنيا، معركة كانت بين أهل البصائر وبين أهل الضلال، كانت بين مستميتين في سبيل نيل رضا الله وبين لاهثين وراء دنيا زائفة، بين من يسعى لرضا ربّه سبحانه وبين من يسعى لرضا السلاطين .
عاشوراء مدرسة وموسم عبادي، مضت العشرة الأولى من المحرم وقد جهد الجميع لحضور مجالس العزاء، وإقامتها وبذل ما يُستطاع في سبيلها، وإن كانت المجالس بشكل أو بآخر تستمر إلى ما بعد أربعين الإمام الحسين (ع)، لكنّ العشرة الأُوَل تشهد زخماً وازدحاماً، فاستمعنا فيها ما صدر عن الإمام المعصوم، وما بدر من أقوال وأفعال، تعرّفنا على أنّ الإمام (ع) لم يخرج من أجل الملك أو السلطة؛ فهو القائل: إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي رسول الله (ص) . لأنّ الحاكم خرج عن تعاليم الإسلام فتعدى حدود الشريعة، وعطّلها، وظلم الرعية، وأذلّ الناس، فرفض الإمام الحسين (ع) ذلك بصوتٍ هادر [هيهات منّا الذلة]، لأنّ الله عزّ وجل أراد للمؤمن العزة والكرامة، ومن أجل دفع المؤمن إلى بذل نفسه مقابل عزّة دينه ونفسه؛ فقد هوّن الإمام الحسين (ع) الموت أمامه [خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة] وصدح (ع) مفاخراً: إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما] فالمفروض على الإنسان أن يعيش للحق ومع الحق، وأن يموت على الحق، من هنا دعوته (ع) للمؤمنين [ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه … ليرغب المؤمن في لقاء ربّه مُحقاً] وحينما استرجع الإمام الحسين (ع) وتأكيده بأنّ مسيرهم لم يحد عن الحق؛ بادره ابنه الأكبر (ع): لا نبالي أوقعنا على الموت، أو وقع الموت علينا .
وأما ما جرى مع الحر وتوبته ثم استشهاده بين يدي أبي عبد الله (ع) لهو درس عملي للمؤمن المُبتلى بالذنوب، بأن يتدارك نفسه قبل فوات الأوان، وفي وفاء أصحاب وأنصار الإمام (ع) وثباتهم؛ مع أنّ الإمام أحلّهم من تكليفهم [إنّ هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً] فأبوا إلاّ الوفاء لإمامهم وقائدهم وتمنّوا أن يُقتلوا ويعودوا للحياة ثم يُقتلوا ويُقطّعوا ولن يتركوه إلاّ أن يموتوا دونه، حتى جون – وبعد أن شهد الحملات على الحسين (ع) واستشهد الأصحاب – قال له الحسين (ع): يا جون؛ إنما تبعتنا للعافية . وأذن له بالانسحاب، لكنّ الوفاء والإيمان منعه من ترك الحسين (ع)، فقال جون: أنا في الرخاء ألحس قصاعكم؛ وفي الشدّة أخذلكم؛ والله لا يكون ذلك أبداً . من هنا تجلّى إصرارهم على نيل الشهادة بين يديه (ع) .وقد كانت قمّة الإيثار والمساواة في العاشر من محرّم ما صدر عن العباس بن علي (ع)؛ إذ مع شدّة عطشه؛ ترك شرب الماء، لأنّ أخاه الحسين (ع) عطشان، وهمّه أن يوصل الماء لمخيّم الحسين (ع)، لا لأنّه أخاه فقط؛ بل لأنّه إمام زمانه . وفي المقلب الآخر؛ رأينا كيف أنّ عمر بن سعد وقد غلبه هواه على دينه، ومع ذلك لم يحصل على مراده من دنياه، وقد ارتكب أبشع جريمة في تاريخ البشريّة .
كل هذه دروس وعبر سمعناها وغيرها في المجالس الحسينية، وأعظم ما فيها موقف بطلة كربلاء أم المصائب زينب (ع) أمام جيش الكوفة، وخلفها نساء وأطفال وإمام عليل وخيام تحترق، تتقدّم من الجسد الشريف وترفع يدها إلى المولى سبحانه قائلة: اللهم تقبّل منّا هذا القربان . فلم تلطم وجهها، ولم يصدر منها ما يُبيّن أنها ضعيفة أو ذليلة، لأنها عالمة غير مُعلّمة – كما وصفها إمام زمانها زين العابدين (ع) -، والتزاماً منها بما أوصاها أخوها الإمام الحسين (ع) بأن لا تخمش عليه وجهاً، ولا تشق عليه جيباً، ولا تدعو بالويل والثبور . ولتكمل رسالتها في حفظ إمام زمانها وتبيين مظلومية الإمام الحسين (ع) وإعلان أهدافه العظمى ، إلى جنب حفظ النساء والأطفال .
وتبيّن هذه المجالس الحسينية الجريمة التي ارتكبها أعداء الإسلام الذين أرادوا قتل الإسلام بقتلهم الحسين (ع)، سمعنا عن كلّ هذا في الأيام والليالي العشر الأولى من شهر محرّم، وبكينا، وقلنا: يا ليتنا كنّا معك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين (ع) لنفوز فوزاً عظيماً . فشاركنا أهل البيت (ع) حزنهم، وبكينا على الإمام الحسين (ع)، وكثيرون أسالوا دماءهم بدعوى مواساة الإمام الحسين (ع)، فهل لأجلِ هذا استشهد الإمام الحسين (ع)؟ لنحوّل ذكراه العظيمة إلى طقوس وشعائر لا تنصر حقاً ولا تدفع باطلاً، حينها تستمر المأساة بدون العمل على تحقيق الأهداف التي ضحّى من أجلها رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، واستمراراً مع الأئمة المعصومين (ع) من بعده، إلى فترة انتظار انتهاء الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان (عج)، لنصرته ونصرة دين الله سبحانه .
إنّ حياة الأئمة (ع) كلّها كانت من أجل الدين وإنقاذ الإنسانية من مخالب الدنيا، فقام كل واحدٍ منهم بدوره في حفظ الدين، فسالم أمير المؤمنين (ع) حيث مقالته المشهورة [لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بذلك إلاّ جوراً عليّ خاصة . وبعدها حارب المارقين والناكثين والقاسطين، ثم جاء دور الإمام الحسن (ع) ليصالح حفظاً للبقية الباقية من المؤمنين، ولفضح زيف إسلام معاوية؛ الذي سلّط فيما بعد ابنه يزيد المُعلن للفسق والفجور على رقاب المسلمين وفي قمّة الحكم، وكاد أن يقضي على كلّ المبادئ الدينية والأخلاقية؛ فكانت شهادة الإمام الحسين (ع)، وقد أكمل دوره الإمام زين العابدين (ع) والسيدة زينب (ع) بإسقاط حلم بني أمية، ثم استمر الأئمة (ع) بأدوارهم التضحوية والفكرية والفعلية في حفظ الدين الإسلامي وتعاليمه، ولو أنّ أي إمام من الأئمة المعصومين (ع) كان في زمن الإمام الحسين (ع) لقام بما قام به الإمام الحسين (ع)، فإنّه وإن كانت الأدوار مختلفة لكنّ الهدف واحد وهو الحفاظ على الدين، وفي ذلك توسّع السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) في كتابه [أهل البيت (ع)؛ تنوّع أدوار، ووحدة هدف] . ورجوعاً لما أوصى به الإمام الحسين (ع) مولاتنا الحوراء زينب (ع) وهو يوصيها بالصبر ورباطة الجأش؛ عزّاها بقوله: يا أخية ! اتقي الله وتعزي بعزاء الله ، واعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأن أهل السماء لا يبقون ، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي خير مني ، وأمي خير مني ، وأخي خير مني ، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة .
إنّ إحياءنا لذكرى عاشوراء الحسين (ع)، واهتمامنا بها؛ ما هو إلاّ تنفيذ لما ورد عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) بالحث على البكاء وإقامة المجالس على الإمام الحسين (ع)، لأنّها من أشد المصائب . ثمّ إنّ عاشوراء الحسين (ع) مدرسة وليست موسم حزنٍ فقط، فهي مدرسة أخلاق وقيم واهتمام بأمور المسلمين، وهذا هو لب قضيّة شهادة الإمام الحسين (ع)، فإحياؤها لا ينبغي أن يقتصر على ذكر ما حصل في كربلاء من أحداثٍ فقط؛ بل ينبغي الرجوع إلى ما قبل كربلاء وما بعدها، حينئذٍ نُدرك لبّ قضيّة كربلاء، وهذا التصدّي الحسيني للانحراف والظلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنّ في عاشوراء الحسين (ع) درسٌ لكلّ فردٍ في مجتمعاتنا، درس للمرأة والرجل، للشيخ الكبير وللطفل الصغير، للشاب والفتاة، بل لكلّ من كان له عقل بشري وأخلاق إنسانية . وما الحث على البكاء وتأكيد بعض الروايات أنّ من دمعت عينه على مصاب الحسين (ع) دخل الجنّة أو غفر الله له؛ إنْ هي إلاّ تأكيد على أنّ الدمعة لابدّ أن تدفع صاحبها للتعاطف مع النهج الحسيني في مواجهة الباطل ونصرة الحق، فهو كالحديث القائل: حب علي (ع) حسنة لا تضر معها سيئة، وبغض علي (ع) سيّئة لا تنفع معها حسنة . إنما ينظر إلى الحب الصادر من قلب وعقل من عرف أخلاق علي (ع) ومكانة علي، حبٌ يلزم صاحبه بالاقتداء بعلي (ع)، أما حب علي الناشئ من الإعجاب بعلي (ع) دون الاقتداء به فما هو بحبٍ حقيقي، إذ مثله مثل من يدّعي حب الله وهو له عاصٍ، قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته *** إنّ المحب لمن يحب مطيع
إنّ الدموع والحزن يكونان في ميزان حسناتنا وتجعلنا حسينيين عندما تدفعنا للتصرّف بحسب الدين والحق، وأن نعيش روحيّة الدين، ونكون معه إيثاراً وتضحيةً ومحبةً ورحمةً، من هنا كان بكاء الإمام الحسين (ع) على أعدائه رحمة بهم لأنهم سيدخلون جهنّم بسببه، عظيمة هي عاطفة الإمام الحسين (ع) حتى على أعدائه الذين سيقتلونه دون رحمة أو تردّد، وكبيرة تضحيته بنفسه وأهله وأولاده وأصحابه وكل ما يملك في سبيل الحق والحفاظ على شريعة جدّه المصطفى (ص)، وانطلق (ع) في مناجاته الأخيرة:
إلهي تركت الخلق طرّاً في هواكَ *** وأيتمتُ العيال لكي أراكَ
فلو قطّعتني بالحب إرباً *** لما ما الفؤاد إلى سواكَ
كان الأئمة (ع) إذا دخل المحرم يعقدون مجالس العزاء ويتّشحون بالسواد، ويأمرون بالبكاء على سيد الشهداء (ع) واستماع السيرة؛ لتبقى الذكرى حيّة في النفوس، ومُستنهضةً لها، ولتبقى تعاليم الإسلام قائمة حتى قيام الساعة، فهل يتم هذا بضرب رأسي بمديةٍ تُسيل دمي دون التزامي بمبادئ الإسلام وتعاليم أهل البيت (ع)، هناك مَنْ أراد لنا أن نتلهّى بهكذا ممارسات، ولنتصوّر أنّه بدونها لا إحياء يتم، وذلك ليصرفنا عن تحقيق ما سعى له الإمام الحسين (ع) من إصلاح ومواجهة ظلمٍ ورفض ذلٍ، مع قناعتنا بأنّ الإمام الحسين (ع) استُشهد من أجل الإنسانية جمعاء، فكان قدوة لغير المسلمين، فهذا غاندي – على سبيل المثال – حينما قال: تعلّمتُ من الحسين؛ كيف أكون مظلوماً فأنتصر . فعلى نهج الحسين (ع) ثبت علماؤنا في عصر الغيبة، لحفظ الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يصدر من أي منهم تشجيع على ما ألصق بالشعائر كالتطبير وأمثاله، بل منهم من ذهب إلى تحريمه، لأن ليس في الأدلة الشرعية ما يُثبت استحبابها .
الحسينيون هم الذين يسعون للتغيير والأخذ بيد الأمة، فهذا الإمام الخميني (رض) حقّق – كما قال عنه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) – ما كنّا نتمنّاه، وهو حلم الأنبياء . وقد صدح الإمام الخميني (رض) [إن كل ما عندنا هو من عاشوراء] فأسقط طاغوت عصره، وثبت في وجه الاستكبار العالمي، وساعد حركات التحرّر العالمي، واحتضن حركات المقاومة وبالأخص التي أسّسها الإمام الصدر، القائل: كونوا مؤمنين حسينيين . فاستطاعت هذه المقاومة المباركة أن تطرد الاحتلال، وما زالت تتصدّى لمعسكر التكفيريين الذين ينفّذون مخططات المشروع الصهيو أمريكي لإذلال المنطقة والسيطرة عليها، وإنّ المقاومة سائرة في إسقاط هذه المؤامرات بشعار [يا لثارات الحسين] وشعار [ما تركتك يا حسين]، فالذين يندبونه صباحاً ومساءً هم الثابتون على خطه قولاً وفعلاً، لأنّ حب الحسين (ع) ملأ قلوبهم فعشقوا الشهادة على نهجه، فإما نصر أو شهادة مباركة باسم الحسين (ع) لنصرة حفيده إمام زماننا أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .
إننا نرى أن الجلسة التي سموها جلسة تشريع الضرورة لم تقر أي مشروع ضروري للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بالجانبين الصحي والتربوي. إننا نشيد بموقف رئيس الجمهورية في الأمم المتحدة والذي أكد فيه على القاعدة الماسية (جيش _شعب _ مقاومة) ونتمنا على القيادات السياسية أن تعي دقة المرحلة . ونطالب المسؤولين عن تشكيل الحكومة مصارحة الشعب اللبناني بالعقبات والمعرقلين الحقيقيين الذين يقفون وراء كل هذا التأخير في التشكيل.
ونختم مناشدين وزارة التربية بإزالة العقبات أمام العام الدراسي الجديد، ووزارة الصحة بالعمل على إزالة جميع العوائق أمام تأمين الأدوية الضرورية للأمراض المستعصية التي يحتاجها المواطنون .